آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-05:43م

الدب الروسي يمرض ولكن لا يموت

الإثنين - 14 مارس 2022 - الساعة 11:18 م

نزيه مرياش
بقلم: نزيه مرياش
- ارشيف الكاتب


كم وكم وكم من عقود، ونحن نتوق ونشتاق ونشتهي لبزوق نجم أسطورة، يُعيد البصيرة لأعيوننا والأمل لإنهاء جبروت الطُغيان المفروض على أغلبية دول العالم، وبالذات الدول العربية والإسلامية، من قبل قوة النسر الأمريكي ومكر وخبث الثعلب البريطاني ودماثة وجيفة الضبع الإسرائيلي، الذين كسر كبريائهم الدب الروسي الذي أثبت لنا، أن سبب غيابه عن المشهد السياسي العالمي هو فترة نقاهة من مرض وليس الموت السريري  . 
كيف لانطلق على بوتين الأسطورة، وهو الوحيد من العالم الذي تجرأ على كسر شموخ وعظام مايسمون أنفسهم بحكام العالم، ولعدة مرات . حيث خلال الثلاثة العقود الأخيرة، تعاقب رؤوسا أمريكا ( بوش الأبن، أوباما، ترامب، بايدن )، بتحذير روسيا والعقاب في حالة تدخلت في شؤون الشيشان وسوريا وشبة جزيرة القرم وأوكرانيا، ورغم ذلك نفذ الدب الروسي تدخله على الشيشان وسوريا وجزيرة القرم وأوكرانيا، لينحت بأظافره في عقلية قيادة النسر ذلك، مهما تعاقب رؤوساكم فلن ولن يتفوقوا على الدبدوب الروسي بقيد أنملة، وأن تغير مجريات سواقي التاريخ لا مفر منه، وأن براغيث صانعي التاريخ الذين فرضوا علينا كل ماتشتهي ملذاتهم من التحكم والتلاعب بالمنظومة العالمية يجب أن يسحقوا  . 
ولكن حين تُغمض عيناك عن مشاهد حرب أوكرانيا، وما يحوم حولها من تصريحات أعلامية أمريكية أوربية، وتغوص أكثر في الملابسات الخفية المخالفة لما تبثه مؤسساتهم الإعلامية، سنؤمن أن هناك قطع ناقصة من هذه الأحجية . فالعالم بأجمع يعلم أن أوكرانيا كبش فدى قُدم لدب الروسي كقربان شؤوم، لإثارته وإستفزازه لدخول في الحرب التي أستخدمتها أمريكا، وعلى وجه السرعة، لكبح التطور الروسي الذي سيُعيد الإمبراطورية الروسية كند يفرض ثنائية القطبية في النظام العالمي، وهذا مايقلق قلب أمريكا، علماً أن التطورات الروسية متمثلة في الأتي : -
- قطعت موسكو طريق الصندوق والبنك الدوليين إليها، قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، وأمّنت لنفسها إعتماداً على الذات، وصل إلى نسبة 43% في مجمل إحتياجاتها، بينما لم تتجاوز هذه النسبة في الولايات المتحدة 27%  . 
- الخوف من الدب الروسي أن يستولي على مصنع الإتحاد السوفييتي السابق، القائم في أوكرانيا والذي تُصنع فيه وبشكل كامل صواريخ الفضاء الأمريكية . 
- طورت روسيا منتوجها العسكري الصناعي بشكل سريع ومتفوق، وبذلك حُسمت توازن الردع العالمي لصالحها في ديسمبر عام 2019م، حين نجحت في إطلاق صاروخ  أفانجارد .
- ووفق معطيات فبراير/شباط 2022م، نمت صادرات الغاز الروسي في العام الماضي، بمقدار 2.1 مرة وبلغت 54.2 مليار دولار، مقارنة بالعام 2020م، حيث كانت 25.7 مليار دولار فقط .
- إرتفاع حصة إمدادات الغاز الطبيعي الروسي خلال 10 سنوات من 40 إلى 55 بالمائة، وإمدادات النفط إلى المانيا زادت في نفس الفترة من 38 بالمائة إلى 48 بالمائة، بحسب صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية  .
- ذهول الناتو بالقطعة السينفونية الروسية المتطورة التي أثبتت لناتو، بأن الطفرة الروسية لم تحدث في تكنولوجيا السلاح وحدها، وإنما طالت التفكير والتخطيط على المستويين الإستراتيجي والتعبوي الذي قُدم في ميدان أوكرانيا عبر التخطيط العسكري للجيش الروسي، الذي لم يتقدم بمنطق الهدم والتدمير وإنما بالجراحات الدقيقة وبالسيطرة الميدانية، وبالإمساك بالمفاصل الحاكمة  . 
- أثبت الدراسات الإستراتيجية الأمريكية أن روسيا تثخن بثروات تفوق إحتياجاتها، لذلك تعمل  أمريكا على زعزعة أمن وإستقرار روسيا حتى تُقسم لأجل تحصد أمريكا نصيبها من الثروات  .

هذه التطورات الروسية جعلت فرائس الرئيس بايدن ترتعد، ليطلب في بداية عام 2021م، مراجعة إستراتيجية للوضع العالمي للجيش الأمريكي، حيث قدم البنتاجون وثيقة تفصيلية ظلت سرية بإستثناء بندين أثنين، قام البنتاجون بتسريبهما وهما : 
الأول : ( تقوية الرادع القتالي ضد العدو الروسي في أوروبا، وتمكين قوات حلف الأطلنطي من العمل بجدية ) 
الثاني : ( تعزيز الجيش الأمريكي لعمليات الإنتشار والقواعد الموجهة نحو الصين وروسيا مع الإحتفاظ بقوات كافية في الشرق الأوسط ) .
وقد بدأت أمريكا برسم هذان البندين على أرض اوكرانيا، حيث أستخدمت الطرق التالية للقضاء على التهور الروسي في التطور العسكري والإقتصادي : - 
- نشر الناتو مكاتب المخابرات الغربية في أوكرانيا، لدرجة أن مكتب مخابرات الناتو في كييف يضم عاملين أكثر مما يضم المكتب الرئيسي لناتو في بروكسل  . 
- التسارع الغير مسبوق لناتو في تنفيذ مخططها لنشر عدة ألوية عسكرية في داخل أوكرانيا  . 
- إجبار النخبة الحاكمة في أوكرانيا لإظهار العداء لموسكو، وأن تتصرف كنخبة عميلة لكل خصوم روسيا في الغرب، بما في ذلك قيامها بأنشطة مشبوهة التي إما إنها مضاد عسكري الطابع ، أو في إطار أعمال سرية داخل مفاعل شرنوبل لبناء قنبلة نووية، أو في إطار تعبئة للكتائب النازية المتطرفة وتحويلها إلى واجهه للجيش الأوكراني ، ومخلب لأعمال عدائية ضد الروس .
- إلزام تركيا بأرسال مدداً متصلاً من طائراتها المسيرة إلى كييف  . 
- إجتهاد الأمريكيون في الشهور الأخيرة من عام 2021م، بأرسال من تنظيم داعش أعداداً من الإرهابيين من مواطني روسيا والبلاد المجاورة إلى قاعدة التنف، التي تسيطر عليها أمريكا على الحدود السورية العراقية، وتم إخضاعهم لتدريبات على أعمال التخريب والإرهاب إستعداداً لنقلهم بعد ذلك إلى مدينة دونباس الأوكرانية .
- القضاء على مشروع « نوردستريم2 » الناقل للغاز الروسي إلى أوروبا التي ستلجأ إلى الغاز الأمريكي المسال كبديل، وبذلك تعزز أمريكا غازها في موقع خريطة الطاقة العالمية الجديدة، وتحصل على حصة سوقية كبيرة في أوروبا . 
- دعم أوكرانيا بالسلاح الدفاعي فقط حتى تطول حرب الاستنزاف لأجل إحتواء روسيا، وإجبار حلفاء أوكرانيا الأوروبيين بفرض عقوبات على موسكو وعزلها وكبح جماح نموها الإقتصادي المتسارع، وإستهداف مشاريعها المستقبلية لأجل تتأخر روسيا في العودة إلى إمبراطورية الإتحاد السوفيتي  . 
فبوتين كان بين خيران إما أن يفككك لغم أوكرانيا وتتأخر الإمبراطورية الروسية او يتجاهل هذا اللغم  الذي فيمابعد سيحجب شمس الإمبراطورية الروسية عن الشروق .