آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-10:11م

لصوص الامس واليوم !

الأحد - 22 مايو 2022 - الساعة 06:39 م

د. الخضر عبدالله
بقلم: د. الخضر عبدالله
- ارشيف الكاتب


كان لصوص الأمس  أشرف من لصوص اليوم بكثير , فقد بقيت في نفوسهم حُرمةٌ (العيش والملح ) و الــ (مروءة) وتراث أخلاقي حضاري لا يسرقون الجار ولا المرأة ولا يعتدوا على مال الفقير.
أما لصوص اليوم فهم في جحود  تام لكل القيم  والأخلاق والحرمات، فهم مصاصو دماء بلا هوادة ودون رحمة وبلا خجل أو وجل ..!!
ويكفينا في هذه المقالة ان نورد بعض مواقف للصوص الأمس فقد جاء في كتب التاريخ عن صوص بغداد في العصر العباسي كيف كانوا حكماء وفلاسفة، وكان من أشهرهم اللص الشريف أبو عثمان الخياط والذي كان يقول: بأن اللص أحسن حالا من الحاكم المرتشى، والقاضي الذى يأكل أموال اليتامى , ومن أشهر وصاياه لأتباعه من اللصوص ما قاله يوماً عن نفسه: "ما سرقت جاراً قطُّ ولو كان عدواً، ولا سرقت كريماً وأنا أعرفه، ولا خنت مَن خانني، ولا كافأت غدراً بغدر".
بل كان يعاقب المجرمين الذين لا ينصاعون للمبادئ ومواثيق الشرف موصياً أصحابه: "لا بد لصاحب هذه الصناعة (أي اللصوصية) من جراءة وحركة وفطنة وطمع، وينبغي أن يخالط أهل الصلاح، ولا يتزيّا بغير زيّه.
وعاهد أصحابه قائلا: "أضمنوا لي ثلاثاً أضمن لكم السلامة: لا تسرقوا الجيران، واتقوا الحرام ولا تكونوا أكثر من شريك مناصف أي الحصول على نصف ثروة الغني".
أما اللص ابن سيار الشاطر كان واسع الحيلة والدهاء فكان لا يسرق إلا من الأغنياء ويترك الفقراء وينادي بأحقيتهم في أموال الأغنياء.
وعند وفاة كبير اللصوص في العهد العباسي "أدهم بن عسقلة" كتب وصيةً لأتباعه اللصوص قائلاً:  "لا تسرقوا إمرأة ولا فقيراً ولا جارًا، وإذا سرقتم بيتاً فاسرقوا نصفه واتركوا نصفه ليعتاشوا عليه، ولا تكونوا انذالاً ولا ظلمة ولا قتلة".
وفي إحدى المرات قطع اللص  ابن حمدي ,الطريق على رجل قرب بغداد، وعندما حاول الرجل إقناعه بهدوء بعد السرقة، ما كان من ابن حمدي إلا أن يقدم في إجابته قراءة سياسية لظاهرة الفساد المستشري في الدولة آنذاك، وبأن انتشار السرقة ما هو إلا رد فعل على فساد السلطة التي ضيقت عليهم سبل العمل المشروع.
وقال ابن حمدي للرجل:"الله بيننا وبين هذا السلطان الذي أحوجنا إلى هذا! فإنه قد أسقط أرزاقنا وأحوجنا إلى هذا الفعل".
ثم قارن بين ما يفعله شخصياً وما ترتكبه السلطة قائلاً: "لسنا فيما نفعله نرتكب أمراً أعظم مما يرتكبه السلطان حين ينهب خيرات الشعب ويتركه فريسة للفقر والفاقة".
وذكر ابن حمدي أسماء مسؤولين بعينهم مثل أمير بغداد أبي جعفر ابن شيرزاد والقائد أبي عبد الله البريدي في القرن العاشر الميلادي في مدينتيْ واسط والبصرة، وقال إن كلاً منهم"يصادر الناس ويفقرهم"، و"يأخذون أصول الضِّياع والدور والعقار، ويتجاوزون ذلك إلى الحُرُم". ثم قال: "فاحسبونا نحن (أي اللصوص) مثل هؤلاء".
أما لصوص اليوم, سرقوا آمال الحاضر والمستقبل  فلا أخلاق دين لهم ولا رحمة، ولا حدود لبطشهم وجشعهم،وتخصصوا بسرقة خيرات الوطن وافسدوا الماء والهواء وسرقوا فرح وبسمة الأمهات والأباء والأطفال، ، وما تستطيعه أيديهم من اموال الفقراء وبنوا مجد ثروتهم على حساب شعب منكوب ومستمرون لا مبالاة. ( ولا حول ولا قوة إلا بالله )