مفكرات صغيرة ٣
من القومية الى الماركسية - اللينينية
لم يكن التحول من التوجهات القومية للجبهة القومية كفرع من حركة القوميين العرب المستندة الى فكر قسطنطين زريق ( أستاذ جورج حبش في الجامعة اللبنانية) وجورج هو مؤسس حركة القوميين العرب كرد فعل على نكبة فلسطين ١٩٤٨. ولكن فرع الحركة في جنوب اليمن ، لم يظهر في منشوراته ووثائقه وحلقاته الدراسية سوى أفكار ساطع الحصري( احد أهم رواد الفكر القومي .سوري مولود في صنعاء، كان والده موظفا لدى الدولة العثمانية في اليمن) وهو يرى ان لا تناقض بين القومية والاسلام. ولذلك رأينا منشورات الجبهة القومية تبدأ بترويسة الآية القرآنية " من المؤمنين رجال صدقوا….حتى آخر الآية.
حتى الاستقلال في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م حسب قراءتي المتواضعة لم يكن لدى الجبهة القومية تصورا ماركسيا لتوجهاتها ، ويعكس ميثاق الجبهة القومية التوجهات القومية بصورة واضحة استنادا الى ساطع الحصري. ويبدو ان الإقتراب من كل عمليات تطور الفكر القومي ابتداءا في سياق المواجهة مع السيطرة العثمانية في مصر والشام وفي لبنان تحديدا حيث رفع شعار "القومية فوق الدين" قبل الثورة العربية .قد يفسر هذا ان الجبهة القومية لماذا لم تذهب بعيدا في في دراسة الفكر القومي بكل تشعباته. والواقع ان الميثاق ابتداءا بالتاريخ وانتهاءا بالعلاقات كان يشخص الواقع في الجنوب ، ويضع في الواجهةً وحدة اليمن والوحدة العربية.
هذا اذا عرفنا ان ثوار الجبهة القومية هم مناطق القبائل في مجتمع كانت نسبة الامية تصل الى ٩٠ بالمائة، يقودهم نخبة صغيرة جدا من خريجي جامعة القاهرةً وعدد محدود جدا من ذوي التعليم المتوسط وعدد أكبر من الذين درسوا في الكتاتيب.
وبالتالي فان قضية النقاش الفكري العميق لم تكن واردة، أضافة الى المهمات النضالية اليومية والكفاح المسلح ضد القوات البريطانية في عدن وجبال ردفان.
على ان التحول من الفكر القومي الى الماركسية - اللينينية لم يكن طفرة في صفوف الجبهة القومية نتيجة نقاشات مستمرة قادت الى هذا التحول . كان الأمر عبارة عن قرار باستشارة من فرع الحركة في بيروت وخصوصا محسن ابراهيم رئيس منظمة العمل الشيوعي في لبنان ، ربما لأن الجبهة القومية أصبحت في السلطة بعد الاستقلال فهذا يوفر لها دعما من المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي . وبحيث تكون اليمن الديمقراطي هي قلعة اليسار العربي وخصوصا اليسار الفلسطيني ولهذا رأينا المناضل الفلسطيني الكبير جورج حبش (الحكيم)ظل راعيا للجبهة القومية وحتى بعد تحولها الى الحزب الاشتراكي، وكان يبذل جهودا كبيرة للتوفيق بين الاجنحة امتصارعة في الحزب الاشتراكي ، وقد كنت عضوا في المؤتمرالعام الثاني للحزب في نوفمبر ١٩٨٥ قبيل احداث يناير حاضرا وبذل جهدا في محاولة التوفيق بين طرفي الصراع ، وقد قال لي احد القيادات انه في آآخر محاولة مع القيادات قبل الجلسة الختامية بكى بحرقة شديدة .
لذلك فقد اثارت قضية التحول المفاجئ من القومية الى الماركسية نقاشا كبيرا في المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية في زنجبار مارس ١٩٦٨م وهو ما فجر صراعا دراماتيكيا داخل قيادة الجبهة القومية ، انتهى بالانقلاب على رئيس الجمهورية ورئيس الجبهة القومية ورئيس وفدها لمفاوضات الاستقلال الرئيس قحطان الشعبي رحمه الله في ٢٢ يونيو ١٩٦٩ أو ماعرفت بالخطوة التصحيحية وسيطرة التيار الماركسي في الجبهة القومية على مقاليد الحكم وتشكيل مجلس رئاسة برئاسة سالمين ( سالم ربيع علي ) لتبدأ مرحلة جديدة أطلق عليها في المؤتمر العام الخامس للتنظيم السياسي للجبهة القوميةمارس ١٩٧٢ " مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية "