آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-04:13م

سلسلة "بين العبقرية والجنون شعره" (2) .. معايير العباقرة تختلف عن غيرها

الأربعاء - 06 أكتوبر 2021 - الساعة 06:02 م

عبدالحكيم الجابري
بقلم: عبدالحكيم الجابري
- ارشيف الكاتب


العباقرة هم من رزقهم الله بملكات ابداعية تفوق غيرهم من الناس العاديين، وليس شرطا ان يصاحب هذه الابداعات جنون.
فكم من مبدع سوي، بل ان أكثر مايتسم به هو التزام النظام وصقل الموهبة بما يفيد وبما يزيد من ابداعه، امثال نجيب محفوظ ومحمد عبدالوهاب، وعباس محمود العقاد الذي لم يحصل على الابتدائية وأثبت عبقريته، والذي كان المؤلف الواحد من مؤلفاته قريبا الى رسالة دكتوراه، وكذلك الدكتور زكي مبارك والدكتور زكي نجيب محمود الذي كان علامة بارزة في التميز والذكاء الخارق. 
لكن ارتبطت العبقرية في بعض الأحيان في اذهان الناس ببعض التصرفات غير السوية أو بالجنون كما يشاع، وهذا قد يحدث بالفعل اذ ان كثير من الأبحاث التي أجريت تشير الى ان هناك علاقة بين الاستعداد الوراثي للجنون والعبقرية، فالمرض النفسي والعبقرية متقاربان، ومن هنا أطلق المثل القائل "بين العبقرية والجنون شعره".

وقد سجل المهتمون ان ثمة علاقة فعلية بين الجنون والعبقرية، فاكتشفوا ان العائلات التي تكثر فيها الأمراض النفسية، وبالذات الفصام والاكتئاب وجدوا فيها أناسا متميزين لدرجة العبقرية.

مايتردد عن بعض التصرفات الغريبة التي يأتي بها المبدع خارقة للعادة، فان الابداع في حد ذاته نوع من التفكير المطلق الحر غير المقيد والخيالي أحيانا، والذي يعزز نتيجته بما ينفع الناس ويترك بصمات مهمة عليهم، وليست قاعدة ان نجد العبقري هو ذلك الانسان الضائع في مظهره وتفكيره وأن يأتي بالتصرفات الغريبة.

يجب ألا يقاس العباقرة بمعايير الأشخاص العاديين، هناك فرع من علم النفس خاص بهذه الفئة يدرسهم وحدهم باعتبارهم فئة ذات مواصفات خاصة.
والعباقرة في كل فروع العلم والفن والأدب لهم منطقهم الخاص، وليس معنى ذلك انهم مجانين، فاسحاق نيوتن مثلا كان كثير الشرود، ومن المعروف انه كتب ذات مرة حل مسألة حسابية على ظهر عربة يجرها حصان معتقدا انه يكتب على السبورة في بيته، وهذا لا يعني انه ليس عالما، لكنه الاستغراق في التفكير الذي قد يجعله ينسى انه يسير في الشارع.
لو نظرنا الى تصرفات العباقرة وبشكل أعمق، لوجدنا انها دليل على الاستواء النفسي وليس على الجنون، والمشكلة هي ان الناس تريد أن تقيس كل شئ بالمقياس العادي، ولو كانوا هؤلاء المبدعون أناسا عاديين لما قدموا لنا ابداعا.