آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-06:25م

اعداؤنا ثلاثة ؛ خوف وجوع ومرض ...

الخميس - 18 نوفمبر 2021 - الساعة 02:40 م

د. عوض احمد العلقمي
بقلم: د. عوض احمد العلقمي
- ارشيف الكاتب


قال تعالى : "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ....  " نعلم يقينا أن ما أصابنا من الخوف والجوع والمرض إنما هو بما كسبت أيدينا ، أجل لقد غمرتنا المعاصي والموبقات ، ولولا أنه عز وجل يمهل ولايهمل لخسف بنا الأرض ، لكنه حليم رحيم .... لقد قررت هذه الأيام التخفيف من مضغ القات لأسباب كثيرة لاداعي لعرضها في هذا المقال المكثف لما هو أهم ، الأمر الذي منحني شيئا من الوقت أقضيه في ملتقيات جديدة ، أتعرف في هذه الملتقيات على أصدقاء جدد ، وأنهل فيها من ينابيع ثقافية جديدة ، من ذلك أنني نزلت إلى الشيخ عثمان بعد عصر يوم الجمعة الموافق 12/نوفمبر 2021 م ، جلست على مقعد غير مريح ، في مقهى يقع بجانب البريد ، احتسيت كأسا من الشاي الملبن ، وإذا بصديقي ناصر يرفع يديه من بعيد مرحبا بي ، طلبت منه أن يقعد ، لكنه عرف بي الحاضرين أولا ثم قعد ، طلبت له كأسا من الشاي غير أنه اشترط على المباشر أن لايكون ملبنا وأن يضع فيه قليلا من أوراق النعناع الأخضر ، باشرت صديقي بالسؤال : كيف عرفت هؤلاء وأنت تفرقهم سنا وثقافة ؟ قال : لقد كنت أقضي معهم وقتا ممتعا ، نلعب بأحجار الضمنة من بعد المغرب إلى منتصف الليل ، لكننا لم نعد الآن كذلك . لماذا هجرتهم بل ما الذي جعل لقاءاتكم تنقرض ياصديقي ؟ لم أكن يا أخي أريد الحديث في هذا الأمر ، لكن أما وأنت قد سألت سأطفئ ظمأ فضولك بحكاية شيء وجيز من  الأسباب ؛ اقترب بأذنك قليلا مني لكي لايسمعون ما أقول . ها قد اقتربت ياناصر ، إن هؤلاء المسنين - كما تراهم - متقاعدون ، كانوا يستلمون رواتبهم من البريد شهريا بانتظام ، وقبل أن يستفحل الغلاء وتتدهور العملة وينتشر الوباء ، كانت رواتبهم تكفي لإطعام أطفالهم وسد حاجاتهم الضرورية ، أما اليوم فلم يستطع الواحد منهم دفع ثمن كأس من الشاي الأمر الذي جعل رب المقهى يرفع الطاولات والمقاعد من هذا المكان ؛ لأنه لم يعد يفيد من هؤلاء المعدمين شيئا ، غير أن بعض الخيرين نصحوا رب المقهى بإعادة الطاولات والمقاعد وعدم منع أولئك المسنين من التواجد هنا ؛ لأن هذا المكان هو متنفسهم الوحيد ، والنظر إلى البريد هو الأمل الذي بقي لهم !!! أهذا فقط ماتسبب في فراقك لهم ياناصر ؟ كلا يا أخي فهناك أمر أكبر لما أحكيه لك !!! ماهو ذلك الأمر ياناصر قل بربك ، وكأن وباء كورونا لم يكتف بما أصاب القوم من الجوع والخوف ، الأمر الذي جعله يشن عليهم حملة عسكرية همجية بربرية شرسة لاتقل فتكا وقمعا وتنكيلا عن حملة هولاكو على حاضرة الخلافة العباسية بغداد في القرن السابع الهجري ، فكنت كلما سألت عن أحدهم قالوا قتله فيروس كورونا ، حتى أنني في ليلة واحدة بل في خمس دقائق منها ، سألت عن خمسة منهم فقالوا لي لقد قضوا نحبهم الخمسة ، فتوقفت مباشرة عن السؤال عن غيرهم خوفا من أن يكونوا قد رحلوا عنا أيضا ،وعندها قررت مغادرة المكان ودموعي تنهمر على خدي ، وأنا أقول : إن حالنا لايحتمل يارب أن نواجه ثلاثة أعداء في زمان واحد ومكان واحد ،فرحماك رحماك يارب أنت أعلم بالحال وإليك المآل ...وللحديث بقية في الحلقة القادمة..