آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-02:54ص

أين موقع أبناء عدن .. أيها الساسة ؟

السبت - 07 مايو 2022 - الساعة 08:12 م

جبران شمسان
بقلم: جبران شمسان
- ارشيف الكاتب


 


               جبران شمسان

ما هذا التهميش المستمر الذي نراه لأبناء عدن, ماذا صنعت عدن التي لها فضل بعد الله على الكثيرين, فهي التي حضنت ثورة فبراير1948م وفتحت لها صدر صحيفة فتاة الجزيرة (التي سميت منبر الأحرار السياسي ) لصاحبها محمد علي لقمان رائد النهضة الفكرية والتحررية في الوطن ومبنى الصحيفة الذي كان ملتقي يومي لأحرار ثورة فبراير 48م أصبح محتلا من قبل أحد أفراد القبيلة حتى اليوم, ووفر أبناء عدن المقرات للأحرار في التواهي وكريتر والشيخ عثمان وكانت عدن القاعدة التي انطلقت منها, ثم ساند أبناء عدن ثورة 26 سبتمبر 62م بدءا من المراسلات السرية بين القاهرة وصنعاء وتعز عبر صيدلية الشرق بواسطة المناضل الكبير عبده حسين الأدهل حيث كان عبد الملك الطيب يأتي إلى الأدهل لاستلام وتسليم الرسائل لضباط مصريين. (انظر كتاب: "دور عدن في الثورتين" لكاتب المقال)ومرورا بفتح مراكز في الشيخ والمعلا تبناها المؤتمر العمالي ورموزه الأصنج والعبيد والقاضي وذلك لتعبئة وإرسال المتطوعين من جميع المناطق للدفاع عن ثورة سبتمبر, وانتهاء بأبناء مدينة عدن نفسها من (فدائيي التنظيم الشعبي) في المشاركة بفك حصار صنعاء في نقيل يسلح الذين شهد لهم حسين الدفعي في صمودهم في المعركة مع الملكيين كما جاء في كتاب الجناحي حين قال العقيد الدفعي:(أما جماعة جبهة التحرير - ويقصد التنظيم الشعبي- فقد كانوا في طليعة المعركة) بينما هربت أفراد قبائل عنس وسنحان وآنس وبلاد الروس من المعركة ولم يستطع مشايخهم السيطرة عليهم (صفحة 405 كتاب الجناحي : الحركة الوطنية) وقد فقدوا خمسين شهيدا في نقيل يسلح بينهم القائد البطل هاشم عمر إسماعيل أسماؤهم غير مدرجة في قائمة منظمة أسر شهداء ومناضلي حرب التحرير بينما أدرجت مئات الأسماء لمن ليسو لهم صلة بالعمليات الفدائية أو حرب التحرير أو كانوا جواسيس على الفدائيين وقاموا باغتيال بعضهم. وقد استكثر المسئولون إطلاق اسم الشهيد القائد هاشم عمر اسماعيل، على الشارع الذي يسكنه في الشيخ عثمان (ولم يلتفت الى اسرته احد سوى مبلغ مالي كان يصلهم احيانا بشكل سري من علي ناصر محمد من خارج البلاد ويرمى لهم سرا من تحت الباب) هذا بالإضافة إلى تغذية صنعاء بالكوادر السياسية والثقافية والإدارية من الأصنج حتى با سندوة ومن علي لقمان وحمزة لقمان حتى د. محمد عبده غانم وغيرهم من دفعات الكوادر الفنية والإدارية لأفضل جهاز إداري كان في الشرق الأوسط حينما قام أول رئيس بعد الاستقلال بتسريح المئات من كوادر عدن فكانت أول ضربة توجه لجهاز إداري ليس له علاقة بالسياسة وكانت تلك أول دفعة - توجد قائمتها لدينا - ثم كانت الدفعة الثانية في أغسطس 1972م في ما عرف بالأيام السبع المشئومة سيئة الصيت حين تم تسريح دفعة أخرى من أبناء عدن بدخول الغوغاء والدهماء إلى المكاتب لطرد المدراء والمسئولين وغيرهم من المرافق الحكومية كالقاضي علي زين عيدروس وعميد المعهد الفني فضل لقمان واعتقال كتاب وأدباء ومثقفين ومناضلين دون مبرر أو صلة بأي عمل تخريبي كالكتاب أحمد محفوظ عمر وعمر الجاوي وسعيد عولقي وغيرهم وقيام السلطة ورعاعها بإخراج بعض الأسر العدنية والعائلات من بيوتها ووضعهم في بستان الكمسري في الشيخ عثمان(حديقة الملاهي حاليا) وذلك تمهيدا لترحيلهم وطردهم إلى خارج الحدود إلى شمال الوطن, ثم خرج هؤلاء الضحايا في مظاهرة في شوارع صنعاء وتعز في 1972م.
إن الذي يريد إن يعرف إحصائية أبناء هذه المدينة المجني عليها والتي ظلت دائما تدفع الثمن فليراجع إحصائيات ما قبل الاستقلال قبل هجرة الريف والقبيلة إلى المدينة بعد 1967م, ليراجع كتاب حمزة لقمان (تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية) لقد كانت عدن وحدها معادلا لبقية المناطق وفاق سكانها (240000نسمة حينها )سكان الريف الجنوبي (محمية عدن الغربية), ومدن الشطر الشمالي الثلاث صنعاء تعز الحديدة في 1948 وحتى 62م كانت(120000نسمة). وعليه أن يرجع إلى ديوان السجل المدني للمواليد في عدن بل إلى مقابر عدن ليقرأ شواهد أصحاب القبور الذين همش أبناؤهم وأحفادهم خلال جيلين. وعليه أن يرجع إلى أي دليل للهاتف المنزلي لما قبل عام 1967م. وعليه أن يرجع إلى قوائم تسريحات 1968 و1972 للكوادر وأن يتخيل أعداد الفدائيين والمناضلين الذين وضعوا في السجون شهر الاستقلال فلم يروا نور الاستقلال ومنها معتقلات ثلاث محافظات عدن وأبين ولحج. بدءا باعتقال بعض المناضلات في مدرسة البنات قرب بريد الشيخ عثمان في 6و7 نوفمبر 67م وثلاثة طوابق في مستشفى عفارةأوالمحكمة سابقا الواقع خلف نادي الوحدة, وسجن المنصورة وانتهاء بسجون زنجبار وجعار وزارة والضالع وغيرها لقد كانوا بالآلاف لتهمة أنهم جبهة تحرير أو تنظيم شعبي ناصري, أو متعاطفون معهما. هذا بالإضافة إلى الآلاف المنسحبة من الفدائيين بعد تلقي الضربة الثلاثية عليهم في 6 نوفمبر 67م من الجيش الاتحادي والجبهة القومية ومن ورائهم المستعمر حيث استقروا في تعز وبعضهم في صنعاء أما الذين صدقوا قرار العفو العام وعادوا فقد كانت الشاحنات في كرش تنتظرهم لنقلهم إلى سجن المنصورة. أما المشردون الذين نزحوا أو هربوا أو أخرجوا من ديارهم بغير حق أو تحت شعار (سلم منزلك مقابل رخصة سفر) وأحيانا المنزل مع الأثاث, أو خرجوا متنكرين بملابس رثة فهم في الغربة والاغتراب في الخليج وأوروبا وأمريكا وغيرها فحدث ولا حرج. بينما تمت الهجرة من الريف إلى المدينة بدءا من العام 1967 دون توقف عدى في الفترة التي مزقت القبيلة الصراعات.
والمتأمل لبعض المظاهرات في فترة الكفاح المسلح يستطيع أن يميز أشكال الجموع بأنها كانت مظاهرات مدنية من الجنسين وليست ريفية أو قبلية وتبدو واضحة من خلال الأزياء, والعالم الخارجي يميز الأزياء والأشكال. وحتى في معارك حرب 94م نظن أن شهادة أحد القادة وهو هيثم قاسم (لأصحاب السوكا) والمقصود بهم شباب عدن كانت واضحة بينما اختبأ مئتان من ضباط الريف والقبيلة. في شقق حي عبد العزيز عبد الولي اكتشفتهم عناصر محمد علي احمد. وعند غزو البغاة الحوثيين لعدن في مارس،2015م كان لأبناء مدينة عدن نصيب الاسد في الصد والمقاومة. واختفت مليونية الحراك الريفي(1000000) التي كانت تغطي ساحة العروض وتبخرت. كنا نريد ان يسلفونا حتى خمسين الف مقاتل من المليون.
هذه هي عدن وهؤلاء هم أبناؤها هذا ولم نذكر الأدباء والشعراء والمثقفين والفنانين لعدم اتساع المجال هنا. ومع ذلك يهمشون أبناء عدن لأنهم ليسو قبيلة ولا يحملون السلاح إنهم مجتمع مدني حضاري وهو خلاصة أو عصارة من كل المناطق اليمنية لذلك ينبغي أن يكون لهم مكانا في التمثيل وأن تكون لهم المقاعد الملائمة لمكانتهم ودورهم المشرف والنبيل وحجمهم الصحيح وهم لم يساعدوا أبناءهم الفدائيين فقط أثناء العمليات وإنما ساعدوا الشرفاء والمخلصين من الجبهة الأخرى أيضا وكانوا يخفونهم أو يقدمون لهم ما يحتاجونه كما يعاملون الفدائيين من أبنائهم؛ إلا إذا كانت عدن مازالت تعاقب على دورها في حرب التحرير حتى اليوم.
لا تعطلوا عدن بالرغبة في الاستحواذ والتنافس عليها ولا توصلوها إلى درجة من الغليان والانفجار. ولولا عدن وأبناءها لما نجحت حرب التحرير ولما كان الاستقلال. وتشهد بذلك الأعداد المتفوقة من المشاركين من أبنائها في حرب التحرير ولا سيما عند وصول الكفاح إلى الذروة مع وصول اللجنة الثلاثية في 1967م, والمحقون المنصفون يعرفون أيضا هذا الفارق العددي في حرب التحرير الذي يوضحه عدد المعتقلات المذكورة يوم 6 نوفمبر67م. أما الذين يظلمون عدن فقد تعودنا أن نرى أن الله سبحانه يجعل بأسهم بينهم.
لقد تلقت عدن عدة ضربات في الرأس، الواحدة تلو الأخرى ودفعت الثمن غاليا منذ الاستقلال بسبب صراع القبيلة وكأن الاستقلال جاء عقابا لها على ما قدمته بدلا من مكافأتها وإحقاق الحق لها. حيث تكالب عليها القاصي والداني وإذا رقد الثور كثرت سكاكينه كما يقول المثل المحلي. ومن لا يستطيع أن يجازيك فإنه يعاديك, أو يدير لك الظهر حتى أصبح من هب ودب يتجاوز عدن أو يسيء إليها أو يتجاهلها أو يقول إنها كانت قرية صيادين وهم يعلمون أن الغزاة عبر التاريخ لا يمكن أن يتنافسوا ويتسابقوا على قرية إنها مدينة صهاريج وميناء تاريخي عريق في القدم منذ أن عرف العرب الإبحار  عمرها 5500 سنة قبل صنعاء التي لم يتجاوز عمرها 3500سنة, ذكرت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولدى المؤرخين وسميت ثغر اليمن الباسم عامرة بالمساجد جاذبة للتجار صانعة للسفن الشراعية التجارية القديمة وليست قرية صيادين كما يقول المغرضون والجهلة. 
كثيرون قلبوا ظهر المجن لعدن أرادوا ويريدون تحويل أبنائها إلى أشباح يدوسون على ظلالهم ويلقون بالحجارة في حوض الماء الذي يشربون منه. يعبثون بثغر الوطن الباسم بدلا من أن يجعلوها فخرا لكم وتاجا على رؤوسهم و إذا كان المستعمر قد أسمى عدن المستعمر (درة التاج البريطاني) فماذا سيسميها هؤلاء؟ قرية أم قطاع خاص أو محطة ترانزيت عندما يخسرون معركة يهربون منها إلى الجبل أو إلى الخارج ويبقى أبناؤها, ثم يعودون إليها مرة ثانية لمغامرة جديدة دون وضع أبنائها في الحسبان ولذلك فهم يخسرون لأن الله لا ينصر الظالم. أم أنهم لا يؤمنون بذلك واثقين أن النصر هو من عندهم و بأيديهم؟ كم مرة فروا من عدن؟ أصدقونا القول.
إن النظرة الخاطئة وهي أن القبيلة ورثت عدن من المستعمر على حساب أبنائها وأهاليها هي التي جرت المآسي على الجميع.
إذا لم تتغير هذه النظرة لعدن فإن عدن لن تتغير ولن تصلح ولن تنهض من سباتها وستسمر معطلة بالقبيلة وإذا لم تصلح عدن فلن تصلح القبيلة افهموها هكذا.. واخبرونا متى يزدهر بلد بريفه ومدينته إذا كانت العاصمة أوالمدينة معطلة ؟. إنها أساس التطور والازدهار. المدن هي التي نهضت بأوروبا لآن الريف تنازل عنها وأعطاها دورها ولم يبق كابسا عليها بغرض الملذات ثم أضاع الملذات في المعارك والغربة والقبور ثم يعود إلى المربع الأول مرة أخرى وهكذا. الريف هو الأصل وهو الزراعة وهو العمق لكنه ليس الواجهة أمام العالم ولا يمكنه تصدرها لأن هذا ليس دوره ولا طبيعته, لذلك يفشل كل مرة لأنه يريد أن يزيح المدينة ويأخذ دورها ودوره فيختنق, لأنه يزيح ابنها من عجلة القيادة ليمسك هو بها بدلا منه بأنانية كالأطفال فيصدم ويرتكب الحوادث وتكون المأساة والكارثة.
هل تخجلون من أن يكون لأبناء عدن مقاعد إلى جانبكم بنسبة عدد سكانها بينما من المفترض أن تكون مقاعدكم هي إلى جانبهم وليس العكس. إن الذي يفوت بعض هؤلاء هو أن العالم الخارجي يراقب بصمت وبابتسامة ساخرة تهميش المدني وإقصاء المجتمع المدني ويميز بين الأطراف وليس كما يظنون, فهو يراقب الجميع. تماما كما تفعل الأغلبية الصامتة في الداخل وعلى هؤلاء الذين يتجاوزون أهل المدن أن يحسنوا علاقتهم بأبنائها حتى يحموا أنفسهم لأنه لا تسلم الجرة في كل مرة.
ليس من العيب أن يفخر الوطني من أي قبيلة بمدينته أو بالعاصمة ويترك لأبنائها المجال والقرار لكي تزدهر وليس أن يزاحم أهلها وينتقل من صراع إلى صراع مع منافسيه ومع المزاحمين فيخسرون جميعا كما خسروا من سابق ونبقى في نفس الدائرة والدوامة.
جبران شمسان