آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-06:09م

قيادات الشرعية .. وتوسيد الأمر إلى غير أهله 

السبت - 18 سبتمبر 2021 - الساعة 08:04 ص

أحمد عمر باحمادي
بقلم: أحمد عمر باحمادي
- ارشيف الكاتب


ذُكرت حادثة في الصحف عن الإمساك برجل روسي كان يعمل جاسوساً للأمريكان في بلاد الروس، فلما سألوه: ماذا كنت تفعله للأمريكان؟ قال: ما كنت أفعل شيئاً، إلا أنه إذا عُرض علي خمسة من الرجال لمنصب من المناصب أختار أسوأهم.

هذا الرجل كان له منصب كبير في الحكومة الروسية، فمع مرور الزمان كان يختار أسوأ الناس، وهو يسعى من وراء ذلك إلى تضييع الأمر، فإذا ضيعت الأمانة تسقط البلاد بعد ذلك.

نستفيد مما ذُكر أعلاه أن توسيد الأمر إلى غير أهله وتولية من لا يملك أية مؤهلات للحكم ليس مهلكة لصاحب الأمر بل مهلكة لكل من يتولى أمرهم، وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمارات الساعة فقال: ( أن تضيع الأمانة، فقال الرجل: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).

بلادنا اليوم تعاني من هذه الآفة العظيمة، توسيد الأمر إلى غير أهله، من أعلى هرم في السلطة وهم الرئيس والوزراء والمحافظون والوكلاء والسفراء والمستشارون إلى أصغر واحد مرتبط بهم ومرتهن إلى قوى تمسك بخيوط اللعبة، وربما استثنينا بعض المسئولين الشجعان الذين رفضوا الرضوخ لأجندات خبيثة، وقد كادوا أن يدفعوا حياتهم ثمناً لهذا الثبات في وجه الباطل، وكلنا يعلمهم، نصرهم الله.

إضعاف الوطن من قبل أعدائه خطة قديمة جديدة يحيكها أعداء الأمة وذلك بأن يؤمّروا على الناس من هو أتفههم ليتكلم الأخير في أمر العامة، فتنتكس الأوضاع رأساً على عقب، ويسود الانفلات والفساد، ويُترك حبل التدخلات الأجنبية على الغارب، فما دامت المساكن المرفهّة والرواتب العالية تُدفع لأصحاب المصلحة، وما دامت الأفواه الطماعة ترجو المزيد والمزيد فلن يعترض أحد، ولن يستنكر مستنكر، وكما قال المثل : ( أطعم الفم .. تستحي العين )، وهكذا غضوا أبصارهم عما يحصل للشعب، وتعاموا عن كل مآسيه ومصائبه.

لقد عرفنا أن الأمر وسّد إلى غير أهله عندما رأينا المسئولين لا همّ لهم إلا تنمية أرصدتهم وتثبيت ركائز مناصبهم، وتعاميهم عن أن يوفروا لقمة العيش الكريمة لشعبهم، وبالرغم من ذلك فقد اعتنوا بأقاربهم وأبنائهم من خلال المحسوبية والمحاباة ليوظفوهم ويجعلوا منهم بطانة تحيط بهم، وقد كانوا في يوم من الأيام ثلة من الصعاليك، بل كان الكثير منهم في وقت ما صعلوكاً من صعاليك المجتمع لا مؤهلات ولا تعليم ولا خبرة، فإذا بهم يمتلكون الفلل الكبيرة والعمارات الطويلة وقطع الأراضي والوظائف الكبيرة دونما وجه حق.

لقد عرفنا أن الأمر وسّد إلى غير أهله عندما رأينا غياب الأمن، ذلك الأمن الذي لا يظهر إلا ليستأسد على المساكين والضعفاء والمسحوقين تحت حجة ضرب العناصر التي تقلق الأمن والسكينة العامة، أما أن ينتصروا لمظلوم، أو ينقذوا صاحب حق ممن ظلمه، ويعيدون الحقوق المسلوبة إلى مستحقيها، فهو عندهم كإعادة اللبن إلى الضرع، وإعادة الماء المسكوب إلى كأسه.

لقد عرفنا أن الأمر وسّد إلى غير أهله عندما رأينا كل مسئول يسعى إلى توريث ابنه أو قريبه مهما كان مؤهله وتعليمه، كأن البلد ضيعة من ضياعهم المملوكة، في حين لا يابهون للكوادر المقتدرة وأصحاب العقول المستنيرة، وكل متعلم أحب أن يخدم بلده، هذا إذا لم يحاربوهم ويضايقوهم ويقفلوا في وجوههم كل باب.

لقد عرفنا أن الأمر وسّد إلى غير أهله عندما صرنا إلى ما نحن عليه اليوم من غياب الخدمات، وتدهور العملة، وغلاء الأسعار، وانتشار الأمراض وضعف الرعاية الصحية، وغياب روح المسئولية، وانعدام روح الشفقة والرحمة لهذا الشعب المسكين من قبل حاكميه ومسئوليه.

ومصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : ( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، فما على هذا الشعب المغلوب على أمره إلا أن ينتظر الخلاص بقيام الساعة لأنها ـ بإذن الله تعالى ـ خير لهم من متاعب هذه الدنيا ـ كما صرح الكثير منهم ـ بعد ما سرى في نفوسهم المكلومة اليأس من إصلاح الأمور وإحداث أي تغيير يُذكر، ( والله غالب على أمره.. ).