آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-03:25م

هذا هو المسار الصحيح أيها الغافلون ..

الأحد - 31 أكتوبر 2021 - الساعة 09:26 م

د. عوض احمد العلقمي
بقلم: د. عوض احمد العلقمي
- ارشيف الكاتب


عرفت العرب منذ الأزمان الغابرة برثائها العظماء والحكماء عندما يرحلون عن الدنيا لأن رحيلهم يتسبب أحيانا في خلق فجوات كبيرة ربما لايستطيع سدها من يحل محلهم ، وفي أحايين أخرى يتسبب الرحيل في تمزيق الأتباع وضياعهم لاسيما بعد مغادرة الكبار والحكماء ، ومن تلك الأمثلة رحيل رجل الأعمال مدير تعاونية الشط الاستهلاكية عبده هزاع المشولي الصبيحي وكذلك رحيل الشيخ عبد القوي محمد شاهر المنصوري الصبيحي وماوصل إليه الحال بعد رحيله  !!!!!!! 
أما في حياة أولئك الحكماء والعظماء فإن العرب قد دأبت على مدحهم ، ولافرق بين المدح والرثاء إلا أن الأول يقال في حياة الرجل والأخير بعد مماته ....

ولو كنت أعلم أن حكيمنا المرحوم عبد الرزاق المجيدي ممن يتقبلون المديح أو يستسيغونه لمدحته وهو حي يرزق لأنني أعرفه جيدا وأعلم بعضا من مناقبه فضلا عن إعجابي بشخصيته الهادئة المحبة ؛ التي لاتعرف الكره ، ولاتختزن الأحقاد ، ولاتعمد إلى ردود الأفعال ، بل تقابل السيئة بالحسنة ، واللؤم بالبراءة ، والغضب بالابتسامة ، والضغينة بالمحبة ، والانتقام بالعفو ، والظلم بالتسامح ، والحمق بالحلم ، والعجلة بالصبر ... أما وقد رحل عنا  وبخاصة في مثل هذا الظرف العصيب التي تمر به البلاد ، فقد أصبح من الواجب أن أرثيه بشيء مما أعلمه ورأيته من محاسنه وحسن أخلاقه وأفعاله ، وبحسب قدراتي المتواضعة ...

لقد عمل فقيدنا الحكيم مديرا عاما لأكثر من مديرية في وطننا الغالي ، كانت تهرع إليه المناصب الحكومية مع زهده فيها ، بل كانت تخطب وده في الوقت الذي لاتجده يبذل شيئا من الجهد الفكري أو البدني للوصول إليها ، وفي أثناء عمله في تلك المؤسسات الحكومية لم نسمع عنه أنه قد تقاضى شيئا من المال مقابل تسهيل أمر لأحد المتقاضين لديه أو الماثلين أمام عدالته ، كان منهجه الإصلاح بين الناس وإطفاء الفتن والابتعاد عن الشبهات ، ونشر المحبة والسلام بين الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، أحب وطنه ولم يغادره منذ نعومة أظفاره إلى أن رحل عنا ، حتى إذا مامرض وطلب منه أن يسافر للعلاج في الخارج ، كان يرفض الخروج ويصر على التداوي في الداخل وإن  كان مرضه يستوجب السفر ، وأنا شاهد على ذلك إذ كلفني أخوه محافظ لحج الأسبق أحمد عبد الله مجيد عندما التقيته في قاهرة المعز بأن أقنعه بالسفر للعلاج إذ كان يمر بوعكة صحية خطيرة ، إلا أنه أبى وفضل البقاء في وطنه مع تدهور صحته ...

وبعد أن حطت رحالها حرب صيف 1994م ، تم تسريحه من إدارة مديرية طور الباحة ، لكنه لم يذهب لطرق أبواب المسؤولين الجدد أو يكلف نفسه الوقوف على أبواب مراكز القرار لاستجداء العودة إلى موقعه أو التعويض بترتيب وضعه في مكان آخر ، بل توجه إلى منزله في قرية القاضي واستحدث غرفة تحتضن سقيفة أمامها لاستراحة المسافرين وعابري السبيل من شرق البلاد إلى غربها والعكس ، وغرفة ثانية يبيع فيها أبناؤه شيئا زهيدا من المواد الغذائية والاستهلاكية، وأخرى ثالثة جعلها فرنا لإنتاج قوالب الرغيف ( الروتي وشيئا من الكعك ) يعمل فيها بنفسه ، وظل يأكل من عرق جبينه ويؤكل أطفاله فضلا عن توفير ثلاث وجبات مجانية يوميا ( إفطار وغذاء وعشاء ) للمسافرين وعابري السبيل ذهابا وإيابا فضلا عن المتكإ ومياه الشرب لاستراحتهم ، وأنا واحد ممن اقتات من مائدته وارتوى من مياهه وحظي بمتكإ في شرف استراحته ...

رحم الله عظيمنا وحكيمنا عبد الرزاق المجيدي وأسكنه الفردوس الأعلى في الجنة ، وألهمنا وأولاده وأهله ومحبيه الاقتداء به والسير على خطاه والاحتذاء بمنهجه وسلوكه ... إنا لله وإنا إليه راجعون ....