آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-04:32م

   كم كان القضاء في الجنوب متطوراً              

الإثنين - 20 ديسمبر 2021 - الساعة 06:03 م

علي هيثم الغريب
بقلم: علي هيثم الغريب
- ارشيف الكاتب



بقلم/ علي هيثم الغريب
        وزير العدل السابق

كان القضاء وسيظل من الامور المقدسة عند كل الانظمة الحديثة مهما بلغت درجتها من الخصومات السياسية الداخلية حتى لايصبح الناس في فوضى, اذ  ان الخصومة من طبيعة الناس,وتنازع البقاء سنة الكون,ولولا الوازع الديني والقانوني الذي ينصف الضعيف من القوي والمظلوم من الظالم لاختل النظام نفسه وليس حياة المواطن فقط، ولعمت الفوضى الساحقة بين الناس , يشير الى ذلك قوله تعالى(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض). 
فالنظام القضائي في الجنوب –كغيره من الأنظمة والمؤسسات العامة- ارتبط ارتباطا وثيقا بالأحداث التاريخية، والتاريخ وحده يسفر لنا الكثير من الأوضاع الحاضرة والمؤسسات القائمة. فلنفهم النظام القضائي الذي كان في الجنوب لابد إذن من العودة على التاريخ أو على الأقل إلى تاريخ هذا النظام نفسه لندرك مراحل تطوره التي انتهت إلى الوضع القائم مع الاسف.
ومما لاشك فيه أن عام الاستقلال 1967 يؤلف في هذا الموضوع مرحلة تمتاز عما قبله وعما بعده بميزات تجعل منه مرحلة فاصلة يمكن الاستناد عليها لتقسيم تاريخ هذا النظام القضائي على ثلاثة أطوار : قبل الاستقلال، وفي عهد الدولة الوليدة(1967-1990)، وبعد اعلان الوحدة وحاضرًا.
فلا غرابة اذا كان القضاء مما قدسه اغلب القضاه وكذلك القوانين الوضعية التي ظهرت في الجنوب والشمال مند نشاتها الى الان… وهناك قضاه لم يتحزبوا يوما فبنوا قضاءً مستقلاً استقلالاً نسبياً وسط عواصف الانظمة الحاكمة.
واذكر قصة مواطن ريفي (شرحها لي قبل سنوات)جاء الى عدن في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، لقبه الفرنصاوي(وهو اسم سلاح فرنسي)، فدخل خصومة مع احد الهنود، احيل ملفهم للقضاء ، والقاضي كان هندي(بينيان)، فحكم القاضي لصالح الفرنصاوي."
لذا كانت وظيفة القاضي من اسمى المناصب في عدن، وكان القاضي يعيش مرحلة صراع بين حبه للعدل وجبروت النظام، اذ ان من شانه تنفيذ القوانين التي تحكم المجتمع, وتدعيم الاطمئنان والسلام بين الناس بواسطة ما يصدره القاضي من احكام واوامر لصيانة الحقوق ولتوقيع العقاب لكل معتد عليها باسم المجتمع.
ومن هنا كان العدل بين الناس من افضل اعمال القضاه (حتى في ظل الأنظمة الدكتاتورية)، الذين تميزت بهم اروقة المحاكم في عدن ومحافظات الجنوب، اخذين من قول الله تعالى(وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين). ولقد كان نظام القضاء في عهد الدولة السابقة قبل اعلان الوحدة(بغض النظر عن الاختلاف حول شكل نظامها السياسي) مصونا ومؤديا للدور الذي اعد له على نحو فاق غيره من الانظمة الاخرى في المنطقة، وذلك للنتائج الطيبة التي حققها القضاء اثناء النظر بدعاوي المواطنين(اقصد الدعاوى المدنية والجنائية وليس السياسية التي كانت مجحفة بحق المعارضين) ، فلا ضابط ولا مسئول يحق له ظلم اي مواطن، او سلب املاكه او املاك الدولة كما هو حاصل اليوم، حتى ان قانون الجرائم والعقوبات رقم(12) لسنة 1994 مأخوذ كاملا من قانون الاجراءات الجنائية ل ج ي د ش. واذا نظرت لبعض قضاة ذلك الزمن او لمن لحق بهم ويعيشون بيننا اليوم، ستجد فيهم نكهة العدالة.
وثبت من تجربة تلك السنوات رغم العنف السياسي الذي كان يجري من خارج القضاء والقضاة، فقد كان القضاه في عهد تلك الدولة الجنوبية يمثلون صفحة مشرقة من صفحات التاريخ الجنوبي اللامع. وكانت احكامهم ونزاهتهم واستقلالهم وتجردهم مضرب المثل.ومحط الانظار(اغلبهم الان اعضاء في المحكمة العليا), وكانت المساواه بين الخصوم, واقامة العدالة بينهم سببا مباشرا في حفظ سمعة القضاة.وفي الشمال ايضا كان هناك قضاة يحفرون الصخر من اجل رفع مكانة القاضي والقضاء كون القضاء تأسس هناك في مجتمع قبلي وحكم فردي(وهؤلاء ايضا منهم من هو موجود في المحكمة العليا وهيئات السلطة القضائية في عدن.)
جاءت الوحدة واندمج قضاة الجنوب بقضاة الشمال وجاءت حرب 1994 وبداء الاضطهاد لقضاة الجنوب ، وحرم طلاب العلم والحقوق والشريعة من التأهيل والتدريب والتوظيف او من تبؤو مناصب قضائية وادارية .. فوجدنا المئات من القضاة وامناء السر وموظفي السلطة القضائية محرومين من أبسط حقوقهم.
وهكذا كان تاريخ السلطة القضائية (الادارة) بعد اعلان الوحدة. ولكن القضاء رغم الحرب والإقصاءات والخصومات التي تعرض لها "الجنوبيون" الا ان القضاه سواء كانوا شماليين ام جنوبيين ظلوا محاولين رفع مكانة القضاء، بل ويثورون عندما تدخله شائبة من شوائب هذا الزمن، خاصة بعد قرار ألرئيس هادي العام 2013 بانتقال السلطة القضائية من أيدي رجال السلطة التنفيذية والإدارية الى ايدي مجلس القضاء الاعلى، لهذا نحن طالبنا بتصحيح اوضاع السلطة القضائية دون تدخل سياسي.
عرفت عدن ومحافظات الجنوب بعد 2013 تأسيس القضاة لناديهم كإطار ينتظمون من خلاله لتقديم مطالبهم التي تنوعت بين المطالب المهنية والحقوقية والقانونية، وقد تولى نادي قضاة الجنوب الدفاع على الملف المطلبي للقضاة في توقيت دقيق مرت به السلطة القضائية في عدن والجنوب وهي مرحلة التحرر من مليشيات الحوثي وعفاش، ووضع أول معارك القضاة والاداريين لاسترداد حقوقهم، ومعالجة ما تعرضوا له من قهر وظلم خلال فترة ما بعد 1994.
وكان لافتا في تحركات نادي قضاة الجنوب أنه حظي بإهتمام فخامة الاخ الرئيس هادي ومجلس القضاء الاعلى حيث استطاع قضاة النادي ايصال أصواتهم إلى الرئاسة وانتزاع العديد من الحقوق التي دافعوا عليها، الشيء الذي ظهر في صدور قرارات جسدت ارادة القضاة، وقد تبلورت بشكل واضح في المقتضيات التي تضمنها اعادة بناء السلطة القضائية في المحافظات المحررة، وتبعه منح درجات قضائية لمن حرموا منها وفتح المعهد العالي للقضاء وتوظيف الشباب والشابات والشروع في ترميم وبناء وتأثيث المحاكم والنيابات، في ظل وضع معقد، تغير فيه كل شيء ، لا دولة ولا علاقة احترام بين القضاء والمواطن ، واصبح القضاء ضحية القوة والعنف والفساد، فطمع بالقضاء اصحاب الاهواء, والاطماع ووصل الى منصة العدالة قله قليلة من القضاة السياسيين والجهلة من الناس فاساؤا اليه وشوهوا اغراضه وكانوا وصمة عار في جبين الحاضر, وسادت الرشوة والمحسوبية وشراء الوظائف في بعض الاحيان. فتنبه نادي قضاة الجنوب والقضاة الصالحين في عدن الى ذلك، وحذروا منه وواجهوه, وابرزوا مخاطر بعض الاحكام القضائية، والجور والظلم الذي يحدث من بعدها، وذهب بعضهم الى تفضيل ترك القضاء من ان يحكم جورا وقهرا.
حتى بدت أداة وتنفيذ الاحكام والاوامر القضائية شبه مستحيلة فى هذه الفترة. 
وفى هذا السياق نقرأ ما وجه به مجلس القضاء الاعلى برئاسة الدكتور علي ناصر سالم في العام 2018 و 2019، عندما اغلقت المحاكم والنيابات، ووافق معظم القضاة على ذلك وأجلوا النظر ببعض القضايا، واصدر مجلس القضاء الاعلى قرارات وبلغ القضاة بالاستجابة للإضراب ورفع مطالبهم لفخامة الرئيس هادي وعمل معظم القضاة بهذه القرارات واستجابوا بها. اي ان مجلس القضاء الاعلى والمحكمة العليا ووزارة العدل والنائب العام والمحامي العام وهيئة التفتيش القضائي التزموا لتلك القرارات حتى صدر بها قرارات جمهورية، حتى انه شكل لجنة وفوضها في بعض اختصاصاته ما يتعلق بالترقية ورفعها اليه.
هكذا كان موقف مجلس القضاء الاعلى الى جانب مطالب القضاه والاداريين، وهو مجلس يوضع السياسات المتعلقة بالقضاء، كما أنه يشرف على أعمال الهيئات، ودوره في عملية وضع القواعد القضائية. ومخاصمة المجلس من قبل اي جهة تضعف الثقة به.
وحينذاك لم يقل أحد إن كان ذلك اشتغالا بالسياسة، وذلك بسبب بسيط وهو قيام هذا الشعور الكاسح للسلطة القضائية فى حدث يقر فقه القانون أنه من الأحداث التى تبلغ فى غلبتها مبلغ «القوة القاهرة» التى من شأن حدوثها أن تعفى أى رافض لها من التزامه بها. 
وليس أصدق فى الدلالة على ذلك، فى ما سارت عليه السلطة القضائية في عدن والمحافظات المحررة بعد معالجة مطالب القضاة والموظفين الاداريين (2018-2019).
وواجهة وزارة العدل قضية شائكة وهي سن تقاعد القضاة والموظفين في الجنوب والذي بلغ 80% حتى اصبحت من البنية الديمغرافية في الجسم القضائي بالجنوب، تشير إلى ارتفاع كبير جدا في عدد القضاة المقبلين على التقاعد(كونه لم يوجد اي تجديد او تأهيل في الجسد القضائي الجنوبي)، وهم لا يستطيعون العمل لحالتهم الصحية والعملية، لا سيما أمام تزايد عدد حالات القضاة والموظفين الذين عبروا صراحة عن عدم استطاعتهم استمرارهم في العمل. 
اضافة الى تاسيس وزارة العدل في عدن والتي كانت تحتاج الى عدد طارىء في اداراتها (58 ادارة) وقطاعاتها الاربعة، فسحب اكثر من نصف الموظفين من محاكم عدن، لديوان الوزارة. فتفاقمت مشاكل النقص الحاد بالمحاكم حتى ان بعضها اغلق وكان لابد من اتخاذ قرار التنظيم الاداري القضائي الجديد الذي يتضمن الى جانب الدرجات القضائية وفتح المعهد العالي للقضاء والتوظيف ومنح الدرجات القضائية للذين مارسوا القضاء لاكثر من 20-30 عام،وحرموا من حقوقهم المكتسبة  طوال تلك الفترة،بعد موافقة مجلس القضاء الاعلى، تشغيل وصيانة وتأثيث المحاكم.
أن المحاكم بالفعل عانت نقصاً حاداً وبشكل كبير بالنظر إلى أن عدد القضاة والموظفين الفعليين لا يتجاوز في مجموعه 124 قاضيا و2000 موظف(30% من القوة العاملة) ، في مقابل الكثافة السكانية لعدن وتراكم قضايا المواطنين وكذلك التزايد السكاني لمحافظات الجنوب، والتي لم تحظى باي توظيف منذ ربع قرن.
واقترحنا في هذا السياق وضع مخطط استعجالي بين وزارة العدل ومحاكم الاستئناف في المحافظات المحررة في إطار آلية التنسيق المشتركة، لتدارك الأمر سواء بالتوظيف وكذلك بالإعلان عن تنظيم مباراة الولوج الى سلك القضاء ومنح الدرجات القضائية وفق اسس ومعايير عادلة والمنصوص عليها قانونيا، مع التركيز على استقطاب المؤهلين للعمل في سلك القضاء، وفق مخطط وبرنامج واضحين لتجاوز الإشكال.
تصوروا حول العدد المفترض من الموظفين والقضاة على المدين القصير والمتوسط من أجل ادارة قضاء ناجع ومقبول، دراسة من انجاز وزارة العدل واداراتها حول إصلاح منظومة العدالة لعام 2020م، وحول تأهيل الموارد البشرية(سعينا للحصول على توجيهات عليا لصرف 10 الف متر2
لبناء مجمع لوزارة العدل وهي جاهزة ومحددة وكذلك قاعات لتدريس اللغات)، وكذلك تقدمنا بمقترح تنفيذ المادة (44) من قانون السلطة القضائية رقم(1) لسنة 1991: تتألف هيئة الحكم في المحكمة الابتدائية من قاضي فرد ، ويجوز في حالة توفر عدد كاف من القضاة أن تؤلف من ثلاثة قضاة." ولكن لم يتغير نظام القضاء الفردي في المحاكم الابتدائية(قاضي واحد منفرد ينظر في القضية المنظورة امامه بسبب نقص عدد القضاة) شانها شان محاكم الاستئناف، حيث وان هناك قضايا معقدة كالجرائم الجسيمة، ودعاوى الأحوال الشخصية والميراث ودعاوى نزاعات العمل، دعاوي الاراضي العامة والخاصة والعقارية العينية والمختلطة. ففي بعض القضايا تتطلب ان يفصل فيها ثلاثة قضاة في القضية المعروضة على المحكمة الابتدائية.
حتى لا يجري سهولة التأثير على القاضي الفرد سواء من المتقاضين أو المسئولين أو من الرأي العام أو الصحافة، فقلة تجربة قاضي الفرد في بداية عمله قد تؤدي به إلى الخطأ، خاصة في ظل المنازعات القاهرة التي تجري اليوم.
حيث قدّمنا عرضاً مفصّلاً حول موضوع "الإصلاح العميق والشامل لمنظومة السلطة القضائية"، فإصلاحها هو نتيجة اصلاح المحاكم والنيابات اولاً، وليس إصلاحاً فوقياً فقط.
واكدنا أن القضاء ليس خارج الصراع السياسي والحسابات السياسية، وأن القوانين حتى ولو كانت متميّزة، إلا أنها لاتصنع سلطة قضائية مستقلة، ولذلك، فإن نجاح عملية معالجة الاشكاليات التي ظهرت نوعا ما داخل السلطة القضائية تقتضي نوعاً من التوافق بين مجلس القضاء الاعلى ونادي قضاة الجنوب ونقابة الموظفين حول فرص المعالجات المعقولة.
وكذلك تقدمنا بمقترح انشاء محكمتين ابتدائيتين في خورمكسر والمعلا، وفق القانون ، المادة (8 ب): - يجوز بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناءً على اقتراح من وزير العدل إنشاء محاكم قضائية ابتدائية متخصصة في المحافظات متى دعت الحاجة إلى ذلك وفقاً للقوانين النافذة . وكذلك رفعنا لمجلس القضاء الاعلى مقترح بتشكيل محكمة متخصصة خاصة بجرائم الاراضي.
أن استعادة تلك الحقوق فى أولى نتائجها اذا ما تحققت ستفضي إلى ترتيب القضاء والنيابة من جديد، حيث وبقيت الدولة في عدن والمحافظات المحررة ببقا المؤسستين السلطة القضائية والامنية، وكلتاهما مؤسسة ممنوعة قانونا من العمل السياسى والاشتغال بشئونه، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى لقد جرى فصل السلطة التنفيذية عن القضاء في القانون التنظيمي للمجلس اﻷﻋﻟﯽ ﻟﻟﺳﻟطﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ، من خلال نقل صلاحيات النيابة إلى النائب العام بدلاً من وزير العدل، وهو ما نعتبره خطوة كبيرة في الفصل بين السلطات تفوق حتى بعض الدول الديمقراطية. 
وبالنظر الى اغلاق المحاكم والنيابات اليوم لقضايا مازال القضاء ينظر فيها، ألجأت قيادات امنية وقبائل إلى أن تتولى الحكم والفصل في القضايا الجنائية والمدنية، ورغم انه شيء مرفوض كليا، ولكنه عند المواطن شيء طبيعي ويحتاجه حتى تعود هيئات السلطة القضائية الى عملها. وممارسة النظر في القضايا قبليا وليس قضائيا نعتبره عملا سياسيا وذات ناتج قبلي بطبيعة الحال. واذا طال هذا الوضع فمن المؤكد ان القضاء مستقبلا وعندما يعود للعمل سيضطر إلى أن يمارس وظيفته فى ظل هذه الظروف، وسيستدرج عدد من القضاة إلى إبداء آراء سياسية وقبلية فى أحكامهم. 
خاصة وان التدخل القبلي والسياسي كان في الجنوب قد خرج من جسد القضاء، كما اننا نلاحظ ذات الأمر بالنسبة لمجلس القضاء الاعلى حيث شارك في اجتماعاته نادى قضاة الجنوب ونقابة الموظفين الاداريين، فيما عقد من اجتماعات كثيرة مذاعة فى وسائل الإعلام لم تتضمن قضاة فقط، ولكنها شملت الى جانب نادي قضاة الجنوب ونقابة الموظفين، ومحامين شاركوا القضاة اجتماعاتهم واتخاذ القرارات ذات الشأن الاداري.
واليوم فأنّ الاعتراضات على الطريقة التي تمّ اختيار النائب العام الجديد بها كثيرة، ولكن جميعها تخضع لعرف قضائيّ وهو أن يختار الرئيس النائب العام، بحكم الظرف الاستثنائي، وهذا حصل في تعيين كل رؤوساء هيئات السلطة القضائية، ومنحت الرئيس حقّ اختيارهم؟! ، وليس بناء على الترشيحات التي يتقدّم بها المجلس الأعلى للقضاء… وعدم حدوث ذلك هو ما أثار الأزمة في هذا التعيين إضافة إلى الخلاف حول توقيت تطبيق التعديل، خاصة مع وجود نقاش حول تنفيذ اتفاق الرياض.
فمن حق نادي قضاة الجنوب ان يدافع عن حقوق القضاه، ومن حقه ان يرفع اي دعوة دفاعا عن القضاء المستقل، ولكن لا يعقل أن نسلب الرئيس هادي حقه في أحكامه وقراراته ، ولا عقل أن السلطة القضائية التي تمارس نشاطها من عدن تحتاج للهدم بسبب تعيين النائب العام، فهدم اي مؤسسة بهدف اعادة بناء تفكير خاطيء، فما بالكم بمؤسسة بحجم القضاء، صحيح لا زال طعم المرار في حلق الجنوبيين من بعض رؤوساء الهيئات السلطة القضائية السابقة ، ولكن لا يعقل ان نحول ذلك الى ثأر، ولا يعقل أن نعيش أسيرين عقدة الاضطهاد و الإحساس بالظلم بعد تجاوز تلك المرحلة. أن الواقع الجنوبي تغير عما كان عليه في السابق، والسلطة القضائية تغيرت وكذلك القضاء وفهم الناس له، و قد تغيرت مطالب الشعب تغيرا كبيرا فماذا نحن فاعلون؟؟ !!! 
وانا متأكد أن فخامة الرئيس هادي سيحترم حكم المحكمة لأن احترامه للحكم فيه منافع أكثر منه مفاسد . المنفعة الأولى : تنفيذ رغبة من رغبات القضاة ، الثانية : إظهار الاحترام للقضاء الذي سيفصل بهذه القضية. الثالثة : إلغاء لغط كبير و إزالة الشبهة الحائمة حول انتماء النائب العام الحالي لحزب من الاحزاب. الرابعة : إعطاء مساحة من التفاهم بين السلطة القضائية والرئيس هادي، خاصة وان الرئيس أهتم اهتمامًا كبيرا باعادة القضاء لعدن والمناطق المحررة بعد الحرب(2015). الخامسة : بداية جديدة للتوافق على شيء واحد بين مؤسسة الرئاسة والقضاء ونقابة الموظفين الاداريين كمؤسسات حتى لو كان بها ما بها من وجهة نظر البعض.
واليوم اذا كانت المشكلة في النائب العام وحتى لو أن القرار من وجهة نظر البعض غير صحيح ماينفع الرئيس يرجع عنه الا من خلال القضاء؟ ، مع احترامي الشديد لكل من له رأي مخالف، لكني أرى ذلك بالعين المجرده التي لا تحتاج الى دليل ؟ يا ريت ونحن نخلي المجمع القضائي والمحاكم والنيابات تشتغل بكامل طاقتها؟!،  وتسلم رواتب الموظفين الجدد، وتحافظون على القضاء كما تحافظون على حدقات اعينكم، لانني أقولها والله وبكل صدق اذا سقطت سمعة القضاء في عدن والجنوب فان العدالة ستموت وكل قاضي واداري شريف سيعيش بدون أمان وكأنه قد اعدم ؟.
ولذلك فإن الاشكالية التي ظهرت بشان تعيين النائب العام من خارج الوسط القضائي يجب الا تنعكس سلبا على عملية سير السلطة القضائية والمحاكم والنيابة، وان يأخذ القضاء مجراه في كل الدعاوى المنظورة امامه، دون اغلاق المحاكم والنيابات. صحيح انه كان يفضل اختيار نائب عام من الوسط القضائي او محامي، فان تم ذلك فانه يعتبر مكسباً كبيراً للعدل وسيادة القانون، ذلك أن مهنة المحاماة ايضاً هي جزء من منظومة العدالة وأداة من أدواتها التي تساهم مع القضاء والنيابة العامة في إرساء وتثبيت سيادة القانون حسبما هو منصوص عليه في المادة الرابعة من قانون المحاماة رقم (31) لعام 1999م، ذلك أن المحامين ليسوا مجرد أعوان للقضاء بل هم شركاء في تحقيق العدالة والتمكين لسيادة القانون. 
ونحن نهيب بمجلس القضاء الاعلى، أن يكون أكثر حيادا واستقلالية فى إدارته للشأن القضائى وفى تعامله مع القضاة وقرارات التعيين، خاصة وان على راسه قاضي عادل ومن انزه القضاة الذين عرفهم المجتمع، وإذا لم يكن من يدير الشأن القضائى هو الأكثر مراعاة لاستقلاليته فى تعامله مع القضاة، فمن يمكن ان يوفق فيه ويطمأن إليه فى هذا الصنيع؟.
وكان من الواجب علينا جميعا في السلطة القضائية التي انتقلت الى عدن مع خيرة قضاتها الافاضل، ان نعالج ربع قرن من المظالم وننصر كل من ظلم، ونؤدي الحقوق إلى مستحقيها، وللضرب على أيدي العابثين، وأهل الفساد كي يسود العدل والنظام في المجتمع، فيأمن كل فرد على نفسه وماله وعلى عرضه، وحريته، فتنهض بلدنا المحررة ويتحقق الامن والامان ويتفرغ الناس لاعمالهم.

الخلاصة :

نظراً للجرائم وقضايا السطو على الاراضي وقضايا القتل وغيرها التي تمر به عدن من جهة والنهضة المعمارية وتدفق الاستثمارات إليها من جهة اخرى, فلابد من تشغيل المحاكم والنيابات بكامل طاقتها، بل وخلق نظام قضائي يمتاز بالدقة والسرعة في تنفيذ الاجراءات القضائية لتحقيق العدالة في الأحكام. ولضمان استقلالية القضاء فلابد من اعادة عمل الهيئات القضائية، ومباشرة الاختصاصات المخولة لها قانوناُ.
ولا يمكن لإصلاح القضاء أن يتم دون عمل هيئات السلطة القضائية مهما كان التأييد السياسي من هذا الطرف او ذاك، ولا أن يؤتى ثماره المرجوة من المساهمة فى تحقيق العدالة (التى هى شرعية اي قوة أو نظام يبتغى له الاستقرار) إلا بارتباطه بالقضاء والعدالة، أما استمرار القضاء بهذه الصورة المجتزأة فإنه يعوق العدالة أكثر مما يمكن منها، لأن مساعى إرساء العدالة إن لم تخرج من اروقة المحاكم والنيابة، فإنها تفقد وصف العدالة، وتكون سببا فى إعادة إنتاج الاستبداد والظلم بدلا من التخلص منه.
وللخروج من هذا المأزق نناشد اعضاء مجلس القضاء الاعلى ونادي قضاة الجنوب ونقابة الموظفين للجلوس والوقوف امام القضايا الجوهرية ومعالجتها بالنسب المعقولة، وترك القضاء يقول كلمته في الدعوى المنظورة امامه بشان النائب العام، فالمعالجة لا بد منها، وهي المتعلقة بتشغيل القضاء والنيابة، حيث الحاجة عامة لعلاج أوجه القصور المؤسسى التى مكنت من تفشى الظلم والفساد على أصعدة أربعة على الأقل، هى الانتهاكات الحقوقية ووالفساد السياسى (من تفريغ المؤسسات من وظائفها ومهامها القانونية)، والفساد الاقتصادى (من الفساد الذى شاب عمليات الاراضي، وللأسلوب الذى تم به توزيع الأراضى)، وإهمال عمل المؤسسات المؤدى لانعدام الخدمات والتقصير الأمنى لغياب النيابة والقضاء، والمؤدى لعمليات القتل والعمليات الإرهابية، ووصولا لعجز كل المؤسسات عن التعامل مع تلك الحالات المتلاحقة التى طالت أنفسها وأموالا تكاد لا تحصى)، وفى هذه الأمور جميعا غابت العدالة بعجز السلطة القضائية عن الاضطلاع بدورها على النحو المطلوب. ولا تبتغون من وراء ذلك إلا وجه الله».