آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-06:47م

امام الشعراء حسين المحضار ورائعة (أقوله ايه)

الأحد - 09 يناير 2022 - الساعة 07:30 م

عبدالحكيم الجابري
بقلم: عبدالحكيم الجابري
- ارشيف الكاتب


يعد حسين ابوبكر المحضار عليه رحمة الله مدرسة شعرية متفردة، صال وجال في مختلف فنون وانماط الشعر، وأجادها جميعها بمستوى لايقل عن الشعراء العظام في العصور السابقة، وتفوق على كثير من شعراء عصره، من حيث انه قال الشعر بمختلف أنواعه وصفاته، مستخدما اللهجات المحلية من عدة بلدان ومناطق، عوضا عن استخدامه للغة العربية الفصحى في كثير من قصائده، واستحق بذلك أن يكون اماما لشعراء العصر.

ومن النصوص الجميلة -وكل شعر المحضار جميل- القصيدة الغنائية (أقوله ايه) التي تغنى بها كثير من الفنانيين المحليين والعرب، وأخذها الراحل الكبير ابوبكر سالم بلفقيه الى أقصى مدى من الشهرة، اذ جاء هذا النص بطريقة السهل الممتنع، واختار فيه الامام المحضار لغة شعرية بسيطة، وبألفاظ الدارجة المحلية، لعله استحضر فيها موروث اللهجة المحلية بشكل عميق جدا، التي تستخدم في مسقط رأسه مدينة الشحر، على سبيل المثال كلمة "تهنتاك"، والتي تعني التعالي أو الدّلع، وهي الأقرب لهذا المعنى، كأن يقال فلان يتهنتك، أي انه يدّلع، كما استخدم كلمة أخرى من قعر اللهجة الشحرية الدارجة، ولا أظن انها تستخدم في غيرها من المناطق، مثل كلمة "الفاك"، وهي كلمة تطلق على الشخص الذي لا يمكن الاعتماد عليه.

وكعادة الشعر المحضاري، وهي واحدة من أهم سماته الجمالية، بأنه لايجعل من نصوصه قوالب معلبة، أو أسرار وطلاسم، انما هي على شكل حوار وحديث بين شخصين أو أكثر، وأحيانا بين الشخص وذاته، كما هو في قصيدة "أقوله ايه" وهي محل حديثنا هذا، اذ استخدم عليه رحمة الله الأسلوب الحواري الدرامي المبسط، عندما يحدث نفسه ويناجيها، ويقدم المبررات لما بدر من حبيبه، ويشكو من اغراءات الاخرين لاستمالة هذا الحبيب وأخذه منه، وكان يتسائل بعد كل استعراض لما لاقى من حبيبه من متاعب، ما اذا كان عليه أن يرغمه على أن يحبه، وكانت نفسه تنهاه عن فعل ذلك، وترد عليه بصوت قوي "لا لا"، لان نفس المحضار العفيفة، تعلم ان الحب لايكون الزاما ولا غصبا، ويسأل سؤال آخر، وهو بمثابة الخيار الثاني البديل، اذ قال "وأعلن عليه الحرب"، ولأن الخيار الثاني لا يقل عن الخيار الأول وهو اجبار المرء على الحب، فان نفس المحضار العفيفة رفضته أيضا، وردت وبنفس القوة "لا لا"، وعندها ماكان على شاعرنا العاشق الا أن يسلم بالأمر الواقع، وأن يعترف بضعف حيلته أمام هذا الحبيب العنيد، وأن يترك الأمر للزمن "خاف يرد عقله عليه".

أقوله ايه واحدة من أجمل النصوص الشعرية المحضارية، لا يمكن استعراضها في هذا الحيز الضيق، بل تحتاج لوقت ومساحة أكبر للغوص في ثناياها، والكشف عن مكنوناتها الفنية والتعبيرية، فهي رغم بساطة كلماتها، وهو الاسلوب المعتاد عند المحضار بعدم التكلف في أشعاره، الا انها تحمل كثير من الصور والجماليات والمشاهد التي تستحق الوقوف أمامها، وكشفها وبعثرتها لعشاق الشعر المحضاري. 
لنا محاولات قادمة مع هذه القصيدة وغيرها باذن الله، لنستمتع معا بعذب الكلام، من شعر امام شعراء العصر حسين ابوبكر المحضار رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.