آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-01:35م

وجع تهامي.. ووجون مالك!

الإثنين - 20 سبتمبر 2021 - الساعة 12:00 ص

ذي يزن الجهوري
بقلم: ذي يزن الجهوري
- ارشيف الكاتب



واحب أبيض تعبنا، ديمي من امصفر بالي.. وشل عقلي الذي أخضر، وحبه هنا وسط بالي.. أنا حت سبعة نجومو، ونجم الفلك بين ساري.. لاقمت شسري وشاطير، هلن جنحتي ومرياش.. انته قضاك املحية، وانا قضية بن عباس.. بكان ما اماي غالي، أربع بقش تمتلي مكاس.. ياجنية روحي لي، ممعاش فيدش هبيلي.. ديري كيا قابلي لي، ديري على بحر جابر، بزي امجدح واغرفيلي.
هذه مقدمة لأغنية تهامية لايتمكن من أداء إيقاعها إلا لسان تهامية أصيلة رطبة لينة رقيقة، ورثت رقتها جيل بعد جيل، ارتوت بماء الخوخة، ولاكت بلح قطابة وأبو زهر، ولهجت بأناشيد زبيد. كلمات تسرح وتمرح مع أمواج بحر تهامة لاتستطيع أن تميز بين الموج والكلمات مهما حاولت ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير. الحان لايمكن أن يستوعبها غير البحر، وليس أي بحر، بل ذلك البحر الذي يتذلل طوعا للتهامي كي يمتطيه على لوحا خشبيا ومجدافا من الخزف، لايسمح لغيره مطلقاً أن يبحر فيه بهذه الأدوات العتيقة الرقيقة.
شخصية التهامي التي كانت تملك كل شيء، البحر والخضرة والعلم والطيبة، ثم سلبها الغرباء كل شيء حتى الطيبة أرادوا مساومتها عليها، فهربت نجاة بها نحو ظل شجر السيسبان. كل همها من هذه الحياة غير السلام على ذلك الساحل الكريم كل صباح، والتغني بجانبه ليلاً على ضوء قمر تهامة، فوق كرسياً خشبياً فُرشته الحبال الخزفية وسعف النخيل.
غاروا من سعادتهم تجار البؤس والكئابة، حبسوهم جماعياً فانطربوا بالذكريات الخصبة، ويالها من ذكريات تلك الذكريات التي تجعل صاحبها يهتز ويرتجف ثم يطير من فوق اليابسة ويتجاوز ظهر العشرة من الجمال المرصوصة كأنها جبلاً منيف. يحلق ويطير وهو يحاكي طائر الجون الذي حظى بمديحٍ وافرٍ في شعر وأغاني تهامة دون غيره من الطيور.
غضب السجان من سعادتهم وإشراقة وجوههم فسجنهم فرادا وهو ينتظر الصباح ببهجة حتى يرى الكئابة والحزن في وجوههم. كان الصباح وكانت لحظة تجار البؤس للتشفي من دنائة صنيعهم على تلك الوجوه التي لايعرف البؤس لها سبيلا. وكالعادة كانت أوجاه التهاميون مشرقة مبتهجة، زاد شطط السجان وجن جنونه، فظل يراقب عن كثب لعله يرى من ذا الذي زار وسامر زنازينهم الانفرادية حتى أصبحوا بهذا الإشراق، فكان ذلك الزائر هو طائر الجون الذي الفهم والفوه، يميز التهامي من بين غيره من البشر والشجر والحجر، يشم رائحته، يعرف عرق جبهته.
لم يمل تجار البؤس ولم يألوا جهداً في محاربة السعادة والطيبة فقرروا قتلهم جميعا الواحد تلو الآخر وأمام الآخر كي يكسروا أرواح السعادة ويستشفي كائن البؤس الذين يبطنونه بداخلهم تقية كما هو منهجهم. أخذوهم وطرحوهم أرضاً، ومخذولاً بائساً يسمونه طبيبا يرسم بقلمه الذي عشق القتل دائرةً حول قلب ذلك التهامي الذي وجد أرضاً غير أرضه وأوجاهاً حوله تزغرد للموت طربا وجلاداً يمتطي ظهره ويوجه حديده وناره نحو تلك الدائرة. كان التهامي يلتفت يمنةً ويسرة، وهو يفتش عن أي مقارنة في المشهد بتهامة فلم يجد أي وجهاً للمقارنة، تربةً جافةً ليست كتربة تهامة الرطبة وأوجاهاً حاقدة كئيبة مخيفة شكّلها الشيطان حوله كحلقةً متوحشةً موحشةً هو في مركزها، كانت حلقةً مليئةً بالضجيج وأصواتاً غير مألوفةً ولا متناسقة مقطوعة الاوكسجين كأنها طقوس الزار، ليست تلك الحلقة كحلقات المخادر التهامية للأعراس أو رقصات النشوة التهامية في مزارع الجراحي وحيس ابتهاجاً بخيرية المواسم.
كل ذلك المشهد المخيف كان في ناحية وذلك الجندي المؤدلج الذي نفض تقيته في ناحيةٍ أخرى، وهو يدور في الحلقة ويراقب وجوه المحتلقين كي يكتشف أي علامة حزن أو ندم من هول المشهد كي يسوقه إلى دائرة الاشتباه كتلك المقاطع المدبلجة غير واضحة المعالم التي جعلت ثلةً تهاميةً مظلومةً تحت قدمي الجلاد الحاقد.
على تلك الدائرة التي خطها مجهولٌ حاقدٌ أفرغ جندياٌ مؤدلجٌ حاقدٍ جام غضبه وشهوته بأدوات حاقدة وتصاعد دخان الآلة، لم يتعرف عليه التهامي فهو ليس بدخان عيدان السيسبان ولاقصب الدخن أو لحاء النخيل. ابتسم التهامي من هول الدهشة ومر عليه لحظتها كل شريط الذكريات التهامية اللطيفة وهو يرى طائر الجون يرقص ويداعبه، ووجون مالك عندنا متيتيش، ووجون شبنيلك على امبيت عريش، عريش حق امحنقفة وام تبريش.. ووجون يانك غايبو لك مده، ووجون كنك ناسيو ام مودة.. ووجون اقيل اراقب امكواكب، وانا محاويلك على امكراكب، لا اتيت شازفك على مواكب.. ووجون بحرك في امهوى عكارو، فلتنا بينه وهو غزارو، سميت في امغالي ونشقت نارو. ثم لهج بالشهادة فصاح الحاقدون أوقفوه عن هذا الفعل أحذفوا مقاطع الصوت من الفيديوهات فالدين خاص بنا وبعشيرتنا وبأقربينا فقط.
كم كان غبياً ذلك الطبيب (مجازا) المخذول حين خط الدائرة تلك وكأنه يتخيل إليه بأنها تحتوي قلب التهامي، لايعلم بأن قلب التهامي موزع بين النخيل وحواصل طير الجون وسنابل الدخن. كم كانوا أغبياء أولئك الحاقدون الذين يرقصون تلك الرقصة الحاقدة ويطئون بأحذيتهم الشرهة آثار دماء التهامي الطاهرة التي شرفت طينتهم القاحلة الجاحدة.
أخيراً، طائر الجون سيحلق ونخيل تهامة ستثمر وسنابل الدخن ستنبت من جديد.