آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:59ص

عدن عندما كان يحكمها أولادها

الأحد - 20 مارس 2022 - الساعة 07:30 م

عفيف السيد عبدالله
بقلم: عفيف السيد عبدالله
- ارشيف الكاتب


في أوقات متفرقة من العصور الوسطى، زار عدن كثير من الرحالة المشهورين. وأخبرونا في كتبهم عن واقع عدن في تلك العصور. وعن أهمية موقعها الجغرافي، وامكانيات ميناءها الخرافي. وما عاشته من ازدهار حضاري، وتجاري، عندما كان يحكمها، ويتدبر أمورها أولادها وحدهم. 

 ومن زوارها الذين اخبرونا في كتبهم، ومخطوطاتهم، ومدوناتهم، ما رأوا وشاهدوا في زيارتهم للمدينة، الرحالة الايطالي ماركو بولو. وزارها مرتان، أثناء رحلاته مع خاله التي انطلقت عام 1269م. ودون رحلاته في كتاب سماه " مليون". ووصفها بأنها مدينة كبيرة، تضم عدد من القرى، والبلدات. ويزورها كثير من التجار، الذين يبيعون سلعهم، ويسستبدلونها بالذهب. وقال أن كل السفن الكبيرة تأتي اليها من الهند، ثم تفرغ حمولتها الى سفن صغيرة، التي تبحر لمدة اسبوع. ثم تناولها لقوافل تتجه بعدها الى مصر، ودول الشرق الأوسط.

وفي عام 1330م، زار عدن ابن بطوطه. ودونت رحلاته في مخطوطة، عرفت باسم "الرحلة". وقد وصف عدن، بالمركز التجاري القوي، وبالثراء الفاحش. وأنه كانت السفينة، بكامل حمولتها، مملوكة لشخص واحد من سكانها. 

وأثناء حكم السلالة الصينية مينج. أمر الامبراطور الصيني يونجل، لغرض توسيع تجارته، ونفوذه، بإرسال مبعوث له وثلاث سفن، محملة بالهدايا الى عدن. برفقة الادمير البحري، والمستكشف الصيني الشهير شينج هو. وأبحرت السفن من ميناء سمطرة عام 1412م. كما سجلها في كتاب له، كاتب وقائع الرحلة ماهوآن.

 وقال البحار البرتغالي كوفلهام، بعد زيارته لعدن عام 1487م. أنها من أكثر البلدان تجارة، وبها أكثر التجار ثراء. أذ كانت تفد عليها السفن التجارية، المختلفة الأنواع، من كل بقاع العالم.

وفي عام 1504م،  زار عدن البحار الارستقراطي فارتيما دي. وقد دون رحلاته بنفسه، ونشرها في روما عام 1510م.  في كتاب تم ترجمته لاحقا الى خمسين لغة. ومن وصفه لعدن، قال أنها مدينة فائقة الجمال، وثرية جدا، تحيط بها جبال، وحصون قوية، لم يراها من قبل في مدينة عند مستوى سطح البحر.

وفي الفترة ما بين عامي 1703م  و1713م. زار عدن جان دولاروك، وهو كاتب وقائع أول رحلة قام بها الفرنسيون، لاستكشاف بلاد العرب، لأغراض تجارية. ووصف عدن، بأنها مدينة مهمة، ومشهورة. تتربع على سفح جبال، وتحيط بها الأسوار، وتحميها نحو خمسة أو ست قلاع، وأن ميناءها هو الأفضل في العالم. كما وصف سوق المدينة، أنه كان مخططا على أحدث طراز، وأن بيوت عدن الخاصة والعامة كبيرة، وجميلة، وأنيقة. وأن المدينة فيها حمامات عامة، لا يعرف أجمل منها، مكسوة كليا بالرخام، واليشب. ولسقوفها قبب رائعة، ومزينة في الداخل، بأروقة، وحجرات، وقاعات ترتكز على أعمدة جميلة.

 وفي العصر الحديث، في زمن الانجليز، قبل مجيء الجبهة القومية (الحزب الاشتراكي) وتسلمه حكم المدينة بالتدليس. كان أبناء عدن، يختارون وحدهم لإدارة المدينة، ولتمثيلها في المجلس التشريعي في الداخل. ولا يذهب وزنهم السياسي الى باقي المقيمين في المدينة، من الجنوب أو الشمال.

وما سبق، هو دلالة أن عدن بحكم تاريخها القديم والحديث وبحكم الواقع، تمتعت بسيادة داخلية مستقلة. والآن مضى أكثر من نصف قرن على استقلالها الزائف. ومنذ ذاك الحين، تمر عدن بفترة هي الأسوأ في تاريخها. ولم يعد أبناء عدن يستطيعون الاستمرار في وجود هذا الوضع القبيح القائم. ومن حق عدن، وخليق بها، وجديرة من الوجهتين التاريخية والإنسانية، ولثقافتها المدنية المتميزة، ايجاد صيغة قانونية لمفهوم سياسي، يمنحها وضع خاص كمجتمع حضري. يحتضن مبادئ الديمقراطية والتنمية.   

والرؤية المستقبلية الصادقة، هي أن تكون عدن " مدينة يمنية ذات حالة خاصة". يمنح أبناءها الأصليين، القدرة على تدبير شؤونها كلها. بما في ذلك، انتخاب مجالسها المحلية، وممثليها في المجالس النيابية، وغيرها. في إطار عملية ديمقراطية، يكون حق التصويت فيها لأبناء عدن وحدهم. من دون ضغوطات مباشرة، أو غير مباشرة، أو مشاركة أية أفراد، أو جماعة من خارج المدينة. وحالة المدينة الخاصة ليس انفصال. ولا يعني حكم ذاتي، أو استقلال إقليم، أو شكل من السيادة الداخلية المستقلة. وإنما هو ميزة، ونمط متطور، غير معقد، داخل أسلوب إدارة الدولة الواحدة..