آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-11:59ص

الأزمة الأوكرانية الروسية"صراع النفود والمصالح وموارد الطاقة

الإثنين - 21 فبراير 2022 - الساعة 07:44 م

د. حمود يحيى اليهري
بقلم: د. حمود يحيى اليهري
- ارشيف الكاتب


دخلت دول آسيا الوسطى والقوقاز ومعها بقية الدول المستقلة بتقسيماتها الجديدة بما فيها اوكرانيا وروسيا في القسم الأوربي في أوضاع اقتصادية وسياسية صعبة، فقد سبق انهيار الاتحاد السوفيتي وتفتت خريطته الجغرافية السياسية تدني الحالة الاقتصادية وجاءت عملية الانيهار لتضيف مزيدا من التدهور الأمني والتفتت الاثني ، وتحولت الدول التي كانت تحت علم واحد إلى دول متصارعة سياسيا ومتحاربة،  اما لتصفية حسابات قديمة او سعيا لمكانة جديدة. 
بمعنى أن انهيار الاتحاد السوفيتتي لم يتم بهدوء إنما صاحبه انفجار كبير في المنطقة ضاعف لديها المشاكل والأزمات الاقتصادية، وتبعا لذلك نظرت الدول المجاورة  لثروة بحر قزوين البحر الأسود وبخاصة النفط والغاز باهتمام بالغ وسارعت الى اقتناص الفرصة لترميم اقتصادها المنهار، الأمر الذي أدى إلى تضارب مصالحها إلى حد الحرب والاقتتال لأجل تلك الثروة، ومن جانبها سارعت بعض القوى الدولية الباحثة عن نفوذ لها في المنطقة والطامعة في ثرواتها مستغلة ما حدث من تغير في خريطتها السياسية وما تلاها من صراع بين دولها، لتبلور خريطة جديدة للصراع بين طرفين: 
اقليمي يتمثل بالدول المشاطئة لبحري قزوين والأسود. 
ودولي خارجي يتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية واروبا.
أما روسيا فإنها تتصرف معتبرة نفسها الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي فهي تتشبث منذ عام 1991م من أجل الهيمنة على الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي، وتجتهد لتمنع تحول استقلال تلك الدول إلى استقلال حقيقي يجعلها صاحبة القرار في علاقاتها الدولية بما يمكن ان يفتح الباب واسعا للاختراق الأمني الغريي للمنطقة، وتطرح روسيا على الساحة السياسية الدولية عدد من المبررات التي ترى انها مبررات منطقية ومن الممكن ان تكون مقبولة، وان على دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية وارويا مراعاتها وعدم تجاهلها ومن أبرزها : (الأمن القومي الروسي، الصراعات الاثنية في دول الجوار القريب وخطورة امتدادها الى داخل روسيا، الدفاع عن مصالح الأقليات الروسية داخل تلك الدول)، في حين تسعى تلك الدول إلى امتلاك قرارها وترى ان من حقها ان تبني علاقاتها الخارجية بما يتفق مع مصالحها دون وصاية من روسيا عليها، ومن جانبها تسعى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وارويا الى تشجيع تلك الدول ودعمها في مواجهة السياسة الروسية، وبما أن تلك الدول لا تمتلك التكنولوجيا ولا الأموال الكافية ولا القدرة للسيطرة على ثرواتها ومقدراتها وهي دول غنية بالنفط والغاز خاصة دول القوقاز وتحتاح لمن يساعدها على استثمار مواردها، فإن الولايات المتحدة قد سوقت نفسها لتكون الراعية لمصالح تلك لدول بعد استقلالها بتفكك الاتحاد السوفيتي ، وحشدت معها التأييد الأوروبي، وطرحت هي الأخرى مبرراتها التي ترى انها منطقية ومقبولة، بل ومطلوبة من دول المنطقة مثل: (مساعدتها في مواجهة الإرهاب، ومساعدتها في حل الأزمات الاقتصادية عبر المنظمات الحكومية ومجموعات رجال الأعمال والمستثمرين وبالمعونات المالية المباشرة، والتدخل في حل النزاعات السياسية والاثنية في تلك البلدان).
وعليه لا بمكن فهم الصراع الذي نشب عقب تفتت الاتحاد السوفيتي بين الدول التي كانت تمثله،  كالحرب بين أذربيجان وارمينيا على إقليم ناغورني قرة باخ، والحرب التي خاضتها جورجيا مع اقليمي ابخازيا واوستيتا الجنوبية، ثم قيام روسيا بمهاجمة جورجيا في أغسطس 2008م ردا على مهاجمة جورجيا اقليمي افخازيا واوستيتا الجنوبية، تلاها في عام 2014، اجتياح القوات الروسية لشبه جزيرة القرم ثم ضمها إلى روسيا والذي  اعتبرته أوكرانيا ومعها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية احتلالا وانتهاكا للسيادة الاوكرانية، وما تلاها من أحداث في إقليم دونباس شرقي اوكرانيا بدأت باحتياجات انفصالية وتطورت الى مواجهة مسلحة بين القوات الأوكرانية والجماعات المسلحة الانفصالية المدعومة من روسيا انتهت بهزيمة القوات الأوكرانية بعد تدخل الجيش الروسي إلى جانب القوات الانفصالية في الاقليم.  لا يمكن فهم تطور ذلك الصراع    بمعزل عن حقائق التاريخ والجغرافية لدول المنطقة، والاجندات الدولية المرتبطة بها ، ولا بمعزل عن الصراع الروسي الأمريكي في المنطقة، بخلفياته التاريخية الممتدة إلى مرحلة الحرب الباردة والصراع السوفييتي  الأمريكي في آسيا الوسطى وفي أفغانستان، فهو صراع نفوذ، صراع مصالح، صراع على مصادر الطاقة وطرق امدادها، في تلك المنطقة الاستراتيحية جغرافيا والتي تشكل محيطا جيوبولتيكيا عالميا مهما يعج باجندات متباينة ضمن مساحته المكانية التي أضحت مصدرا للقوة، فالذي يمسك بتلك المنطقة يمسك برقبة اوراسيا من خناقها، وتأتي الأزمة الأوكرانية الروسية المشتعلة اليوم مجسدة لتعقيدات الصراع الإقليمي والدولي في تلك المنطقة، التي تمثل لروسيا مجالا حيويا أي تهديد يتعرض له ذلك المجال يعتبر تهديدا لامنها الوطني والقومي لا يمكن السكوت عنه، وبالتالي فهي تعارض وبشدة مساعي الولايات المتحدة وبعض دول اوربا الى ضم أوكرانيا لحلف الناتو وتعتبر هذه المساعي عملا مستفزا يجب ان يتوقف، وان الإصرار على ذلك العمل يمثل تهديدا صريحا لامنها ومصالحها رأت ان الرد الطبيعي والعملي على هكذا تهديد هو بالحشد العسكري الضخم الذي نشرته على الحدود بينها وبين اوكرانيا، وبالرغم من ان معظم التحليلات والتفسيرات التي يطرحها المحللون السياسيون ورجال السياسة ترجح حصول اجتياح روسي لاوكرانيا، بل وتذهب بعضها إلى احتمال اشتعال حرب واسعة تدخل فيها الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، إلا أنني استبعد دخول أوربا او أمريكا في مواجهة مباشرة مع الروس حتى وان اجتاحت قواتها أوكرانيا، وأن عملهما سيقتصر على تقديم الدعم المالي والعسكري للحكومة والجيش الاوكرانيين، وفي فرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا، كما اني أتوقع ان الأزمة بشكل عام ستنتهي بحل دبلوماسي اكثر من كونها ستنتهي يعمل عسكري ، لأن تبعات الحرب ستكون كبيرة على كل الأطراف، وفي تصوري ان الطرف الاوكراني ومعه الأمريكان والاوربيون سيقدمون تنازلات او ضمانات للروس بعدم إنضمام أوكرانيا لحلف الناتو وهذا ان حصل سيدفع الروس إلى التراجع عن القيام بعمل عسكري ضد اوركرانيا ،حتى وإن لم يحدث  تفاهم في قضية إقليم الدونباس في أوكرانيا الذي يتخذ منه الروس مبررا لذلك الحشد الذي يقولون انه من أحل حماية الأقلية المتكلمة بالروسية في الاقليم، لأن الهدف الحقيقي للروس هو دفع الخطر الغربي من على حدودهم ومنع انضمام أوكرانيا الى حلف الناتو.

*د. حمود اليهري* 
*21 فبراير 2022م*