آخر تحديث :السبت-23 نوفمبر 2024-10:41ص

للتاريخ القضائي ( 2 )

الأحد - 06 مارس 2022 - الساعة 01:27 م
رواء عبدالله مجاهد

بقلم: رواء عبدالله مجاهد
- ارشيف الكاتب


نحكي للتاريخ و ندوّن ، عن سلطة انقسمت ، و تنازعت الاستقطابات السياسية قياداتها ، و نقول ..

كان هناك سلطة قضائية انقسمت عقب الحرب الغاشمة التي كانت ولا زالت تدمر كل أرجاء الوطن،  تنازعت المؤسسة القضائية الأهواء السياسية من كل حدب وصوب ، و تم تجييرها  لمصلحة الأطراف المتنازعة في الشمال والجنوب .

في الشمال .. تم السيطرة على القضاء من قبل سلطة  الأمر الواقع ،  و أُبتكر  مسمى المنظومة العدلية لإدارة القضاء في الشمال ،  وهذا في الأصل الذي يريدوه  فعلياً،  قضاء يخدم الأيديولوجيا التي ينفذوها ، فلا قضاء قوي ولا مستقل .

في الجنوب .. تم السيطرة على القضاء من قبل النادي الجنوبي للقضاة،  الذي يعمل صراحة تحت مظلة المجلس الانتقالي الجنوبي ،  و أُبتكر  مُسمى الهيئة الادارية العليا لإدارة القضاء في الجنوب ،  و تم إغلاق مقرات مجلس القضاء الأعلى،  و مكتب النائب العام،  والمحكمة العليا،  ومقرات  المحاكم والنيابات بالقوة المسلحة،  و أفرج لاحقاً عن مقرات   المحاكم والنيابات ليومين فقط ولتسيير القضايا المستعجلة . في مقابل ذلك سكتت رئاسة الجمهورية سكوت مخزي ، وتعاملت  بلا مبالاة كما هو شأنها في كل ما يخص هذا الوطن المنكوب .

إن ما يحدث في الشمال هو ذاته الذي يحدث في الجنوب .  الواقع القضائي واحد _ و إن اختلفت أساليب العبث قليلاً _ ، والهم واحد ، والوجع واحد ، والضعف والذل والهوان واحد .

مجلسي القضاء في عدن وصنعاء تفرغت قياداته لنهب وتصفير الموازنة ،  ولضمان وظائف ودرجات قضائية لأولادهم ، والمقربين منهم، بل إنهما كانا  ولا زالا  السبب الرئيسي في تردي حال القضاء وخضوعه للتجاذبات السياسية وتجييره . و أضحت قيادات المجلسين سد منيع ضد أي عملية إصلاحية ،  واستمرأ  كل مجلس العبث بالقضاء على طريقته،  و فشلت كل محاولات افهامهم معنى القضاء القوي المستقل ،  فكيف نطلب من القاتل أن يُحيى المقتول ! 
و قلناها من سابق أن  المجلسين اختلفا في كل شيء ولكنهما اتفقا على القضاء على القضاء ،  ومات القضاء اليمني على أيديهم الآثمة،  وعقولهم الضحلة و جيوبهم المنتفخة .

القيادات النقابية عنوانها التفرق والتشرذم ، فهي إما موقوفة أو مأجورة أو متخاذلة ،  و الأنكى أن  من هذه النقابات من جعلت  القضاة أداة لتنفيذ أجندتهم الخاصة ،  وتحول القضاة على أيديهم إلى قطيع يعمل ويأكل ،  ولا يبني أو يُعّمر أو يُصلح .

ما موقف قضاة اليمن إزاء كل ما تقدم ؟

صمت القضاة، و تاه  المواطن ،  كفر الشارع بعدالة القضاء ، وباتت الثقة المجتمعية  بالقضاء في حكم المنعدمة،  ومن يدعي غير ذلك فهو أشبه بنعامة تجبن  عن مواجهة  واقعها المخزي ،  وما نشاهده من وقائع سادت فيها شريعة الغاب ، واتجه  الناس لأخذ حقهم بيدهم هو نتيجة مباشرة لتغييب العدالة  و انهيار المؤسسة القضائية .

واقع الحال أن صمت الأخيار هو الذي فتح الباب على مصراعيه للأشرار ، والمرتزقة  ليمددوا  ولا يبالوا ، وإن نطق نفر من الأحرار فهي أصوات فردية ضئيلة غير منظمة،  ولا متحدة ،  بينما في الأصل توجد شريحة كبيرة وعظيمة من القضاة يرسخ القضاء المستقل في وجدانهم و ضميرهم القضائي،  بل إن منهم من تعرض للتنكيل والحرمان بشكل أو بآخر لأنه قاضي مستقل . 
وفي ذات الوقت لا ننكر أيضاً أن  هناك من تماهى و داهن و انتفع من المرحلة ،  ووجه عبارات الشكر والتقدير للقيادات التي وأدت القضاء اليمني .

صمت  القضاة عن انتهاك الإستقلال القضائي ، و تعرضه  للتدخلات السياسية . 
صمت القضاة عن حقوقهم المنهوبة من قبل قيادات محسوبة عليهم . 
صمت القضاة  عن تجريف مخرجات المعهد العالي للقضاء .  
صمت القضاة  عن كل قرارات مجلس القضاء الأعلى المخالفة للقانون والتي من شأنها أن تضرب مبدأ الإستقلال القضائي في مقتل . 
صمت  القضاة عن إغلاق المقرات القضائية  وعن تعطيل سلطة دستورية،  بل و ساهموا في تعطيلها . 
صمت القضاة عند الاعتداءات القضائية ، والتي قابلها الكثيرين منهم بثقافة الثور . 
صمت القضاة عندما يتم  التنكيل بزملائهم،  متناسين أن فاقد الشيء لا يعطيه ، فأي عدالة يبتغيها المواطن ممن عجز عن الذود عن بيته . 
صمت .. و صمت .. و صمت

الصمت يا قومي عار ، و الانقياد و الاستسلام عار مضاعف .. إلى متى ؟

تناسينا أن إعمار الأرض التي استخلفنا الله فيها ، وحملنا أمانة  إقامة العدل ليست بحاجة إلى  صالحين فقط،  و إنما بحاجة للمصلحين . 
ايقنوا أن إصلاح المؤسسة القضائية مسئولية الجميع ،  وعلى الجميع الالتفاف حول هذا .

صلاح القضاء لن يتحقق حتى يؤمن الجميع بعمق رسالة القضاء قولاً وفعلاً .

صلاح القضاء لن يتحقق حتى يكون من بين ظهرانيكم من يتحدوا  وينتصروا  لإستقلال القضاء ونزاهته وقدسيته،  انتصاراً حقيقياً مخلصاً ، فلا يبتغي منصب ولا مزية ولا مكانة . 
أعيدوا تنظيم أنفسكم ،  ولنتذكر جميعاً يوم ما وضعنا أيدينا على كتاب الله و أقسمنا على المحافظة على شرف القضاء ،   شرف القضاء يا فضيلة القضاة فرض عين على الجميع .

القاضي .د/ رواء عبدالله مجاهد