آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-03:36ص

لا تكن عونًا للظالم على ظلمه

الإثنين - 21 فبراير 2022 - الساعة 08:57 م

د. الخضر عبدالله
بقلم: د. الخضر عبدالله
- ارشيف الكاتب



أيها القارئ الكريم تعال وإياك لنقف على وصية عظيمة , نطق بها معلم الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، يريد  من خلالها أن ينقذ أمته من عذاب الله، من ابتعد عنها نجا ومن اقترب منها فقد هلك , فقد جاء عنه في الحديث (من أعان ظالما بباطل ليدحض بباطله حقا فقد برئت من ذمة الله عز وجل و ذمة رسوله " .
فلو أمعنا التدبر والتأمل في هذه الوصية لوجدناها على صغر حجمها وقلة عباراتها تحمل معاني سامية وبلاغة عالية- فرسول الله - أراد أن يحذر الإنسان الذي يكون عونًا للظالم في ظلمه، يحذر الإنسان الراضي بهذا العمل من غير إكراه أو ضرورة؛ فيقول له: إياك من هذا العمل، فإن فعلته فإن الله تعالى ينفض يده منك، ويوكلك إلى نفسك، ولا يمنحك الرحمة، ويسخط عليك، ومن باء بسخط الله تعالى فقد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
وقال الله تعالى وهو يحذر من الركون إلى الظالمين: (ولَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) والركون هنا يعني: المجاملة والمداهنة، والميل إليهم بالمحبة والمودة، وآفة الدنيا هي الركون للظالمين؛ لأن الركون إليهم إنما يشجعهم على التمادي في الظلم، والاستشراء فيه, وأدنى مراتب الركون إلى الظالم ألا تمنعه من ظلم غيره، وأعلى مراتب الركون إلى الظالم أن تزين له هذا الظلم؛ وأن تزين للناس   مظلمته.
ويقول  الإمام القرطبي -رحمه الله –  وجوب اجتناب أصحاب الظلم  إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يتجنبهم فقد رضي بفعلهم، والرضا بالكفر كفر وبالمنكر منكر؛ لذلك قال الله تعالى: ( إنكم إذاَ مثلهم ) فكل من جلس في مجلس  ظلم او معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
ومن استقرأ تاريخ الظلم رأى أبشع النهايات، وكلما زاد الظلم زادت العقوبة، فكيف إن اجتمع القتل مع الظلم كما نشاهده اليوم في كثير من مناطق اليمن.

وإن للظالم أدوات يستعين بها في ظلمه، فأول هذه الأدوات مستشاروه ومعاونوه، ثم أدواته التنفيذية كالجيوش وأجهزته الأمنية، وهناك من يروج له وينشر فضائله ويزين مساوئه كالإعلام، وهناك المؤسسة المشرعة لظلمه وهم شيوخ السلاطين وعلماؤهم وقضاتهم: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} 
ولكن أخطر هذه الأدوات وأكبرها وأكثفها التي يستخدمها الظالم هي (البشر) فإنه قد يستخدمها في ظلمه، بل لولاها لما ظلم ولما استرسل في ظلمه ولما تمادى وطغى وتجبر؛ لأن الظالم إذا لم ير رادعا يردعه ويقف في وجهه زاد ظلمه وطغيانه، وعلا جبروته وسلطانه، وأخذ بغير حق، وسجن بغير حق، ونفى بغير حق، بل قتل بغير حق، حتى إنه سيتأله وسيعاقب كل من يخالفه، وربما كل من لا يحبه أيضاً.
ولو نظرنا في مجتمعاتنا اليوم لوجدنا أن (الركون إلى الظالمين ومساعدتهم) أصحبت ظاهرة خطيرة ومنتشرة، رغم علمهم بأنّ هذا الأمر خطير. 
وليتذكر من يسكت على الظالم وهو قادر على تغيير هذا الظلم ولم يغيره، فليتذكر قول  أبي بكرالصديق  رضي الله عنه :" "يا أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ﴾، وأنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقابه)
وانت أيها  الحاكم و المسؤول إذا رأيت أحدًا يتفنن بطريقة وأخرى في نهب أموال الناس، ويضعها في غير منافعها، وأنت قادر على منعهم ولم تمنعهم - فقد أعنتهم على الظلم.
وانت أيها الإنسان  إذا دافعت عن زميلك رغم علمك بأنّه ظالم، ويسلب الحق من المظلوم بحجّة النّصرة لزميله فقد أعنته على الظلم .
والله  أكد في القرآن الكريم على أن الله لا يهدي الظالمين بل يزيدهم ضلالاً على ضلالهم: {يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}