نحكي للتاريخ و ندوّن ، عن سلطة انقسمت ، و تنازعت الاستقطابات السياسية قياداتها ، و نقول ..
كان هناك سلطة قضائية انقسمت عقب الحرب الغاشمة التي كانت ولا زالت تدمر كل أرجاء الوطن، تنازعت المؤسسة القضائية الأهواء السياسية من كل حدب وصوب ، و تم تجييرها لمصلحة الأطراف المتنازعة في الشمال والجنوب .
في الشمال .. تم السيطرة على القضاء من قبل سلطة الأمر الواقع ، و أُبتكر مسمى المنظومة العدلية لإدارة القضاء في الشمال ، وهذا في الأصل الذي يريدوه فعلياً، قضاء يخدم الأيديولوجيا التي ينفذوها ، فلا قضاء قوي ولا مستقل .
في الجنوب .. تم السيطرة على القضاء من قبل النادي الجنوبي للقضاة، الذي يعمل صراحة تحت مظلة المجلس الانتقالي الجنوبي ، و أُبتكر مُسمى الهيئة الادارية العليا لإدارة القضاء في الجنوب ، و تم إغلاق مقرات مجلس القضاء الأعلى، و مكتب النائب العام، والمحكمة العليا، ومقرات المحاكم والنيابات بالقوة المسلحة، و أفرج لاحقاً عن مقرات المحاكم والنيابات ليومين فقط ولتسيير القضايا المستعجلة . في مقابل ذلك سكتت رئاسة الجمهورية سكوت مخزي ، وتعاملت بلا مبالاة كما هو شأنها في كل ما يخص هذا الوطن المنكوب .
إن ما يحدث في الشمال هو ذاته الذي يحدث في الجنوب . الواقع القضائي واحد _ و إن اختلفت أساليب العبث قليلاً _ ، والهم واحد ، والوجع واحد ، والضعف والذل والهوان واحد .
مجلسي القضاء في عدن وصنعاء تفرغت قياداته لنهب وتصفير الموازنة ، ولضمان وظائف ودرجات قضائية لأولادهم ، والمقربين منهم، بل إنهما كانا ولا زالا السبب الرئيسي في تردي حال القضاء وخضوعه للتجاذبات السياسية وتجييره . و أضحت قيادات المجلسين سد منيع ضد أي عملية إصلاحية ، واستمرأ كل مجلس العبث بالقضاء على طريقته، و فشلت كل محاولات افهامهم معنى القضاء القوي المستقل ، فكيف نطلب من القاتل أن يُحيى المقتول !
و قلناها من سابق أن المجلسين اختلفا في كل شيء ولكنهما اتفقا على القضاء على القضاء ، ومات القضاء اليمني على أيديهم الآثمة، وعقولهم الضحلة و جيوبهم المنتفخة .
القيادات النقابية عنوانها التفرق والتشرذم ، فهي إما موقوفة أو مأجورة أو متخاذلة ، و الأنكى أن من هذه النقابات من جعلت القضاة أداة لتنفيذ أجندتهم الخاصة ، وتحول القضاة على أيديهم إلى قطيع يعمل ويأكل ، ولا يبني أو يُعّمر أو يُصلح .
ما موقف قضاة اليمن إزاء كل ما تقدم ؟
صمت القضاة، و تاه المواطن ، كفر الشارع بعدالة القضاء ، وباتت الثقة المجتمعية بالقضاء في حكم المنعدمة، ومن يدعي غير ذلك فهو أشبه بنعامة تجبن عن مواجهة واقعها المخزي ، وما نشاهده من وقائع سادت فيها شريعة الغاب ، واتجه الناس لأخذ حقهم بيدهم هو نتيجة مباشرة لتغييب العدالة و انهيار المؤسسة القضائية .
واقع الحال أن صمت الأخيار هو الذي فتح الباب على مصراعيه للأشرار ، والمرتزقة ليمددوا ولا يبالوا ، وإن نطق نفر من الأحرار فهي أصوات فردية ضئيلة غير منظمة، ولا متحدة ، بينما في الأصل توجد شريحة كبيرة وعظيمة من القضاة يرسخ القضاء المستقل في وجدانهم و ضميرهم القضائي، بل إن منهم من تعرض للتنكيل والحرمان بشكل أو بآخر لأنه قاضي مستقل .
وفي ذات الوقت لا ننكر أيضاً أن هناك من تماهى و داهن و انتفع من المرحلة ، ووجه عبارات الشكر والتقدير للقيادات التي وأدت القضاء اليمني .
صمت القضاة عن انتهاك الإستقلال القضائي ، و تعرضه للتدخلات السياسية .
صمت القضاة عن حقوقهم المنهوبة من قبل قيادات محسوبة عليهم .
صمت القضاة عن تجريف مخرجات المعهد العالي للقضاء .
صمت القضاة عن كل قرارات مجلس القضاء الأعلى المخالفة للقانون والتي من شأنها أن تضرب مبدأ الإستقلال القضائي في مقتل .
صمت القضاة عن إغلاق المقرات القضائية وعن تعطيل سلطة دستورية، بل و ساهموا في تعطيلها .
صمت القضاة عند الاعتداءات القضائية ، والتي قابلها الكثيرين منهم بثقافة الثور .
صمت القضاة عندما يتم التنكيل بزملائهم، متناسين أن فاقد الشيء لا يعطيه ، فأي عدالة يبتغيها المواطن ممن عجز عن الذود عن بيته .
صمت .. و صمت .. و صمت
الصمت يا قومي عار ، و الانقياد و الاستسلام عار مضاعف .. إلى متى ؟
تناسينا أن إعمار الأرض التي استخلفنا الله فيها ، وحملنا أمانة إقامة العدل ليست بحاجة إلى صالحين فقط، و إنما بحاجة للمصلحين .
ايقنوا أن إصلاح المؤسسة القضائية مسئولية الجميع ، وعلى الجميع الالتفاف حول هذا .
صلاح القضاء لن يتحقق حتى يؤمن الجميع بعمق رسالة القضاء قولاً وفعلاً .
صلاح القضاء لن يتحقق حتى يكون من بين ظهرانيكم من يتحدوا وينتصروا لإستقلال القضاء ونزاهته وقدسيته، انتصاراً حقيقياً مخلصاً ، فلا يبتغي منصب ولا مزية ولا مكانة .
أعيدوا تنظيم أنفسكم ، ولنتذكر جميعاً يوم ما وضعنا أيدينا على كتاب الله و أقسمنا على المحافظة على شرف القضاء ، شرف القضاء يا فضيلة القضاة فرض عين على الجميع .
القاضي .د/ رواء عبدالله مجاهد