آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-03:15ص

في ذكرى اليوم العالمي للتعليم .." الإبداع في التدريس (٢)"

الجمعة - 28 يناير 2022 - الساعة 07:21 م

د. غازي الحيدري
بقلم: د. غازي الحيدري
- ارشيف الكاتب


(مقالتك لم تشفِ غليلي أيها الكاتب) ، بهذه الكلمات ردت عليّ إحدى المتابعات لما كتبته في مقالي السابق ، مواصلةً حديثها بالقول : جعلتني اتابع مقدمتك الرائعة بلهف وشغف، وتوق وشوق يماثل شغف اولئك الطلاب وهم ينتظرون معلمهم المبدع، كي أتحصل على الطُرق والأساليب الإبداعية التي سلكها ذلك المعلم المبدع؛ كي أهتدي بها وأقتدي، لكني لم أحظَ بها.

فأجبتها بأني كنت متعمداً ذلك؛ كي آخذكم معي في مقالة أخرى حتى لاتذهبوا بعيداً

ولكي أسرد لكم ـ الآن ـ بعضاً من تلك الذكريات الإبداعية التي حُفرت في قاع ذاكرتي، دعوني هنا لأفصح عنها لكل معلم ينشد التغيير بأساليب الإبداع ، ويتطلع للتأثير والإقناع عن طريق الإمتاع لأقول :

إن معلمنا ذاك ، كان لاتفارق الابتسامة محياه، ولعل ذاك هو السرُّ الأول من أسرار الولوج إلى القلوب قبل العقول، ولعله معلوم لديكم ـ قراءنا الأعزاء ـ بأنه إذا ما انفتحت بوابة القلب للرسالة فلاشك بأن العقل سيفتح أحضانه لاستقبالها بكل حفاوة .

والجدير بالذكر هنا أن ذلك المعلم كان يجعل من الدرس أو الحصة قصةً لذيذة المذاق، ابتداءً بمقبلاتها تهيئة وتمهيداً للدرس، ثم الشروع في استنباط عنوانها من أفواهنا ليدونه على رأس ذلك اللوح الأسود الذي استمتعنا بلونه طوال مراحل دراستنا، فيشرع في الدرس بكلامه وملامحه الإيضاحية، ولاينفك ان يُطعمّ درسه بلُغزٍ او نكتة او قصة قصيرة؛ تجعل جميعنا في تركيز طوال الوقت.

أما إذا غاص في أعماق الشرح، فإننا نحس بأنه يشرح من قلبه لا من لسانه، من أعماقه لا من فمه فحسب، إذ نلمس ذلك بوضوح وكأننا نرى الإخلاص ينبع من بين جوانحه، فنحس شيئاً ما في أعماقنا يسري تأثراً وتفاعلاً، انشراحاً وارتياحاً.

حتى إذا ما ارتفع صوتُ الجرس معلناً انتهاء الحصة علتِ الأصواتُ بتأوهات الغضب البريء متمنين أن لو طالت، ولكنها لم تطل.

هكذا كان معلمنا المبدع وهكذا كنا، إخلاصُه وتفانيه من اجل التعليم، إبداعُه وإمتاعه حرصاً على التأثير، كل ذلك هو ماجعل تحصيلنا العلمي أعلى،  ومستوانا المهاراتي أفضل، وسلوكنا القيمي أرقى وأجمل، فهلّا تحلّى معلمونا بالإخلاص أولاً، واتخذوا الإبداع عادة، وجعلوا البناء القيمي غايةً وهمّاً لصناعة جيل أقوى لمستقبل أفضل؟!
ذلك جُلُّ ما نأمل، وإلى لقاء أجمل. 
أتمنى أن أكون قد كفيت ووفيت، وشفيت الغليل ولو بالقليل.