آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:05م

الشرعية وحكومتها يخالفون الشرع والدستور اليمني

الأحد - 13 مارس 2022 - الساعة 03:47 م

عبدالحكيم الجابري
بقلم: عبدالحكيم الجابري
- ارشيف الكاتب


أدرك الخلفاء المسلمون والفقهاء والمهتمون بالنظم السياسية، أمثال أبو الحسن الماوردي صاحب كتاب الأحكام السلطانية، وابن خلدون في تاريخه، وغيرهما من الفطاحلة والأعلام في علوم السياسة والادارة، إلى خطورة استغلال الحكام والوزراء لمناصبهم السياسية في الاشتغال بالتجارة، وان الحاكم ومن يعاونه ليس لهم الحق في أن يدخلوا ساحة التجارة وهم في مناصبهم ومسؤلياتهم، فقد رُوي أن عاملا للخليفة عمر بن الخطاب اسمه الحارث بن كعب بن وهب، ظهر عليه الثراء فسأله عمر عن مصدر ثرائه فأجاب: خرجتُ بنفقةٍ معي فتجرت فيها فقال عمر: "أما والله ما بعثناكم لتتجروا"، وأخذ منه ما حصل عليه من ربح.

وفور تولى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، أصدر بيانا شاملا للمسلمين، فيما يتعلق بهذا الموضوع ذكر فيه ما يلي: "لا يحل لعامل تجارة في سلطانه الذي هو عليه، فإن الأمير متى يتجر يستأثر ويصيب أمورا فيها عنت وإن حرص على ألا يفعل"، ومما تحفظه كتب التاريخ عن عمر بن عبد العزيز أيضا قولته المشهورة: "تجارة الولاة مفسدة، وللرعية مهلكة".
وهناك الكثير من المبينات، عن حرمة التجارة على الحكام والوزراء ومعاونيهم، لكي لايشغلهم العمل التجاري عن القيام بمسؤلياتهم التي تم اختيارهم لها،  لأنهم لم يعودوا متفرغين لمهمتهم الأصلية التي اختيروا من أجل القيام بها، لأن تلك المهمة تستغرق الوقت كله، وكل إنفاق لوقت الحاكم ومن يعاونه في غيرها سيعود بالنقص على أدائها والقيام بـها حق القيام، وسيظهر أثر ذلك على البلاد والعباد.

ان الفساد في أي بلد يبدأ من رأسه، أي من حكامه، وهو ما يترتب عليه تدمير البنية الإجتماعية والإقتصادية والتعليمية والأمنية والدفاعية وغيرها، ومن أبرز مظاهر هذا الفساد تحول الحكام والوزراء والمسؤلين عامة، إلى تجار أو جمعهم بين الحكم والتجارة، وهذه الظاهرة عصفت بكثير من بلدان العالم، هي أكثر بروز في بلادنا، وآثارها السلبية المؤلمة ظاهرة تماما على أوضاع شعبنا، الذي بات يعيش وضعا كارثيا، بسبب تدمير البنى الأساسية للعيش، وغياب أبسط متطلبات العيش الكريم لغالبية الشعب.

على الرغم من أن الدستور اليمني أكد على عدم الجمع بين الوزارة وعمل آخر، حيث توضح المادة (134) من الدستور أنه (لا يجوز لرئيس الوزراء والوزراء أثناء توليهم الوزارة أن يتولوا أي وظيفة عامة أخرى أو أن يزاولوا ولو بطريقة غير مباشرة مهنة حرة أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا أو أن يجمعوا بين الوزارة والعضوية في مجلس إدارة أي شركة، ولا يجوز خلال تلك المدة أن يشتروا أو يبيعوا أو يستأجروا أموالا من أموال الدولة أو يقايضوا عليها ولو بطريقة المزاد العلني، أو أن يؤجروها أو أن يبيعوها شيئا من أموالهم أو يقايضوها عليه).
على الرغم من النص الدستوري الصريح، الا رئيس الحكومة ومساعديه ووزراءه، وجميع المسؤولين في منظومة الشرعية اليمنية، يعملون كلهم في المجال التجاري، ويملك كثير منهم الشركات والمؤسسات التجارية والمالية، ويستخدمون مناصبهم هذه في تسهيل أعمالهم الخاصة، فهم مكشوفون وان حاولوا التستر والتخفي، الا ان غالبية الشعب يدركون ويعلمون ذلك، ومايؤكده هو مابلغته الأوضاع في اليمن، من فساد طاغ على كل المستويات، وغياب العدالة والأمن، وانتشار الفوضى مع دخول الغالبية العظمى من الشعب في دائرة الفقر، وانتشار الأمراض والأوبئة والجهل وتدهور الخدمات.

ان الواقع المعاش في اليمن، وتحديدا في مناطق ماتسمى بالمحررة، انما هو انعكاس لسلوك منظومة الشرعية وحكومتها، الذين باتوا يشتغلون في التجارة، ويهتمون بتنمية أموالهم وتجاراتهم على حساب الوطن والشعب، يساعدهم في ذلك دولتي التحالف العربي، اللتين تحتضنان هذه المنظومة رغم فسادها وتخليها عن مسؤلياتها تجاه شعبها، فالسعودية والامارات تساهمان في استمرار عبث هؤلاء الحكام والمسؤولين وفسادهم، دون مراعاة لما يعاني منه الشعب اليمني في المناطق المحررة، الأمر الذي سينعكس سلبا على الأوضاع في المنطقة كلها، في حال استمرار هذا الموقف السلبي منهما، لأن تدهور الأوضاع أكثر مما هي عليه الآن يعني حدوث كارثة انسانية، وحدوث انفجار سيتجاوز تأثيره ونيرانه وشظاياه حدود اليمن.