آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-01:43ص

رسالة عبر ركلة كرة

الثلاثاء - 14 ديسمبر 2021 - الساعة 05:00 م

فرج العامري
بقلم: فرج العامري
- ارشيف الكاتب


بمجرد هدفٍ فاز به المنتخب الوطني للناشئين في "بطولة غرب آسيا" غشيت الفرحة العارمة الشعب اليمني بأكمله وكسته ثوب السعادة وصنعت أجواءً فرائحية لم تَخطُر على البال ، هذا فقط _ كما أسلفنا _ بمجرد هدفٍ فاز به ناشئوا منتخبنا الوطني في بطولة "غرب آسيا للناشئين" ... علينا أن نقف هنا لبرهةٍ قصيرة ونركز قليلاً من باب المقارنة ذات المدلول الهادف .. أولاً: إن الفرحة التي رسمت البسمة على جغرافيا اليمن من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله كانت بمجرد هدف رياضي وليست بحل سياسي للأزمة الخانقة والذي كم يتمناه الشعب اليمني ويحلم به . ثانياً: كان الفوز من قبل ناشئي منتخبنا وليس من قبل كبار منتخبنا الوطني "المنتخب الأول" والذي هو أساس مباريات كرة القدم ذوات المواجهة العالية والأكثر إثارةً للاهتمام. ثالثاً: إن الفوز كان في بطولة كأس "غرب آسيا" وليس في بطولة "كأس آسيا" بمشاركة كامل منتخبات القارة، فضلاً عن أن نقول كأس العالم .... إذن هو _ دون شك _ من أبسط النجاحات والانتصارات الرياضية في مجال كرة القدم ، لكنه أول بطولة تحصدها الكرة اليمنية منذ تأسيسها في بداية ستينيات القرن الماضي ، ومن هذا المنطلق فلا يمكن لنا أن نخفي عظيم أثرهِ علينا جميعاً بصفتنا نحن ذلك الشعب اليمني الذي يعنيه الفوز ويقصده الانتصار ... بعد أن توقفنا تلك البرهة وتعرفنا على مدى الشعور الرائع الذي داهمنا بهذا الفوز المتواضع، لنُحَلِّق الآن بخيالنا عالياً في سماء التفكير المنطقي وجو التحليل الإيجابي ونفكر من منظورٍ أعلى وبأسلوب أعمق، سترى أفكارُنا _ من دون أدنى شك_ وبعينَي صقر أننا توحدنا كافةً _ كيمنيين _ باختلاف أهوائنا وأفكارنا ومناطقنا، بموضوعٍ بسيط يتمثل في مباراة، إذن هذا شيء جميل ، فعندما تم تسجيل هدف الفوز كان ملايين اليمنيين في كل أرجاء البلاد بل وخارجها _ في فرحٍ عابرٍ للقارات_ يتراقصون سعداً وطرباً ؛ هاربين بأنفسهم من ضيق جدالات السياسة العقيمة إلى رحاب احتفالات النصر الكروي العظيم، ذلك النصر الذي تكمن عظمته في بساطته؛ إذ كيف لهذه البساطة أن تزرع ابتسامة عريضة في وجه وطن تجعدت ملامحُه من عناء التشرذم ؟! كيف له أن يفعل ذلك ومعظم الشعب يصرخ من الجوع ويئن من الألم ؟! على أيِ حال فقد وجد الفوز طريقه ليسعدهم عن طريق المعنى الذي يحمله، ذلك المعنى الموحد لأهواء القلوب والجامع لأشتات الهوية المبعثرة في أصقاع وطنٍ مكلوم، ليبقى كما هو وطناً واحداً مهما تناوشته مخالب التمزيق، ثم يزداد قوةً حينما أرسلَ ذلك الهدفُ الذي حسم الأمر بالفوز الكبير لليمن الممزق، رسالتَه الضمنية في معناها "بأننا في أرواحنا شعبّ واحدٌ موحد صهرَتنا الغَيرةُ الوطنية في بوتقة اليمن الكبير... أذكر لكم أنني قُبيلَ ذهابي لمشاهدة المباراة النهائية رِفقةَ أصحابي، قلت لهم :أظن أننا سنفوز الليلة بهدف"، قلتها وأنا في شعور متحدٍ يصنع لنفسه ثقةً بالنصر ؛ لتبدأ المباراة وتبدأ جحافل القلق بالتسلل إلى مشاعري رويداً رويداً، فيتم سحقها بهدف نجمنا "البرواني" المتألق وتعود المعنويات إلى سابق قوتها ثم تعاود مرةً أخرى صراعاً مع موجات القلق؛ إذ إن الوقت لايزال كافياً لأي احتمال في صنع نتيجة سلبية، ثم ندخل الوقت بدل الضائع، فيصيح أحد المشاهدين إلى جانبي متسائلاً في حنق " لماذا 5 دقائقٍ زيادة" ؟ فأرد عليه "أن ذلك بدل الوقت الضائع أثناء المباراة في إسعاف المصابين ونحو ذلك" ليطمئنهُ آخر وهو أحوج إلى الطمأنينة : "5 دقائق سهل ليست بالكثيرة"، فأقول وأنا الآخر في توجس " بل هي كبيرة بما فيه الكفاية لتعديل النتيجة إذا لم يكن لعكسها من فوز إلى خسارة" ثم يدعو الله باللطف ويغير وضعية جلوسه من التوتر؛ ليتحقق الأمر بعد عدة ثوانٍ بهدف في شباك منتخبنا، هنالك أكفهرت الأجواء حَوالَينا بغيوم الحزن والخيبة وامتقعت ألوان أوجهنا لمجيئه في هذا التوقيت، تماماً بعكس شعورنا عندما هدَّفنا في مثل توقيته بالمنتخب السوري الشقيق... ، ثم يتم الانتقال مع المنتخب السعودي إثر انتهاء الوقت بدل الضائع إلى ركلات الترجيح ، والتي جعلت أفئدتنا تتراقص من التوتر وأعصابنا في مدٍ وجزر وأقدام اللاعبين تعزف على مشاعرنا أنغام حزن وفرح يسودها توترٌ تصنعه تلك اللحظات الحابسة للأنفاس وكأننا في مشهد مصيري مرعب لا يتمثل بمجرد مشاهدة مباراة، حتى إن البعض كان يرفض المشاهدة مولياً وجهه عكس الشاشة، لتستمر ضربات الترجيح، حيث كانت في بدايتها تشير إلى فوز المنتخب السعودي لعدم تمكن أحد أبطالنا من التسديد ثم تأخذ المفاجأة منحىً آخراً بالتغير التدريجي لصالح المنتخب الوطني عبر حارسه الذئب الردفاني "وضاح اليمن" الذي صد الكرة بوثبة بطولية، لينتصر منتخبنا بالفوز المهيب الذي أطلقنا أثناءه صيحة الفوز المدوية بصوتٍ واحد كفيلٍ بإرعاب كل من لم يدر سبب ذلك ، تلك الصيحة الذي عهدنا إصدارها تلقائياً ودائماً أثناء تهديفات منتخبنا الوطني، لكنها هنا كانت من نوع آخر، نوع آخر تماماً، لقد كانت وكأنها صيحةُ الخلاص من القهر والمعاناة إلى عالم السعد والفرح والسرور الذي طالما حلم به اليمنيون وانتظروه من هامات سياسيهم المتحجرة لتأتي بشكل غير متوقَع من أقدام لاعبيهم الصغار .. وعن نفسي وعن الذين إلى جواري باختلاف مناطقنا من شتى محافظات الوطن شماله وجنوبه فقد تعانقنا عناق النصر وتصافحنا مصافحة الإخاء_ حتى مع جنود من المجلس الانتقالي المهتمين _ وتبادلنا باقات التهاني وهدايا التبريكات، والبسمة العريضة تفرض نفسها على أوجهنا بقوتها الناعمة الذي لا يمكن صدها، خصوصاً عندما تكون في وجهٍ طالما خيم عليه الأسى والتذمر من واقع حال وطنه الأليم، وكم كان الشعور طاغياً علينا عندما خرجنا لنجد في السوق الشباب يتجمعون تمهيداً للاحتفال لأجد نفسي وقد قفزت إلى وسط الحشد هاتفاً بكل قوتي "حيوا اليماني" ليرددوا بكل قوة تفاعل وحماسة موقف "حيوه" ، هناك شعرت _ مفتخراً_ بشرف إطلاق الهُتاف الذي انطلق بالجمع إلى ساحة العروض لتأتي بقية المسيرات الشبابية من جولة الثقافة وجولة فندق عدن بحماس متزايد ، ونستمر بالاحتفال بصورة فرائحية وطنية أقرب إلى الشوفينية شبه الجنونية، ذلك الاحتفال الذي لم أكن أتوقع أن سيتم بهذا الشكل، فقد كنت أظنه سيكون في سكننا مع الأصدقاء بطريقتنا الاحتفالية الاعتيادية، لكنّ المفاجأة في طريقته زادت المشهد جمالاً وروعة، لنفتح بعدها "جوالاتنا" ونجد أن كل مدن عدن _ هي الأخرى _ بل مدن وأرياف محافظات الجمهورية لا تقل في فرحتها واحتفالاتها عن عدن إذ إن الجسد واحد والفرحة واحدة وحب اليمن يجمعنا. لقد كان النصر كبيراً والمعنى الذي يهدف إليه ذلك النصر أكبر؛ لكونهِ يستمد بهاءَه من بريق المعنى المضيء بأنوار الأفكار الطيبة. لتطرح بِضعُ أسئلةٍ نفسَها بعلامة استفهامٍ كبيرة ووجيهةٍ في آن واحد؛ إذ تقول : إذا توحدت مشاعرنا وأحاسيسنا كملايين اليمنيين _ بمجرد ركلة كرة_ وإن كانت في حقيقتها مشاعر عابرة، فكيف لو توحدت أفكارنا ورؤانا بلغة التفاهم النابعة من إحساس الأخوة وشعور الانتماء؟! كيف لو تم ذلك ؟! وهل هو ممكنٌ أن يكون؟؟