آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-11:23ص

الابعاد الجيوستراتجية لمعركة "اعصار الجنوب"

الأربعاء - 26 يناير 2022 - الساعة 05:59 م

د. حمود يحيى اليهري
بقلم: د. حمود يحيى اليهري
- ارشيف الكاتب


تمثل معركة "اعصار الجنوب" تحول نوعي في الإستراتيجية التي يعمل بها التحالف في اليمن، ويمكن اعتبارها بداية لمرحلة جديدة ستحدث فيها  تطورات وتحولات كبيرة ومهمة على المستويين العسكري الميداني، والسياسي الدبلوماسي، لصالح التحالف والأطراف المحلية التي يدعمها.
وتأتي هذه العملية بعد ثلاثة أعوام من توقف معركة الساحل الغربي التي خاضتها  ألوية العمالقة الجنوبية مع القوات الحوثية وانتهت بتوقيع اتفاق ستوكهولم الذي يرى البعض انه جاء لإنقاذ الحوثيين، بعد ماكادوا يفقدون جبهتم البحرية الوحيدة التي يطلون بها على البحر الاحمر ويفقدون ميناء الحديدة، فاعطاهم ذلك زخما أكبر لاستمرار معاركهم على الجبهة الشرقية من اليمن  باتجاه محافظتي مأرب وشبوة النفطيتين. 
وبنظرة فاحصة للعوامل التي ارتبطت بقرار اعلان هذه العملية العسكرية، سنجد أن ثمة معطيات وعوامل جغرافية وسياسية وعملياتية ميدانية قد شكلت جميعها أسباب وشروط  موضوعية أقنعت التحالف بقرار إعلان هذه المعركة التي تكتسب أهميتها من الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة التي تدور على أرضها، والمنطقة التي نعنيها ليست محافظة شبوة فحسب، لكنها تشمل أيضا محافظتي مأرب وحضرموت، لان الهدف الأول  من اعلان معركة اعصار الجنوب كان لمنع سقوط هذه المحافظات بيد الحوثيين، فالحوثيين لن يتوقفوا عند إسقاط مارب بأيديهم، بل ستكون شبوة هي وجهتهم الثانية، بدليل أنهم أسقطوا ثلاث مديريات منها حتى قبل إكمال سيطرتهم على مأرب، وأن تركت هذه المناطق بدون حماية ودفاع من وحدات قتالية  موثوق بها مثل العمالقة، فقد يسيطر عليها الحوثيون مثلما حصل في مديريات بيحان، واذا سقطت شبوة ومارب ستتبعهما حضرموت، وفي حالة استطاع الحوثيون السيطرة على هذه المحافظات الثلاث، فسيحققون مكاسب استراتيجية مهمة يمكن  تلخيصها بالآتي :
1- ستصبح موارد الثروة  النفطية والغازية تحت أيديهم، وبالتالي سيتوفر لديهم المال الكافي لشراء الأسلحة وتغطية المجهود الحربي للمعركة، وتعزيز جبهات القتال بالاعداد الكافية من المقاتلين، وسيساعدهم في تجاوز عدد من المشكلات المالية التي تواجههم مثل دفع مرتبات الموظفين، والاستغناء عن بعض أبواب الاتاوات المالية التي كانوا يفرضونها على السكان ليكسبون رضاهم. 
2- سيحصلون على واجهة بحرية طويلة على البحر العربي، يسهل عليهم من خلالها تهريب الأسلحة التي تحتاجها المعركة. 
3 - سيتصلون مباشرة بسلطنة عمان عبر منافذ اليمن الشرقية  في محافظة المهرة، وبالتالي سيسهل اتصالهم بايران وتسهل عملية امدادهم  بالخبرات وبالأسلحة النوعية التي تمنحهم قوة ردع أكبر ضد التحالف وحلفائه على الأرض. 
4- قد لا يستطيع الحوثيين الحفاظ الحفاظ على تلك المحافظات تحت أيديهم مدة  طويله من الزمن، خصوصا وهي تشكل بيئة بشرية غير حاضنة لهم، لكنهم سيحققون منها مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة في المدة التي تظل بها تحت سيطرتهم، ستتيح أمامهم خيارات وبدائل عديدة ومتنوعة، تمنحهم مساحة أوسع للمناورة والضغط عسكريا وسياسيا في ميدان المعركة وعلى طاولة المفاوضات.

لقد كان من الممكن ان تذهب كل تلك المكاسب بما تمثله من  نقاط قوة جيوستراتيجية عالية القيمة لصالح الحوثيين، لو لم تتم معركة اعصار الجنوب، وبالتالي فان هذه المعركة قد حققت نصر مهم للتحالف ولحلفائه المحليين، وبدرجة رئيسية المجلس الانتقالي الجنوبي، فتحرير مديريات بيحان من الحوثيين، وإنهاء نفوذ الاخوان على محافظة شبوة، وعودة النخبة الشبوانية الى مدينة عتق، وقرار تجنيد 25 الفا من الشباب الحضرمي لتشكيل قوة عسكرية تحفظ أمن واستقرار محافظة حضرموت، لتحل هذه القوة كما هو متوقع بدلا عن قوة المنطقة العسكرية الأولى، التي يرجح أن يطلب مغادرتها محافظة حضرموت إلى جبهات القتال في مأرب والبيضاء . 
كل هذه المكاسب العسكرية على الأرض تصب في مصلحة التحالف والمجلس الانتقالي الجنوبي معا، بصرف النظر عن رؤية كل منهما حول نوع المكاسب السياسية التي يسعى كل طرف ان يحققها من تلك الانتصارات العسكرية في مفاوضات الحلول السياسية اللاحقة.
وإلى جانب التحالف والانتقالي يوجد طرف ثالث يشترك معهما في المصلحة وفي المكاسب المتحققة من معركة اعصار الجنوب، هذا الطرف هو المؤتمر الشعبي العام، وطارق عبدالله صالح ويتوقع أن تسير الأوضاع على الميدان في الأيام القادمة باتجاه يعزز من وجود المؤتمر وطارق عبدالله صالح في المحافظات التي سيتم تحرريها من الحوثيين، وباتجاه يخدم خطط التحالف في معركته مع الحوثيين، يساعده في ذلك وجود قوات العمالقة الجنوبية بما تحمله من عقيدة قتالية ودينية تؤمن بوجوب تحرير كامل الجغرافية اليمنية من السيطرة الحوثية وليس فقط تحرير الاراضي الجنوبية، فنظرتها الى صنعاء هي نفس نظرتها إلى عدن بأنها أرض مسلمة يجب تطهيرها من الرافضة بحسب العقيدة الدينية والقنالية لتلك القوات.
وعليه فان معركة اعصار الجنوب لن تتوقف عند حدود المحافظات الجنوبية، لكنها ستتسع باسم معركة تحرير اليمن الى محافظات أخرى خارج شبوة، هي مأرب التي شرعت قوات العمالقة الجنوبية بالسيطرة على إحدى مديرياتها وهي مديرية حريب، ومحافظتي البيضا وتعز. 
وفي تصوري الشخصي ان المرحلة الأولى سيتم فيها تأمين مدينة مأرب من قبل قوات العمالقة الجنوبية، ثم ستجرى عملية إعادة هيكلة لكل من القوات التابعة للجيش الوطني، وقوات المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت، وسيدفع بتلك القوات لتحرير بقية محافظة مأرب وتحرير محافظة البيضاء، بينما قوات طارق صالح ستشارك في تحرير محافظة تعز، مع قيام طيران التحالف بتوجيه ضربات لاهداف في الساحل الغربي لربما يكون ميناء الحديدة اهمها، وبعد تحرير هذه المحافظات الثلاث يتوقع ان يتم إعادة هيكلة وزارة الدفاع وهيكلة جميع القوات المشتركة في تحرير تلك المحافظات وضمها جميعا إلى وزارة الدفاع، باستثناء قوات العمالقة التي ستظل على وضعها السابق تدار مباشرة من التحالف، كما يرجح ان تشهد المرحلة القادمة تحرير مركز القرار السياسي والعسكري في الشرعية من هيمنة ونفوذ حزب التجمع اليمني للإصلاح بإبعاد بعض عناصر الحزب من مواقعها وتعيين بدلا عنها شخصيات مستقلة ومؤتمرية على علاقة جيدة بالتحالف، وقد يتم تعين طارق صالح وزيرا للدفاع، لتبدأ بعدها مرحلة الاستعداد للمعركة الأهم وهي معركة تحرير صنعاء، وهذه المعركة قد يستعد لها التحالف وشركائه المحليين، لكن مسألة حصولها أو عدم حصولها يظل مرهون باعتبارات ومعطيات عديدة منها : توفر القرار السياسي الدولي الذي يسمح بحصولها، وهل سيستجيب الحوثيين بجدية لمفاواضات الحلول السياسية، لأن ذلك لو  حصل قد لا يتحاج التحالف لهذه المعركة، وماهي درجة استعداد كل من السعودية والإمارات لاتخاذ قرار المعركة بموافقة أو بدون موافقة الفاعلين الدوليين وبدرجة رئيسية الامريكان والانجليز.

د. حمود اليهري