آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-02:10ص

عبهلة العنسي: قيلٌ يماني مرموق

الإثنين - 18 أكتوبر 2021 - الساعة 11:03 م

موسى عبدالله قاسم
بقلم: موسى عبدالله قاسم
- ارشيف الكاتب


من السذاجة بمكان النظر إلى ثورة ذي المهلة القومية، التي اندلعت عام 631م، على أنها ثورة قامت ضد الزكاة المفروضة مع مجيء الاسلام، والتي كانت جديدة على مجتمعات الجزيرة العربية، وتجريدها -الثورة- من جوهرها وبُعدها السياسي القومي، وهدفها الرامي لاستعادة حكم إقليم اليمن التاريخي وتخليصه من أيدي الاحتلال الفارسي، وتسنّم أقيال اليمن حكم بلدهم واستعادة مجدهم كما فعل أقيال اليمن عبر التاريخ.

ثورة الـ 17 من ذي المهلة، 30 من نوفمبر، كانت ثورة يمنية خالصة، وحدوية المُنطلق قومية الهدف، ضمت في صفوفها كل أقيال اليمن البارزين وقتذاك، من تثليث عسير إلى نجران فالجوف وحضرموت ومأرب وتهامة وأغلب القبائل والمناطق اليمنية.

هذا الالتفاف الشعبي حول الثورة دليل قطعي على واحدية اليمن أرضاً وإنساناً ومصيراً مشتركاً، وبنفس الوقت بُرهاناً يُلجم كل من يدّعي انسلاخه عن الهوية اليمنية سيما وأن كبير أقيال حضرموت ونجل ملكها الأشعث بن قيس الكندي كان من أهم أعضاء مجلس قيادة الثورة الذو مُهلية.

لذلك، لم تأتِ الثورة كردة فعل آنية كما روّج له أعداء اليمن، وكما أُرِيد لها أن تكون، وهو الأمر الذي تم التركيز عليه من قبل المؤرخين المتعصبين بحصرها في ادِّعاء رفض الزكاة وبالتالي تطويقها بتهمة الرِدّة، استناداً إلى مقولة يتيمة منسوبة لأحد قادة الثورة، القيل عبهلة العنسي، القائل (أيها المتوردون علينا ..إلخ)، والتي تم تخليدها في كتب التاريخ لغرض النيل من جوهر الثورة وأهدافها القومية.

حتى وإن كان مطلب الثوار وقتها موْطَنة الزكاة من ضمن المطالب الحقيقة لها، لكنه قطعاً لم يكن الدافع الأول للثورة كما تم ترسيخه في الوجدان الشعبي، إضافة إلى اختزال الثورة وربطها بالقائد السياسي عبهلة العنسي، حتى اليوم، وبالتالي إماتتها ومحو أثرها بمقتله!!

من المعلوم تأريخياً أيضاً، أن لثورة ذي المهلة مقدماتها التاريخية المنطقية، ومن تلك المقدمات معركة "الرزم" التي وقعت في الجوف وتم إجلاء قبائل مذحج منها من قبل المحتل الفارسي الداعم لبعض القبائل، وهو الأمر الذي حمله المنكسرين يوم "الرزم" في نفوسهم، ومنهم عضو مجلس قيادة ثورة ذي المهلة والقائد العسكري لها القيل قيس بن مكشوح المرادي والقائد السياسي للثورة القيل عبهلة بن غوث العنسي، وهنا يذكر المؤرخ محمد الفرح أن مقولة "أيها المتوردون ..." قِيلت للفُرس يوم وقعة الرزم الشهيرة.

ولعل مؤرخ اليمن الكبير العلامة محمد بن علي الأكوع، الذي تعمّر قرابة قرن من الزمن، كان من أدق المؤرخين الذين عرّجوا في كتاباتهم على تلك الوقائع، شخوصاً وأحداثاً، إذ وصف عبهلة العنسي بأنه كان قيل يماني مرموق، وهنا سأطرح ما كتبه عن ذلك التاريخ لتبيين الحقيقة وإزالة اللغط، إذ يقول رحمه الله:

"كان الأسود العنسي المُلقب بعبْهلة أحد أقيال اليمن المرموق إليهم والمتطلعين للمُلك والسلطان، فلما أوشك أن يخرج من يده ثار من وادي خب أعلى الجوف ودخل نجران، ثم دخل صنعاء فـــاتــحــاً ووضــع السيــف في الأبـــنـــاء، وبعثَ البعوث وعقد البنود وطبقت اليمن طاعته."

ويقول عن تُهمة الردّة إن "الرّدة التي نُسبت إلى بعض قبائل اليمن ليست نكوصاً عن الإسلام أو رجوعاً إلى 'الجاهلية' وإلى عرجونهم القديم، بل كانوا ثابتين على إسلامهم، وإنما هي ثورة على الأوضاع ولأسباب ولّدتها الظروف وكما يحدث عادة بعد كل حادث عظيم."

الخلاصة، تلك أحداث مضت ولن تعود، وما يهمنا اليوم هو تخليص اليمن من بين فكي المتوردين الغزاة، فُرساً وهواشم، وإعادة الاعتبار لتضحيات الثوار اليمنيين -عبر الزمن- الذين سقوا اليمن دماً وعرقاً من أجل الحرية والكرامة، وفرّط بتلك التضحيات الجسيمة الجميع كل الجميع، دون استثناء لأحد، وها هي الهاشمية الإرهابية تُشهر الزكاة وبهرجات المولد النبي في وجه اليمنيين كسيف جباية ولصوصية، وكل ممتنع عنها كافر بالله كما درجت على وصم أحرار اليمن وثائريها منذ توردها إلى اليمن.