آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-02:25ص

تقييم أول مزاد إلكتروني للبنك المركزي اليمني

السبت - 13 نوفمبر 2021 - الساعة 07:23 م

وحيد الفودعي
بقلم: وحيد الفودعي
- ارشيف الكاتب


رغم تبني الحكومة اليمنية وبنكها المركزي العديد من الإجراءات والسياسات بهدف الحد من تدهور قيمة العملة الوطنية إلا أن تلك الاجراءات لم تأت أكلها حتى اللحظة، حيث استمر انهيار سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق وبعيداً عن المتغيرات الاقتصادية الحقيقية المؤثرة على سعر الصرف، غير أنه ليس من ضمن هذه الإجراءات، إجراء مناسب يقضي على احتكار الصرافين للعرض النقدي من العملات الأجنبية وتحديد السعر المطلوب، لذلك ولكسر هذا الاحتكار عزم البنك المركزي اليمني مؤخرا بعد توصيات صندوق النقد الدولي بالتدخل في السوق بائعا للنقد الأجنبي ولكن ليس بالطرق التقليدية بل عبر آلية جديدة تتسم بالشفافية وعبر منصة الكترونية، خصوصا بعد أن وصلت احتياطياته من النقد الأجنبي 1.5 مليار دولار.

وبدراسة هذا النوع من التدخل سواء بالآلية التقليدية أم بالألية الجديدة ودراسة تجارب بعض البلدان مثل مصر والسودان والعراق واليمن (اليمن بالألية التقليدية) نجد أن التدخل المباشرة لتحقيق الاستقرار في قيمة العملة الوطنية عن طريق الدفاع عن سعر صرف توازني باستخدام نافذة بيع وشراء العملات الأجنبية، قد انعكس إيجابياً في تحسين قيمة العملة الوطنية وعلى المستوى العام للأسعار، فكيف نقيم أول تجربة للبنك المركزي اليمني بالتدخل في السوق عبر مزادات باستخدام منصات الكترونية.

بسرعة غير متوقعة، أعلن البنك المركزي يوم الثلاثاء الماضي الموافق 9 نوفمبر عن سياسات وإجراءات ولوائح مزادات العملات الأجنبية (فوركس) وتضمنت المعايير والإجراءات ومتطلبات الدخول في المزادات وكيفية اجراء المزاد والمنصة التي سيتم من خلالها تداول العملات الأجنبية وهي منصة Refinitiv  وحقوق ومسؤوليات البنك المركزي والبنوك وشركات الصرافة والعقوبات التي يمكن أن تتعرض الها البنوك في حالة مخالفة أي من سياسات وإجراءات وتعليمات البنك المركزي اليمني، يأتي ذلك بعد أن  بدأ قبل يومين من الإعلان عن المزاد ولأول مرة في تاريخه بنشر أسعار صرف تأشيرية للدولار الأمريكي والريال السعودي قريبة جدا من السوق وغير ملزمة تتغير صعودا وهبوطا بحسب اتجاه الأسعار في السوق الموازي.

وفي نفس اليوم أعلن البنك المركزي عن أول مزاد له عبر منصة Refinitiv يعتزم القيام به في اليوم الثاني أي يوم الأربعاء 10 نوفمبر لبيع 15 مليون دولار أمريكي وذلك وفقاً لعدة شروط كان أهمها تحديد سعر صرف أدنى للعطاء وهو سعر بيع الدولار الأمريكي مقابل الريال اليمني الظاهر في موقع البنك الرسمي في تاريخ المزاد والذي كان 1461 ريال/دولار ناقصاً خمسون ريالاً، أي حد أدنى 1411 ريال/ دولار وأن لا تتجاوز عدد العطاءات المقدمة من كل مشارك عن ثلاثة عطاءات، بإجمالي مبلغ لا يزيد عن 20% من قيمة المزاد، على أن يقوم البنك المركزي بتغطية حسابات البنوك المراسلة لدى مراسليها بالخارج خلال يومي عمل من تاريخ المزاد.

وتقدم خمسة بنوك بثمانية عطاءات وبمبلغ اجمالي 8.75 مليون دولار، قبلت جميعها بعد أن رست على سعر صرف 1411 رغم وجود سعر صرف أعلى من هذا وهو 1447، نظرا لأن البنك المركزي اخذ بسياسة السعر الموحد. (أنظر المثال المرفق).

كان هذا التدخل هو الملاذ الأخير للبنك المركزي للتأثير على سعر الصرف، وحمل غطاء دولياً وذلك بإشراك صندوق النقد الدولي والذي قدم النصح والمشورة، لذلك كان من المتوقع أن يعطي نتائج إيجابية مباشرة على سعر الصرف، إلا ان المتابع لأسعار السوق يجد أن الأسعار ارتفعت في نفس يوم المزاد وهو ما أدى في نفس الوقت الى زيادة الأسعار التأشيرية المعلنة في موقع البنك المركزي اليمني، وبعد يومين من إتمام عملية المزاد ارتفع سعر الصرف في السوق من 1470 ريال/ دولار إلى أكثر من 1525 ريال/ دولار للبيع، كما ارتفع سعر الصرف التأشيري في موقع البنك من 1461 في وقت المزاد إلى 1468 ريال/ دولار في هذه الأثناء، فهل هذا مؤشر على أن البنك المركزي اليمنية قد فشل في هذا التدخل.

في حقيقة الأمر لا يجب أن ننظر إلى عملية التدخل هذه نظرة سطحية أو أن نتوقع تأثير آني على سعر الصرف، فنحن لا زلنا في البداية، ولا يمكن لأي سياسة أن تؤتي أكلها مباشرة بعد التنفيذ خصوصا السياسات الاقتصادية، فالمقاومة من قبل المحتكرين والمضاربين كبيرة، وكما نعلم أن النسبة الكبيرة من العرض النقدي للعملة الصعبة بيد الصرافين وكبار اللاعبين في البلاد وسوق الصرف في اليمن خلال الأشهر الماضية وحتى اليوم أشبه ما يكون سوق احتكاري وسوق مضاربة غير مشروعة ومن يحدد سعر الصرف فيه هم المحتكرين والمضاربين، لقد كانت نقطة ضعف المركزي هي اعتماد حرية السوق وعدم التدخل إضافة إلى تعطل السياسة النقدية لأسباب عديدة لا مقام لذكرها هنا، بينما في المقابل نقطة قوة الصرافين المضاربين هي احتكار العرض وفي أسواق الاحتكار المحتكر هو من يحدد السعر هكذا تقول النظريات الاقتصادية.

أما الآن وبعد هذا التدخل أصبح البنك المركزي يمتلك نقاط قوة كثيرة أهمها غطاء ومباركة وتنسيق عالي المستوى مع صندوق النقد الدولي للتدخل، ولو استغل ذلك بشكل مدروس لأحدث أثرا كبيرا وهوى بالسعر الى النقطة التي صعد منها ولا بد من تضحية بجزء من الاحتياطيات والدخول بقوة في سوق الصرف.

وبغض النظر عن التأثير المباشر على سعر الصرف، فهناك مكاسب كبيرة تحققت على الصعيد المحلي والدولي من هذا التدخل، بعضها قد تؤتي أكلها في المستقبل القريب، خصوصا إذا ما أعاد البنك المركزي اليمني النظر في بعض الأمور التي تتطلب تصحيحها وأهمها سعر الصرف التأشيري كما سيأتي لاحقاً.

ومن فوائد هذا التدخل المباشرة، أنه كشف عن ضآلة حجم الطلب الحقيقي على النقد الأجنبي، ويأتي ذلك من خلال التدقيق في حجم الطلب المقدم من البنوك والذي بلغ 8,775,000 دولار مقارنة بحجم العرض الذي قدمه البنك المركزي اليمني في المزاد والبالغ 15,000,000 دولار.

لقد وقع البنك المركزي اليمني في خطأ كبير من حيث لا يدري عندما اتخذ سعر صرف تأشيري غير ملزم، يتغير صعودا وهبوطا بناء على سعر الصرف الفعلي في السوق الموازية، لقد ترك أمر تحديد هذا المؤشر للسوق تماماً، وطالما وأن تدخل البنك المركزي محدود مقارنة بالعرض والكتلة النقدية التي يمتلكها الطرف الأخر وعلى وجه الخصوص الصرافين والمضاربين بالعملة، فإن ترجيح الكفة ستكون لصالح الأخير، وبدلا من أن يجر مؤشر البنك المركزي سعر السوق إلى الهبوط، سيحدث العكس أي أن يجر سعر السوق مؤشر البنك المركزي إلى الصعود وهو ما حدث بالفعل.

ان تحديد سعر صرف تأشيري غير ملزم قد يؤدي إلى صعود أسعار الصرف للمعلات الأجنبية إلى أرقام فلكية، وفي هذه الحالة ووفق السياسة التي اعتمدها البنك المركزي بتحديد السعر التأشيري فما على البنك المركزي اليمني إلا مجاراة سعر السوق، فإذا كان سعر الصرف يوم تنفيذ العملية في السوق 1470 ريال/ دولار وسعر البنك المركزي التأشيري في نفس اليوم 1461 ريال/ دولار، وقد ارتفع سعر الصرف في السوق اليوم إلى 1525 ريال/ دولار للبيع ما أدى إلى رفع البنك المركزي سعر الصرف التأشيري المعلن في موقعه على 1468 ريال/ دولار، ولنفرض مثلا أن سعر السوق خلال الأيام القادمة وقبل تنفيذ المزاد الثاني قد ارتفع إلى 1600 ريال/دولار ووفقا لسياسة البنك المركزي الحالية فهذا يعني أن السعر التأشيري سيكون مقاربا لهذا الرقم أي بحدود 1580،  مما يعني أن سعر الصرف لمزاد البنك المركزي 1530 أي بناقص 50 ريال عن السعر التأشيري، وهكذا سيضل سعر السوق هو المحدد لأسعار البنك المركزي اليمني سواء سعر الصرف التأشيري أو سعر المزاد، وفي هذه الحالة فإن هدف البنك المركزي اليمني بالسيطرة على سعر الصرف وتعزيز قيمة الريال اليمني لن يتحقق.

ومن أجل تحقيق أهداف البنك المركزي يتوجب عليه وبالتشاور مع الحكومة أن يعتمد على سعر صرف تأشيري ملزم ينساب بشكل تدريجي هبوطاً إلى السعر التوازني، مع السماح بنسبة معينة من المبلغ زيادة أو نقصاناً، وتحديد هامش الربح أيضا كنسبة من سعر الصرف التأشيري المعلن، على أن يلتزم بذلك كافة المتعاملين في السوق.

وكمثال على ذلك يعلن البنك المركزي في موقعه عن السعر التأشيري ويلزم كافة البنوك والصرافين والمتعاملين في سوق الصرف بهذا السعر، ويسمح بتجاوز 2% من السعر التأشيري زيادة أو نقصاناً، كما يحدد نسبة لا تتجاوز 0.5% (نصف بالمائة) كربح للصراف أو البنك، أي الفارق بين البيع والشراء، وإذا ما بدأ البنك المركزي بتنفيذ هذه السياسة من يوم غدا (كمثال) وكان سعر الصرف التأشيري مثلا 1450 ريال/ دولار ستكون الأسعار الملزمة في السوق بحدود 1421 – 1479، ثم يقوم البنك المركزي بتخطيط دقيق بتخفيض هذه السعر بشكل تدريجي، بحيث تأتي يوم الثلاثاء القادم وهو يوم عرض المزاد الثاني، وسعر الصرف التأشيري مثلا 1400 ريال/ دولار، ووفقا لهذا السعر سيحدد أدنى سعر للمزاد 1350، ولنفرض أن سعر المزاد تحدد بـ 1370 ريال/ دولار، يتوجب على البنك اتخاذه كسعر تأشيري ملزم جديد، وهكذا تعاد العملية بحيث يجر السوق إلى السعر التوازني أو السعر الذي يرغب البنك المركزي فيه ويكون قادرا على الدفاع عنه، ويتم ذلك بهدوء وانسيابية تامة حتى لا يحدث ارباك واهتزاز لسوق الصرف.

إن استخدام البنك المركزي لهذه السياسة ستغير في اتجاه سعر الصرف بشكل ديناميكي إلى الهبوط نتيجة توقعات المتعاملين أن البنك المركزي عازم على تخفيض سعر الصرف، مما يجعلهم يتخذون قرار للتخلص من المخزون الذي لديهم من العملات الأجنبية قبل أن يهبط سعر الصرف التأشيري الملزم، مما يسهم في زيادة العرض النقدي منها، وهذا بالطبع يؤدي إلى تخفيض سعرها أمام الريال اليمني.

إن هذه السياسة تتطلب رقابة صارمة وتنسيق أمني دقيق والتنسيق مع كافة المكونات في المناطق المحررة وفي كافة المحافظات، إضافة إلى ذلك قد يتم تفعيل أدوات أخرى بالتوازي من شأنها أن تعمل على سحب النقد بالعملة المحلية المكدس لدى الصرافين نتيجة بيعهم للعملات الأجنبية مثل أدوات الدين العام، ومنع الصرافين من فتح حسابات أو قبول أي ودائع والذي يعد من الأعمال البنكية الممنوعة على الصرافين.

إن من أهم الأخطاء التي يقع فيها البنك المركزي اليمني دائماً هو تنفيذ أدواته واجراءاته تواليا، والتركيز على اجراء واحد في لحظة ما دون بقية الإجراءات والادوات، وقد يعزو ذلك إلى عدم اكتمال البناء المؤسسي للبنك المركزي اليمني حتى اللحظة، لذلك يتوجب الأمر رفع قدرات البنك المركزي حتى يستطيع أن يرسم وينفذ ويراقب سياساته وأدواته النقدية والرقابية بالتوازي دون التفريط في أي منها، وفي المقابل يجب التنسيق مع الحكومة وأجهزتها التنفيذية والتكامل فيما بينهما من أجل تحقيق هدف مشترك وهو استقرار الأسعار، والقضاء على المضاربين بالعملة، واعداد مصفوفة مزمنة من الحلول والمعالجات المالية والنقدية والأمنية والقضائية تفعل بالتوازي وفق الأولويات.

خلاصة القول، إن تدخل البنك المركزي في سوق الصرف بائعا للنقد الأجنبي عن طريق منصات إلكترونية قد حقق بعض الأهداف الاستراتيجية للبنك المركزي أهمها اعتماد تجربة جديدة قائمة على الشفافية والاستدامة، وإشراك خبراء بمباركة صندوق النقد الدولي، وبما أن هذا التدخل لازال في بدايته، فمن الطبيعي أن يرافقه بعض الانتقادات، ومن المؤكد أن إدارة البنك تراقب بحذر تنفيذ هذه السياسة، وتعمل على تلافي أخطاء التقديرات التي رافقت التنفيذ حتى اللحظة، وأهمها مراجعة سعر الصرف التأشيري المعتمد، بحيث يكون ملزم مع السماح بتجاوز لا يتعدى 2% من السعر زيادة ونقصاناً، وتحديد هامش الربح بما لا يزيد عن نصف في المائة من السعر التأشيري، وإلزام كافة المتعاملين في سوق الصرف بهذا السعر ووضع عقوبات صارمة للمخالفين وان اقتضى الأمر المصادرة والتأميم.

كما إن العشوائية في تنفيذ السياسات الاقتصادية سواء المالية والنقدية قد لا تؤدي إلى نتائج جيدة، لذلك يفترض على الحكومة وبنكها المركزي الاعتماد على التخطيط والتنبؤ الاستراتيجي وتبني إدارة المخاطر، وعدم الانتظار حتى استفحال الأزمة بحيث يصعب التحكم بها.

وأخيرا لا بد من التذكير أن من رفع سعر أسعار الصرف هي الاخبار السلبية التي يروج لها ويستغلها المضاربين، لذلك يفترض أن تعيد سعر الصرف إلى وضعه الطبيعي الاخبار الإيجابية وهي نصيحة أيضا للاقتصاديين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، نأمل أن يكونوا ايجابيين مع الاحداث خصوصا السياسات والإجراءات الأخيرة التي تبنتها الحكومة اليمنية الشرعية وبنكها المركزي.

وفيما يلي أمثلة افتراضية لكيفية اختيار سعر الصرف للمزادات التي يعلن عنها البنك المركزي وآلية تخصيص مبلغ المزاد على العطاءات المقدمة: