آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-01:48ص

المدرسة "الشحرورية" فقاعة فكرية لأهداف سياسية مصيرها الزوال

السبت - 02 أكتوبر 2021 - الساعة 11:00 م

عبدالحكيم الجابري
بقلم: عبدالحكيم الجابري
- ارشيف الكاتب


شهد التاريخ الاسلامي في مراحله المختلفة بروز ظواهر فكرية عديدة، اختلفت في قوتها ومستوياتها ومدى استمراريتها من مرحلة لأخرى، ولكنها اجمالا كانت تجتمع حول اثارة اللغط والتشويه للشريعة الاسلامية، وارتقت في مراحل لاحقة الى مستوى اثارة الشبهات والتشكيك في ماهو معلوم من الدين بالضرورة.
تمثلت هذه الظواهر بداية في الخلافات حول فتوى منحرفة أو رأي غريب في القرآن، وفي مراحل أخرى أخذت هذه الفقاعات الفكرية أنماطا متغيرة، وركز رموزها على اثارة الشبهات حول الأحكام العامة للشريعة، ووجهوا سهامهم الى قضايا أكثر عمقا من ذي قبل، كتعدد الزوجات وحرية الرأي والجزية على غير المسلمين، وغيرها من القضايا العامة، ورغم ذلك الا انها كانت في دوائر محدودة وعلى مستوى النخب، ولم تصطبغ بصبغات سياسية.

في عصرنا الراهن أخذت هذه الظاهرة، أو الفقاعات الفكرية طابع آخر بل وأكثر خطورة من ذي قبل، كونها جائت على خلفيات سياسية وما الفكر الا أداتها في التنفيذ، وسُخّرت لها كثير من الامكانيات المادية والاعلامية والسياسية، وتحظى برعاية ودعم كبيرين من دول ومنظمات، ولأن الظاهرة الفكرية الجديدة هي تلبية لاستراتيجيات رسمتها منظمات ومراكز، أبرزها وأهمها مركز "تراند" للدراسات الاستراتيجية، الذي يوصف بأنه العقل الفكري الأمريكي، الذي أجرى خلال سنوات طويلة عدد من الدراسات، التي تركزت على العالم الاسلامي وشعوبه، وخرج في عام 2011 بأخطر دراسة عنوانها "الاسلام المدني الديمقراطي" وهو مشروع يراد له أن يكون بديلا للاسلام المعروف والمتوارث عند المسلمين، الى جانب مركز ابن خلدون التابع لسعد الدين ابراهيم، الذي يحظى بدعم أمريكي منقطع النظير، عمل باستمرار على البحث في كيفية الدفع بكل مايؤدي الى ايجاد اختراقات في الوعي الاسلامي.

تكمن خطورة الظاهرة الفكرية الحالية، والتي من استراتيجياتها استهداف الأمة الاسلامية في دينها وحقوقها، بأنها غيرت من طرقها ووسائلها القديمة،  واعتمدت من أجل ذلك أساليب ثلاثة، هي: المنهج - الأدوات - ملئ الفراغ.
فعلى صعيد المنهج يتم العمل على تلويث المنابع، بمعنى اختيار أشخاص مهمتهم هدم الدين من داخله، من خلال القرآن الكريم بتحريف معانيه، والسنة النبوية المطهرة من خلال نبذها والتشكيك في صحتها، وأيضا في أصول الأحكام من حلال وحرام من خلال اصدار الفتاوى الشاذه.
أما على صعيد الأدوات فهي تتم عبر ثلاث خطوات، أولها الحرب على المؤسسات الدينية والمدارس الدعوية وتشويهها، حتى المدارس الدعوية التي لا علاقة لها بالسياسة ولا بأمور التنافس في الشؤن العامة لم تسلم هي أيضا من هذه الحرب القذرة، والخطوة الثانية بالعمل على اسقاط الرموز الدعوية، من خلال الاقصاء والتحجيم والتكبيل وأحيانا من خلال الاغراء، والخطوة الثالثة في الأدوات تتمثل في احتواء وتهميش الافتاءات الحكومية الرسمية والأهلية، ولم تسلم من ذلك المؤسسات العلمية الكبرى كالأزهر والقيروان وغيرهما من صروح العلم المؤتمنة، وتشويه هذه المؤسسات من خلال ارسال اشارات للتشويش على قناعات عامة المسلمين وهز ثقتهم بهذه المؤسسات، بتصويرها لهم بأنها أدوات بيد السلطات الحاكمة، أو انها مؤسسات مدجنة وفاقدة للفاعلية.
وكنتيجة حتمية فان هذه الادوات وبخطواتها الثلاث سيُخلق فراغ دعوي في الساحة الاسلامية، وهنا يأتي الاسلوب الثالث الذي هو املاء هذا الفراغ، ويتم ذلك من خلال انتقاء شخصيات لديها امكانيات خاصة، مثل اتقان فن الحديث والخطابة والتلاعب بالألفاظ والمعلومات، والملاحظ ان أغلب ان لم نقل كل من تم اختيارهم لهذه المهمة، هم ممن يحملون أسماء لها وقع ومكانة في نفوس المسلمين، لأنها اسماء أنبياء كمحمد وأحمد وابراهيم يوسف وغيرها، اضافة الى الألقاب والمسميات الدينية التي قُدمت لأسمائهم، مثل الداعية والشيخ والفقيه والمفكر وغيرها من الألقاب، ويبقى السوري محمد شحرور المتوفى في مدينة أبوظبي بدولة الامارات العربية المتحدة، في شهر ديسمبر عام 2019، الرمز الأول والأبرز للظاهرة الفكرية الجديدة، وأغلب عناصر هذه الظاهرة لايعدون عن كونهم مجرد تلاميذ المدرسة الشحرورية.

وللتأكيد على ان هذه الظاهرة الفكرية الجديدة، المتمثلة في المدرسة الشحرورية، ماهي الا تنفيذ لخطط سياسية باستخدام أدوات فكرية، هو انها جائت مقترنة بمرحلة الشرق الأوسط الجديد، وفي بعد اقليمي مدرك ومعلوم للجميع، مهمتها الاسراع في مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتغييب الوعي الاسلامي، وكسر كل مايعطي أمتنا سندا في المناعة والمقاومة، والأصالة والوحدة الجماعية، في مواقفها السياسية المصيرية، في القضايا العقائدية والحقوق المتعلقة بالأرض والعرض، وفي مقدمتها قضية فلسطين.
رغم كل شئ، فانه مثل ماشهد تأريخ أمتنا ظواهر شحرورية سابقة، ستأتي أيضا ظواهر شحرورية أخرى، وستنتهي أخراها الى ما انتهت اليه أولاها، ماهي الا فقاعات لا تقوى على الصمود تحت حرارة شمس دين الله عز وجل، وستظل راية الحق عالية خفاقة ومنتصرة بارادة المولى عز وجل.