آخر تحديث :الأربعاء-27 نوفمبر 2024-12:56م

رحلتي في طريق التوبة

الأحد - 17 أكتوبر 2021 - الساعة 06:43 م
حسين الشيبة ناصر

بقلم: حسين الشيبة ناصر
- ارشيف الكاتب


في ليلة شتوية باردة وهادئة كانت من أجمل ليال عمري كنت جالسا" على شاطئ البحر العربي في ميناء نشطون ببلاد المهرة ويبعد بضعة كيلو مترات جنوبا" عن مدينة الغيضة سكنت في منزل جميل في المدينة السكنية لعمال الميناء كنت حينها أعزبا" وفي ريعان شبابي وموظفا" حكوميا" هناك ..قررت في تلك الليلة التوقف عن تعاطي شراب الراح بعد سنوات مضت من عمري قضيت معظم لياليها في النوادي مع الأصدقاء وندماء السهرات الليلية في المدن والصحاري التي عشت فيهاو قفت مع نفسي في تلك الساعة أحاسبها وأعاتبها على السير في طريق اللهو والمجون والغواية كنت أعلم أنني أمشي في طريق الهاوية. رحت أشكو لربي وجع السنين ومرارة الضياع وآلام البحث في معترك الحياة عن السعادة التي كنت أحلم بها.

عدت في تلك الليلة إلى مسكني متعبا" وروحي تكاد تختنق من سموم الكآبة والقلق والهموم فلجأت إلى ربي لهجت بذكره واستغفرته كثيرا" شعرت بطمأنينة لم أعهدها في حياتي من قبل ونمت ورأيت في المنام أني كنت جالسا" مع مجموعة من أصحابي على هضبة صغيرة في بقعة صحراوية في ليلة مظلمة وأذا بنور عظيم فجأة أضاء وجه الأرض رفعت وجهي إلى السماء فرأيت كلمة( لا إله إلا الله محمد رسول الله)  تملئ الأفق مكتوبة بأحرف نورانية قد خطت بخط ديواني بديع كأنها كتبت بلون القمر على صفحة السماء وحينما دعوت أصحابي للنظر إليها استيقظت من نومي مندهشا" لما رأيته من روعة وجمال ذلك المنظر عرفت في قرارة نفسي أن تلك الرؤيا هداية لي من ربي فكانت بداية انطلاقتي مع قوافل التائبين وجعلتني أخطو خطوات ثقة وأمل نحو عالم روحاني لطالما هوت إليه النفوس المشتاقة وعشقته القلوب التي مرضت وكادت أن تموت فتعلق قلبي بعد ذلك بالصلاة وبيوت الله.. مضت سنوات أخرى مليئة بالأحداث المؤلمة في حياتي رحلت بعد ذلك للعمل في مدينة المكلا بحضرموت سكنت وأسرتي بمنزل بالقرب من حصن الغويزي التاريخي وبينما كانت نفسي في صراع محتدم مع الأهواء والدنيا والشهوات وتموج مابين القرب من الله والبعد عنه أحيانا" أخرى رأيت رؤيا ثانية أني كنت جالسا" بالقرب من أناس يقفون بشكل دائري حول رجل كان واقفا" على منبر يتوسطهم ويتحدث إليهم. مشيت نحوهم ودنوت منهم حتى وقفت بينهم سمعت أحدهم ينادي بصوت جهوري مشيرا" بيده نحو ذلك الرجل قائلا": يارسول الله!! فانتبهت وألتفت إليه دققت في ملامح وجهه وعمامته كان رجلا" جميلا" ومستنيرا" كوجه القمر وقلت متعجبا": سبحان الله!! هذا رسول الله ?!! لا إله إلا الله محمد رسول الله تتابعت نظراتي تأملت في تقاسيم وجهه حتى كبرت صورته في حدقات عيني شعرت بلذة لا تستطيع الكلمات التعبير عنها ولا يستطيع أن يصفها لسان نهضت من نومي فرحا" لرؤيته وعندما قرأت ذات مرة كتابا" عن سيرته العطرة صار لذكره حلاوة في لساني وللصلاة عليه سعادة لقلبي فأحببته وسألت نفسي مرارا" وستظل تتكرر تلك الأسئلة ما بقيت لنا في الحياة من أنفاس. كيف لا نحب إنسانا" ونشتاق إليه أذا كان من أعدل الناس وأعفهم وأصدقهم لهجة وأعظمهم أمانة?!! كيف لا نحب إنسانا" أشد الناس تواضعا"  وأبعدهم عن الكبر واوفاهم بالعهود وأوصلهم للرحم وأعظمهم شفقة ورحمة وأحسنهم عشرة وأدبا" وأبسطهم خلقا" وأبعدهم عن الفحش والتفحش واللعن ?!! كيف لا نحب إنسانا" عرق جسده وأعضائه أطيب من كل طيب واذا صافح الرجل يظل يومه يجد ريحها واذا وضع يده على رأس الصبي يعرف من بين الصبيان بريحها?!! كيف لا نحب إنسانا" من أحسن الناس ثغرا"  براق الثنايا أذا تبسم تبدو أسنانه كأنها حب الغمام واذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ?!! أذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل يشهد الجنائز ويجالس الفقراء والمساكين. كيف لا نحب إنسانا" أكثر الناس تبسما" وأبعد الناس غضبا" وأسرعهم رضاء كان دائم البشر سهل الخلق ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق كان أجود الناس وأكرمهم وأشجعهم وأصبرهم وأوقرهم وأشدهم حياء أشرف خلق الله بعثه الله رحمة للعالمين فصلوات الله على نبينا وسيدنا وشفيعنا محمد رسول الله وعلى آلة وصحبه عدد ماذكره الذاكرون وصلى عليه المصلون صلاة دائمة إلى يوم الدين وسلم تسليما" كثيرا.

حسين الشيبة ناصر

مقتطف من ذكرياتي.