آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-01:53م

الحوثي وجدلية السيد والعبد

الأربعاء - 23 مارس 2022 - الساعة 02:28 م

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب


 الآخر (العبد ) غير السيد هو من يعطي ( للسيد) وسيادته معنى؛ والمشكلة تبدأ أصلا بالإدراك المضاد؛ أي ان الوعي بالذات واستقلالها عن الأشياء والموضوعات لا تظهر إلا من خلال ( الآخر) المختلف؛ وذات (الحوثي ) تحتاج في وعيها بنفسها وتمايزها الى (الاخر) الذي يضادها كي تثبت وجودها، ووعي ( الحوثي) بذاته متأصل بخرافات ومتصل بعقائد دينية  فاسده تزعم بأن هذا (فضل الله يؤتيه من يشاء) وأي محاولة لتفكيك هذا الخطاب العنصري ونقده  هو (حسد ) وجدل لا طائل منه!!! 
   قد يكون من المفيد تفكيك هذا الخطاب الاستعلائي العنصري بقراءة عقائدية مضادة بنفس الأدوات والمناهج؛ لكننا سنظل ندور في حلقة مفرغة من اللاهوتية المتباينة تأويلاتها الى درجة التناقض! إنما من خلال جدلية ( السيد والعبد ) نجد تفسيرا معقولا لنمو( ذات السيد ) الحوثي واستبصار مالاتها ومستقبلها. 
   في دورة جدلية ( السيد والعبد ) التاريخية وتطورها تتبادل الأدوار بسقوط آخر الائمة السادة (الزيديين) في سبتمبر 1962  وتبدأ العلاقة العكسية بالتشكل حيث (العبد) ( القبيلي) الجمهوري ) صار (حرا سيدا ) والسيد صارعبدا وهي علاقة مطردة في التاريخ الانساني لكن لحظة إنهيار ذات (السيد ) هي لحظة نموها وتشكلها وعيها بذاتها  مرة أخرى.
  قرابة نصف قرن ومن كان (سيدا) مطاعا مخدوما صار تابعا وخادما او لنقل (هكذا يشعر)  والظروف نفسها التي جعلت من خدمه وعبيده سادة له ستعيد له سيادته مرة أخرى؛ ستشكل الحروب الستة (2006) بداية عملية للسيد الحوثي لاستعادة سيادته منتهزا ما يعرف بالربيع العربي غطاء يخفي فيه نواياه ليبلغ الذروة وقمة ( وعي السيد البائس) كما يسميه هيجل بدخوله صنعاء (21سبتمبر2014)؛ ولأن هذا ( الوعي البائس ) في حالة عداء مستمرة فإنه يقوم باختلاق آخر( عدو) ويتجه الى الجنوب بشعار جهاد (الدواعش) وكان يعلن في السابق تضامنه مع مظلومية الجنوب في خطابه الرسمي ويشبهها بمظلوميته، حالة العداء المستمرة تتضح اكثر في شعار الموت الذي يرفعه وصواريخه وطياراته التي يقصف بها مرافق حيوية في السعودية والإمارات. 
 ستمثل انكسارات الحوثي في الجنوب وانحساره بداية جدية لتشكل وعي آخر مضاد للسيد الحوثي، والمسألة كما يرى هيجل مسالة وقت حتى يستطيع هذا (الآخر) المستضعف من استعادة المبادرة وقلب الصورة   
  ولإيضاح هذه الجدلية ( السيد والعبد) يمكن شرحها بظاهرة الفتوات في عدن مطلع القرن المنصرم سيكون (علي حيرو) ذو الأصول الصومالية سيدا مطاعا ومهابا بعد أن يتغلب على كل الفتوات ويرتضي لنفسه بواحد من هؤلاء الفتوات (أصغرهم ) كخادم له ؛ متفرغا لملذاته فوق مقعدة الأثير ومدخنا للتمباك ... وبمرور الزمن يضعف وتخر قواه ويجد نفسه  في خدمة ذاك الشاب الذي تربع على عرش الفتوة بعد ان أزيح (علي حيرو)
   يبين (هيغل) أن الضرورة تفرض تفوق إحدى الذوات على الأخرى؛ وأنه في ضوء هذه الجدلية يمكن أن نقدم صورة شمولية للعالم!!! يؤيده التاريخ في نمط العلاقات العبودية المألوفة لنا في القصص القديمة أو النظام الاقطاعي أو الرأسمالي أو في عصر الحريات المفترضة وحتى على مستوى العلاقات الشخصية وقديما قالوا : لكل شيء إذا ما تم نقصان

 لكن يبقى السؤال :  هل بالفعل هذه النظرية الجدلية ( السيد والعبد ) هي المؤطرة لواقع ( السيد الحوثي ) والمفسرة لفلسفته الوجودية المخفية لحقيقته المتألهة؛ التي تراقب ( الآخر ) وتحاوره كشيطان أو حشرة .

* باحث أكاديمي وعضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل