آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:25ص

قضية "المسرح" يا رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي!

الجمعة - 06 مايو 2022 - الساعة 04:03 م

سامي الكاف
بقلم: سامي الكاف
- ارشيف الكاتب


 

بدأت قضية اسم "مسرح حافون" بالمعلا، المسرح الذي أصبح بقرار وزاري بتاريخ ١ مارس ٢٠٢١ من قبل وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني "مسرح الفنان الراحل رائد طه"، تتحول إلى قضية نزاع بين أن يبقى الاسم كما هو عليه أو يعود إلى ما كان قبل القرار أو يتم إعادة تسميته مرة ثالثة بشكل مختلف. قضية نزاع مستعرة انخرط فيها كُثر؛ سياسيون ومثقفون وإعلاميون وناشطون، واستعارها يكشف - على نحو واضح - حالة المشهد المنفلت على مصراعيه بشكل يتسق مع حالة الانفلات التي اجتاحت حياة المدينة وناسها بالضرورة و غابت عنها ومعها الضوابط المعيارية والأخلاقية والقانونية المفترض أن تكون الملاذ الآمن للجميع. 
لا توجد معلومات دقيقة تشير إلى تاريخ محدد لبدء المسرح في عدن؛ ففي حين تُرجع بعض الكتابات إلى أن ذلك بدأ في ١٩٠٤ من خلال زيارة قامت بها فرقة هندية إلى عدن وقدمت عرضاً مسرحياً عبره تعرّف العدنيون على الفن المسرحي لأول مرة في حياتهم، تشير كتابات أخرى، في الوقت ذاته، إلى أن الحركة المسرحية في عدن بدأت في الثلاثينات و أخرى تقول انها بدأت في الأربعينات، ومن ثم استمرت بعد ذلك حركتها التصاعدية ولو بشكل سلحفائي بطيء، وهي بذلك، أي عدن، تعتبر مهد الحركة الفنية والثقافية بكل تفرعاتها الإبداعية بل وأصبحت لاحقاً هي الواجهة على مستوى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وفق شروط امكاناتها المتاحة التي تتناسب مع إمكانيات واقعها المعاش وحرية التعبير المحدودة آنذاك. 
وفي القضية المشار إليها بعاليه، يجادل ناقدون الآن بأن إطلاق اسم المسرح ليحمل اسم الفنان المسرحي الراحل رائد طه إنما يأتي على حساب هذه الواجهة الفنية لعدن وقاماتها الإبداعية  الكبيرة، في حين يتم النظر إلى الأمر، من قبل آخرين، بكونه يأتي في سياق احترام مكانة رائد طه في عدن استناداً إلى مسيرته المسرحية الجميلة التي قدمها خلال مشواره الفني القصير قياساً بعمره (١٩٨٣ - ٢٠٢١).
الرافضون يرون أن ذلك يُعد اجحافاً بحق شخصيات مسرحية فنية ثقافية لطالما قدمت الكثير من الأعمال الإبداعية لعدن خصوصاً ولليمن عموماً. (وفي هذا السياق يرى فريق ثالث أن الابقاء على الاسم الجديد أمر واقع طالما تم بقرار وزاري وتغييره سيسبب الأذى المعنوي لأسرة الراحل الفنان رائد طه ولأصدقائه ولمحبيه).
هذا الجدل الشائك جعل القضية مستعرة من خلال تمسك كل طرف بما يطرحه، خصوصاً في ظل تغليف القضية بطابع سياسي سعت أطراف لتبدو القضية كما تبدو عليه اليوم؛ وفي خضم كل ذلك لم يتم توجيه أصابع الاتهام إلى من أصدر قرار تغيير الاسم وحيثياته وهو القرار الذي جاء على حين غرة، فأساس المشكلة ينطلق من فعل التغيير ذاته، التغيير الذي اعتدى على مكانة اسم منطقة لطالما ارتبطت بحياة ساكنيها: حافون، وبالتالي اعتداء على ذكرياتهم سواء الإنسانية المرتبطة بالمكان ذاته أو تلك المرتبطة بالثقافة والفن الناتجة عن ارتباطها بالمسرح نفسه: مسرح حافون.
وإلقاء نظرة فاحصة على هكذا قرارات غير مدروسة (وفي أغلبها تنطلق لتحقيق أهداف سياسية)؛ تجعل المرء يكتشف مدى حجم الضرر المعنوي والنفسي على ذكريات في مجموعها و محصلتها تشكل إرثاً لطالما يتم الإشارة إليه بوصفه محل فخر واعتزاز وقبل ذلك إنتماء.
هل يتذكر أحدكم القرارات المرتجلة التي أدت إلى تغيير اسم "قناة عدن" إلى "قناة ٢٢ مايو"، و إلى "القناة الثانية" وردود الفعل بسبب ذلك؟ (أسوق هذا المثال للتفكير والتأمل، فالأمثلة أكثر من أن تحصى و معظمها تم اتخاذ قرارتها لتحقيق أهداف سياسية على حساب ما تشكله أسماء هذه الأماكن والشوارع من ذكريات لدى الناس بوصفها محل فخر واعتزاز وقبل ذلك إنتماء). 
ما العمل الآن؟ 
يتعين وضع هذه القضية على طاولة رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي ليكونوا في أدق تفاصيلها و تداعياتها بالضرورة باعتبارها دالة على مشهد فني ثقافي صادم ومُحبط (حتى وإن قال قائل انهم لا يقرأون)، فأساس هذه القضية هو أساس معظم القضايا الأخرى؛ مرتبط بكم القرارات المتسرعة و غير المدروسة، وقبل ذلك غير القانونية، التي لطالما تم اتخاذها من قبل مسؤولي المؤسسات المختلفة للدولة سواء عبر مؤسسة الرئاسة أو الحكومة أو على مستوى الوزراء والمحافظين، وأنتجت ما أنتجته من تداعيات يعرفها الجميع، وهي قرارات غالبيتها تخالف معايير وضوابط شغل الوظائف العامة في هذه المؤسسات (بما فيها التنازع الحاصل بين محافظ عدن وعدد من الوزراء في ما يخص تعيين مدراء عموم مكاتب الوزارات في حين التعيين بدرجة مدير عام من اختصاص رئيس الوزراء باستثناء بعض مدراء العموم كمدير عام الشرطة الذي يخضع لتعيين رئيس الجمهورية)، ولأنها كذلك، أي قرارات تخالف معايير وضوابط شغل الوظائف العامة في الدولة، يتخذ شاغلو هذه الوظائف الكثير من القرارات المتسرعة وغير المدروسة، وفي معظمها تكون مخالفة للدستور والقوانين النافذة ولا نجد من يقف في وجهها أو يحاسب متخذيها على هذه القرارات، ولا يهم حينها إن كانت تصادر حقوق الكثير من الناس أو تشكل ضرراً معنوياً ونفسياً على ذكريات ناس في مجموعها و محصلتها تشكل إرثاً لطالما يتم الإشارة إليه بوصفه محل فخر واعتزاز وقبل ذلك إنتماء. (أشارت مخرجات المشاورات اليمنية-اليمنية في الرياض إلى مثل هذه القرارات في سياق المشاكل والتحديات التي تواجه استعادة الدولة ووضعت لها مقترحات بالحلول التي يتعين العمل بها في كافة محاورها). 
سيواجه رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي الكثير من القضايا الأكثر تعقيداَ وأهمية من القضية المشار إليها بعاليه (دعونا نأمل أنهم يقرأون)، فإن استطاعوا تفهم هذه القضية وحيثياتها وأبعادها وتداعياتها، والحيلولة دون ارتكاب المزيد منها، سيتمكنون من فهم حيثيات وأبعاد وتداعيات القضايا الأكثر تعقيداَ وهي المتراكمة منذ سنوات عديدة، وبالتالي يمكن المراهنة على أنهم سيفعلون ما يتوجب عليهم فعله بما يتوافق مع أهمية المرحلة الراهنة وتعقيداتها وخطورتها بالطبع؛ خصوصاً وخطاب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي بمناسبة عيد الفطر جاء ليؤكد أهمية هذه المسألة حين قال: "ان إدراكنا للتحديات المتراكمة التي اثقلت كاهل اليمنيين، يضعنا أمام مسؤوليتنا التي لا تقبل غير النجاح". 
و الآن هل سأل أحدكم: كم [عدد المسارح و دُور العرض] الموجودة في عدن و في كل اليمن؟ وماذا تعني الإجابة على هذا السؤال باتجاه حاضر ومستقبل هذه الأمة؟! 
 - هذا المقال إهداء لمسقط رأسي: كريتر.