آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-03:40م

نجوم اليمن.. إلى متى الأفول؟!

الإثنين - 27 ديسمبر 2021 - الساعة 05:44 م

فرج العامري
بقلم: فرج العامري
- ارشيف الكاتب


في بلدٍ اسمه اليمن وكأمثاله من بلدان العالم السُّفلي، امشِ بهدوءٍ على حذر ، برؤوس أصابع قدمَيك كي لا يزعجَ وقعُ خُطاك حفلات الفاسدين الليلية الصاخبة. وإيّاك ثم إيّاك أن يجتمعا فيك الكفاءة والوطنية معاً؛ لأنك بذلك تكون قد ارتكبت جرماً شنيعاً تستدعي إقالتك في الحال إن كنت في منصب ما وبما أن عقاب الإقالة لا تتناسب مع هذا الجرم الشنيع فلابد من إحالتك إلى التحقيق، فليس لك مكاناً في ظل عرش الفسدة والخونة واللصوص .. لذلك انجُ بنفسك واصمت أو تحمل عاقبة رفضك الانصياع لهم حتى تلقى مالقاه الفقيد البروفيسور أحمد سيف ناجي الجبلي ؛ هذا الذي ارتكب ذنب الاكتفاء بالانتماء الوطني، بعيداً عن دوائر الانتماءات الضيقة فعوقب بالإقصاء وجوزي بالإهمال بل وبما هو أكثر من ذلك، المتمثل بالإقلال من الشأن وعدم التقدير، وذاك هو " قهر الرجال " .. الدكتور أحمد سيف ناجي من أبناء قرية "جبل جُنَيد"التابعة لصبر الأقروض، من مواليد ستينيات القرن الماضي قرية جاحصة التابعة لمديرية المعافر مسقط رأس أمه ليصير أيضاً مسقط رأسه، حيث كان والده فقيراً وفي حالة مادية يرثى لها.. سيرةٌ حافلة بكفاح القلم في ميدان العلم رغم الفقر والعوز منذ إن التحق بالمدرسة إلى أن حصل على الشهادة الثانوية حيث كان يدرس صباحاً ويشتغل مساءً معتمداً على نفسه منذ الصغر ، وعند انتهائه من الشهادة الثانوية في العام 1983م تقريباً، قام بعدها ببيع قطعة أرض له في مدينة تعز كان قد ورثها من أبيه ؛ من أجل الحصول على منحة للدراسة في إحدى الجامعات البولندية تخصص محاسبة حيث تم له الأمر وسافر بعد عامين من تخرجه _ 1985م _ ونال درجة البكالوريوس، ثم أراد مواصلة دراسته العليا ، وبما أنه غير مدعوم من الحكومة فقد تقدم لإحدى المنظمات الدولية طالباً الدعم فتم قبول طلبه حيث تكفلت بدعمه ليحصل إثرها على درجة الماجستير في المحاسبة ليسافر عقب ذلك إلى بريطانيا من أجل دراسة الدكتوراه بتخصص "مصارف وبنوك" حتى كان له ما أراد، ليعود بعدها إلى وطنه في عام 2005م على أمل أن يقدم حصليته العلمية وثروته المعرفية في تخصصه من أجل خدمة بلده الذي هو بأمس الحاجة إلى كفاءات وكوادر بروح النزاهة كما كان عليه دكتورنا احمد سيف، حيث إن له عدة بحوثات علمية في مجال المصارف والبنوك لها أهميتها الكبيرة في هيكلة الأنظمة الاقتصادية بالشكل المثمر ، لكنه وجد نفسه أمام عِصابةٍ إقطاعية على هيئة نظام دولة، فلم يرض بهذه الشكلية التي عليها حالة الدولة ؛ فجُوزيَ بالإبعاد المتعمد له من قبل النظام ؛ كونه غير منتمٍ له رغم أنه ذو باع طويل في المجال الاقتصادي ، لتندلع بعد ذلك "ثورة فبراير" في عام 2011 فيشارك فيها حيث تعرض للضرب والاعتداء لموقفه الداعم بقوة للثورة إلى أن شكلت حكومة الوفاق الوطني فلم يتم منحه أي منصب في تخصصه وهكذا تستمر حكاية التهميش لكل من رفض الانصهار في بوتقة الحزبية الاستثمارية لا الوطنية، مع أنه كان يميل إلى الأفكار الاشتراكية من حيث الدعوة إلى الحقوق والمساواة إلا أنه رفض الانتماء إلى الهياكل الحزبية المنتهجة لهذه الأفكار وكان محقاً في رؤيته حيث إن الأيديولوجية المقيدة بالانتماء الحزبي قد تنحرف عن مسار نضالها بعكس الإيديولوجية المتحررة التي تجعل صاحبها أوسع حريةً بالتحرك نحو الأهداف السامية والغايات النبيلة والتي تتمثل بتحقيق المصلحة العليا في خدمة الوطن والارتقاء بالمواطن، وهكذا هُمّشَ من أي منصبٍ إلا من منصب فخري تمثل بتسميتهِ مستشاراً لوزير المالية براتب بسيط لم يفِ بمقومات حياته الأساسية حيث تزوج ولم يدم هذا الزواج طويلاً ، ولم يُرزق منه أيضاً ببنتٍ أو ولد ؛ ولشعوره الشديد بظلم الجهات المعنية له، وبالغُبن الذي يحز في قلوب الرجال عاد إلى قريته "جبل جُنيد" معتزلاً الحياةَ بانفرادٍ في بيت متواضع في غاية البساطة. عائشاً في غمرة الحياة رافضاً الخروج بين الناس مؤثراً الوحدة في ظلِ حالةٍ أقرب إلى أن نقول عقدةٌ نفسية أصابته من ظلم واقعٍ بئيس، وبقي هكذا لسنوات حتى أتى هذا العام 2021م فسافر إلى جيبوتي على نية العودة إلى بولندا كما يُقال، ليستمر لأشهرٍ بالبقاء في جيبوتي ثم أصيب بجلطةٍ دماغيةٍ أودت به بعيداً عن وطنه الذي كما لم يتمكن من احتضانه حياً لم يتمكن من احتضانه مَيّّتا، لا حلماً تحقق لا وطناً تألق ولا حياةً هادئة بعيداً عن الصخب والضجيج الذي لا تكاد تتوقف أعاصيره في شعوره. أفلَ ذلك النجم مثل غيره من النجوم الذي كلما أرادت السطوع على سماء وطنها اليمن وجدت غيوم ظلام النخب الفاسدة الكثيفة تحجبها من الوصول . وهذا هو الثمن، ثمن من نوى _ بمجرد خاطرة_ أن يعارض واقع السياسة اليمنية ولو في رغبةٍ طيبةٍ للارتقاء بها إلى الأفضل، ثمنٌ معروف مسبقاً لو كان أجاد فقيدُنا _ رحمه الله_ الاستعداد له والتعامل مع الواقع المحيط به بطريقةٍ أكثر ذكاء ، لكنه كان صلباً عنيداً وصريحاً واضحاً أمام تلك العصابات الدموية. عصابات تعرف فقط كيفية تقسيم الكعكة دون أن تنظر إلى أن الكعكة تحتاج إلى عقول تنموية كي تصير مائدة متكاملة يأكل منها الكل وينعمُ من خيرها الجميع ، عصابات لا تفقه معنى التخصصات الأكاديمية من أجل النهوض بالوطن والدفع بعجلة التنمية بصورة مستدامة عبر مبدأ "وضع الرجل المناسب في المكان المناسب" حسب القيم والمواصفات التي تدعو إلى ذلك من كفاءة علم وأمانة ضمير ، وعلى العكس تجيد _ إلى درجة الاحتراف_ سياسات الإقالات والإقصاء والتهميش والإهمال تجاه الشخصيات الوطنية النزيهة ، لكنّنا في بلد من نَمَط آخر، يمكن أن نسميه بلد العالم الرابع، تجده متشبثاً بذَيل قائمة الدول من حيث النزاهة والشفافية والنمو الاقتصادي وجودة التعليم ، وفي الوقت ذاته ، مُستحوِذاً في مواضيع الجهل والفساد والأمية والفقر دوماً على الصدارة، حقيقةٌ مؤلمة وما يجعلها أكثر ألماً هو أنّ هذا الوطن يعجُّ بشكلٍ زاخرٍ وكبير بكل الخيرات من العقول الخبيرة في جميع المجالات من جهة وبكل أنواع الثروات الطبيعية والمعدنية من جهة أخرى ومع ذلك نمشي حفاةً جياعاً على بحارٍ من النفط وجبال من الذهب، وهذه حالةٌ ملازمة لأي شعب تجد لجامَه في أيدي ساسةٍ رخاصٍ نواصيهم بأكفّ أسيادهم من خارج الوطن، فلا امتلاكاً لقرار ولا حفاظاً على سيادة ، وإلا فالشعوب تصنع ماتستحقها إما مجداً وريادة أو تَبعيةً وهوان، في حاضر الواقع بعيداً عن التسلل عبر دهليز الماضي إلى أمجاد الأجداد، "فإنّ الفتى من قال هاأنذا ليس الفتى من قال كان أبي" . تُرى! متى سيقولها بأفعالهم اليمنييون ؟ فقد آن للوطن أن يستفيق من نومه ويحتضن نجومه ويمدها بالذخيرة المعنوية للبقاء في عز إنتاج سطوعها فقد أظلمت الدنيا وأوحشت من كَثرةِ الأُفُول .