آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-02:49م

افتتاح مبنى البيت التركي في نيويورك .. ومضة برق في سماء مظلمة ..

الأحد - 26 سبتمبر 2021 - الساعة 05:01 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


ربما قرأ وسمع الكثير منا عن افتتاح أردوغان للمبنى الضخم في نيويورك والذي سمي( بالبيت التركي ) على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي فمر على الخبر مرور الكرام .
ولكن في الحقيقة إن حدثا كهذا لم يكن حدثاً اعتيادياً أبداً ..ذلك إنه يؤسس لمرحلة جديدة من مراحل صراعه مع الماسونية العالمية , ويفتح فصلاً من فصول التاريخ يحرص أردوغان أن يسجل أحداثه بعناية فائقة  
وأن يدون على صفحاته مواقف أكثر تميزاً للمد التركي الإسلامي .

هكذا أراد أردوغان أن ينقل الصراع مع الماسونية العالمية إلى قعر دارها في نيويورك  وذلك بعد أن  قطع أذرعها في الداخل التركي من خلال  حادثة الانقلاب الشهيرة عام 2016م والمتمثل في عصابة فتح الله جولن ..حيث استطاع وبذكاء خارق وفي ليلة وضحاها أن يقضي على ذلك الورم الخبيث الذي كان ينهش جسد الأمة التركية لعقود طوال من الزمن  وأن يبخر أحلام وطموحات قادة الماسونية العالمية الأكثر انتشاراً والأدق تنظيماً والأعمق جذوراً على مستوى العالم .

وها هو اليوم يدشن أولى خطوات الصراع خارج تركيا وفي قلب أمريكا
ليعلن للعالم أن تركيا اليوم لاعب رئيس في السياسة العالمية ورقماً يصعب تجاوزه في أروقة صنع القرار الأممي .

تجلى ذلك بوضوح من خلال مراسيم افتتاح مبنى البيت التركي متعدد الأغراض والذي يضم مكاتب  البعثة الدائمة التركية لدى الأمم المتحدة وممثل جمهورية قبرص الشمالية  التركية ومقر شركات ومراكز تجارية 
يقع البيت التركي  مقابل مبنى الأمم المتحدة في نيويورك حيث يزهو بارتفاعه الشاهق والذي يصل إلى ( 171 ) متر وشيد على قطعة أرض تقدر بحوالي ( 20 ) الف متر مربع ويحتوي على ( 35) طابق تميزه اللمسات الإسلامية الأصيلة ويعكس مدى قوة تركيا المتصاعدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً .

وقد أشار أردوغان صراحة  خلال كلمة حفل الافتتاح إلى الأهمية الرمزية للبيت التركي والذي حرص على أن يتزامن افتتاحه مع أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك في إشارة منه إلى دور تركيا  في حلحلة بعض الملفات الدولية ودورها في إيواء ملايين المهجّرين والمشردين نتيجة الحروب ..وأوضح أن تركيا تتطلع إلى بناء نظام عالمي جديد 
أكثر عدلا وشمولاً وانفتاحاً ومتعدد الأقطاب والثقافات وذلك تحت شعار العالم أكثر من خمسة في لفتة منه إلى الدول الخمس المتحكمة في سياسة الأمم المتحدة ..بل والمعطلة لأداء دوراً فاعلاً لمنظمة يفترض فيها الوقوف إلى جانب  نصرة قضايا المظلومين والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم وحريتهم .

هكذا بدأ أردوغان حديثه بوضوح عن تطلعه إلى أن تلعب تركيا وحلفاؤها اليوم دوراً يمكنها من رسم السياسات الدولية والولوج إلى دهاليس منظمة الأمم المتحدة  وتعديل نظامها المجحف وبناء نظاماً جديداً يتوائم وتطلعات شعوب العالم التواقة للحرية والعدالة والعيش الكريم .

لقد استطاع أردوغان خلال فترة قصيرة أن يحقق لتركيا مكانة عالمية على مختلف الصعد وأن يبعث مجداً أضاعه أجداده لعشرات العقود وذلك بعد هيمنة استمرت لحوالي ستة قرون ..وأن يسمع العالم الأصم  الصوت الإسلامي المعتدل المتزن الوسطي .

وها هي ذي تركيا الإسلامية تشق طريقها بخطى ثابتة نحو المجد وتسابق الدول العظمى  في  مضمار الحياة السياسي والتنموي والاقتصادي والعسكري والإعلامي والثقافي .

فنحن اليوم إذاً على أعتاب أبواب مرحلة عالمية وليدة وتكتلات دولية جديدة  تتسابق دول عدة على حجز مقاعدها فيها ...

وفي خضم هذا الصراع تحرص تركيا أن تقود تكتلاً إسلامياً فريداً  يمثل المسلمين ويدافع عن قضاياهم ويعيد مجدهم ويحيي تاريخهم ويبنى حضارتهم .

ويبدو بالفعل أن أردوغان قد أضاء ومضة برق في بداية الطريق ترشد الحائرين وتوقظ النائمين وتجمع الشاردين وتنبه الغافلين لبدء سير المرحلة الجديدة .
ولكن أكثر ما يجز في النفس أن  أكثر العقبات صعوبة في طريق تحقيق هذه  الطموحات هي تلك القوى الطفيلية المتحكمة في مصائر الشعوب العربية والإسلامية  والذين يقتاتون على أوجاع المظلومين وصراخ الأرامل وتوجعات اليتامى والمحرومين.