آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-04:53م

إدارة الهويات في اليمن

الأربعاء - 29 سبتمبر 2021 - الساعة 04:56 م

د. عارف الكلدي
بقلم: د. عارف الكلدي
- ارشيف الكاتب


عرّف المفكر العربي المسيحي العلماني أمين معلوف في كتابه (الهويات القاتلة) الهوية بأنها: إحساس عاطفي بالانتماء العميق إلى مجال مشترك.

وعلى هذا فالهوية ليست واحدة وإنما متعددة وتراتبية، فهناك الهوية الدينية، والهوية القومية والهوية الوطنية والهوية القبلية والعشائرية إلى أن نصل إلى الهوية الشخصية.

والهوية أيضا سياقية، أي أن السياق وبؤرة الصراع هي التي تبرز هوية من هذه الهويات التراتبية وتضمر الهويات الأخرى.

مثلا إذا كان هناك صراع بين عشيرتين صغيرتين في منطقة ما فإن الهوية تبرز بصورتها العشائرية الضيقة ويختزل أصحاب هذه الهويات الضيقة العالم كله في هوياتهم الصغيرة المتصارعة، وتضمر عندهم بقية الهويات.
وقد تتسع هذه الهويات حتى تدخل فيها شعوب وأمم  مثل الهوية الدينية التي هي أقوى الهويات على الإطلاق.

وسجل معلوف شهادة للتاريخ أن الهوية الإسلامية ببعدها الانساني هي أفضل الهويات الدينية من جهة التسامح مع الآخر، وتحدث في هذا السياق عن بقائهم في الشام نصارى طوال هذا الزمان دون أن يلزمهم الإسلام بتغيير دينهم، وتخيل معلوف لو أن الذين سيطروا على الشام من ديانة أخرى ماذا كان سيحدث؟ فأجاب بما حدث للمسلمين في الأندلس  من القهر والقتل ومحاكم التفتيش والتعميد بقوة السلاح من النصارى.

إضافة الى ما قال معلوف أقول إن الهوية الاسلامية هي في جوهرها هوية إنسانية في مقابل هويات أخرى، هي الهوية الشيطانية والهوية الوحشية والهويةالبهيمية.
كما أن الهوية الإسلامية لا تلغي الهويات الأخرى داخلها، مثل الهوية القومية والقبلية ولكنها تضبطها بصابط الإنسانية (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (كلكم لآدم وآدم من تراب) وخلاصة تعامل الإسلام مع هذه الهويات هو محاربة الجاهلية العنصرية داخلها، حتى وإن مورست باسم المهاجرين والأنصار.

عودة إلى معلوف فقد دعا إلى إدارة الهويات إدارة رشيدة، وفي هذا السياق انتقد اتجاهين:
الاتجاه الأول الذي يعتمد هوية واحدة، ويطمس بقية الهويات، ولا يعطيها أي مجال للتنفس.
والاتجاه الآخر الذي يدعو إلى إلغاء كل الهويات في سياسة عدمية.

ودعا إلى إبراز المرتبة من مراتب الهوية التي تعزز التعايش السلمي، وهي الهوية التي تجمع ولا تفرق،  وضُرب في مجلس على اليوتيوب اسمه (أفكار وأسمار) كان يناقش هذا الكتاب مثالا بلبنان والمغرب، ففي لبنان توجد هويات دينية كثيرة، إن أرادت إحدى هذه الهويات القضاء على الهويات الأخرى فهذا لا يمكن، ولهذا تقتضي حكمة الحفاظ على الوطن التركيز على الهوية المشتركة بين هذه الطوائف، وهي العروبة، بعكس المغرب حيث توجد الهوية العربية والهوية الأمازيغية فإن الحكمة تقتضي هناك إبراز الهوية المشتركة وهي الإسلام.
وفي مجتمع المدينة في أول الهجرة وضع النبي صلى الله عليه وسلم وثيقة (دستور) للتعايش السلمي بين المسلمين واليهود باعتبار مجتمع المدينة هوية واحدة، ولولا أن اليهود نقضوا الميثاق لظل عهدهم كما هو. 

الهويات في اليمن:

الهوية المشتركة في اليمن تتمثل في ثلاثة عناصر، وهي: الإسلام ثم العروبة ثم الوطن.

والمختلف كثير مثل الهويات القبلية: همداني حميري مذحجي كندي، قحطاني عدناني، مهاجر.

ومثل الهويات المناطقية: شمالي جنوبي، تهامي تعزي مأربي صنعاني ذماري عدني يافعي ضالعي ردفاني أبيني حضرمي...إلخ.

ومثل الهويات المذهبية: زيدي شافعي صوفي سلفي.

وهويات من التاريخ القريب: يافعي فضلي عوذلي حوشبي عبدلي عولقي...إلخ.

وهكذا تتراتب الهويات إلى أن نصل الى الهوية  داخل العشيرة الواحدة وإلى الهوية الشخصية.

إدارة الهويات في اليمن:

إدارة هذه الهويات على نوعين:

النوع الأول: إدارة خبيثة:
تستثمر في المختلف وتقصي المشترك، وهي إدارة الاستعمار الأجنبي التي اعتمدتها بريطانيا عند احتلالها لعدن والتي عرفت بسياسة (فرِّق تسد) وتعتمد على إبراز الهويات القاتلة وتفريخها وتغذيتها بالسلاح والحقد، وتتهم اللجنة الرباعية التي تدير اليمن حاليا بأنها تحيي هذه السياسة. 
ومن هذه الإدارة الخبيثة إدارة النظام الكهنوتي الإمامي الذي أبرز في اليمن هويات جاهلية تقوم على تقسيم المجتمع إلى طبقات اجتماعية على أساس عنصري استعلائي.

والنوع الثاني: إدارة رشيدة:
تقوم على إبراز المشترك وهو الإسلام والعروبة والوطن، وتحت هذه الهويات المشتركة تعزز ثقافة التعايش السلمي بين الهويات الصغيرة تقوم على منع العدوان والتكبر والعنصرية والضم والإلحاق والتهميش والإقصاء والطمس.

الخاتمة:
إن دستور الجمهورية اليمنية ليس مشروعا شماليا ولا جنوبيا، وليس مشروعا زيديا ولا شافعيا، وإنما هو ثمرة نضال مرير وتجربة طويلة مليئة بالإنجازات والإخفاقات منذ أكثر من نصف قرن فيها سلبياتها وفيها إيجابياتها، والمطلوب هو تعزير الإيجابيات ومحاصرة السلبيات التي أبرزها عدم احترام النخبة الحاكمة للدستور، والتحايل عليه من قبل هويات صغيرة.
وأيضا من السلبيات اعتبار الدستور مقدسا لا يجوز تغييره فالدستور في الأخير هو مصلحة مشتركة يغير فيه بحسب مصلحة الأمة والتعايش السلمي بين مكوناتها وبرضاها تحت المشترك من هويتها.