آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-05:11م

زرياب .. وسقوط الأندلس !!

الجمعة - 17 سبتمبر 2021 - الساعة 12:10 م

أحمد عمر باحمادي
بقلم: أحمد عمر باحمادي
- ارشيف الكاتب


 


في معرض دروسه الرائعة عن ( الأندلس من الفتح إلى السقوط ) تحدث الدكتور راغب السرجاني عن أسباب ضعف الإمارة الأموية في الأندلس التي أسسها عبدالرحمن بن معاوية ( صقر قريش )، فذكر عدة أسباب لذلك الضعف ومنها ظهور نجم زرياب وما صاحبه من ترف وحب للملاهي في المجتمع الأندلسي. 


وزرياب لمن لا يعرفه فهو مطرب من مطربي بغداد، تربى في بيت الخلفاء في بغداد، وكان يغني لهم، وكان معلمه هو إبراهيم الموصلي، وهو كبير مطربي بغداد في ذلك الوقت، ومع مرور الوقت لمع نجم زرياب هناك في بغداد، فغار منه إبراهيم الموصلي فدبر له مكيدة، فطرد من البلاد، فخرج من بغداد متجهاً صوب المغرب، حتى وجد ضالته في الأندلس؛ أرض غنية جداً، فيها أموال كثيرة، وقصور، وحدائق.


ويضيف د. السرجاني : ( ومع أن النهضة العلمية كانت موجودة وكان العلماء كثيرين، إلا أن كلام زرياب صرف الناس عن سماع العلماء إلى سماع زرياب، وصرف الناس عن سماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصص السلف الصالح إلى سماع حكايات زرياب العجيبة وأساطيره الغريبة، بل صرف الناس عن سماع القرآن إلى سماع أغانيه، وكلما زاد الاهتمام بالدين كلما نشط الشيطان؛ عن طريق زرياب ومن سار على نهج زرياب إلى يومنا هذا ).


 وفي موضع آخر يقول : ( تذكروا ما فعله زرياب وأمثال زرياب في تاريخ الأندلس، وكيف قادوا الشباب إلى الميوعة التي أسقطت بلاد الأندلس إلى الأبد ).


وبعد الانتهاء من درسه تَرِدُ الدكتور الأسئلة عمّا جاء في دروسه السابقة، والشاهد من القول على ما سبق، أن الدكتور السرجاني أوضح في الدرس التالي موقف الشرع من الفن الغنائي بعد أن وصله سؤال بخصوص قصة زرياب سابق الذكر وأثره على المجتمع الأندلسي، فأحببت أن أورد كلامه لتعمّ الفائدة وللرد على من يحرّم الغناء مطلقاً أو يحلله على إطلاقه.


 إذ يقول د. راغب السرجاني : ( إن الفن ليس حراماً مطلقاً كما أنه ليس حلالاً مطلقاً، بل هناك شروط إن لم تتوافر في الفن أصبح حراماً، فالله سبحانه وتعالى ذكر في أواخر سورة الشعراء وهو يستثني الشعر الحلال من الحرام، يقول سبحانه وتعالى: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224 - 226]،


 ثم يستثني سبحانه وتعالى فيقول: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء:227]. فالاستثناء ألا يتعارض العمل الأدبي شعراً كان أو غيره مع الإيمان والعمل الصالح، حتى لو وصل هذا الأدب أو هذا العلم أو هذا الشعر إلى أرقى جوائز الأدب في العالم، فإن كان يعارض الشرع والإيمان والعمل الصالح فإن الله سبحانه وتعالى سيحبطه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81].


أما الاستثناء الثاني : فإن الله سبحانه وتعالى يقول في نفس الآية أيضاً: {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الشعراء:227]، فلا يلهي هذا العمل الأدبي صاحبه أبداً عن ذكر الله في كل أحواله؛ لأن الأصل هو ذكر الله، والفرع هو قول الشعر أو ما شابهه من أعمال الفن الجائز، ثم يكمل سبحانه وتعالى فيقول: {وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء:227]، أي: أن يستخدم شعره وأدبه في الدفاع عن الإسلام والنفس والوطن، وتحسين الصورة للشرق والغرب، ودفع الشبهات وغيرها. ).


بهذه اللفتة أحببت أن أنبه جميع إخواني على أهمية أن يطلع المسلم على الآراء بمختلف أطيافها في أي موضوع كان أو أي قضية طارئة، وأن يكون المرء واسع الأفق باحثاً عن الحقيقة، لا ببغاءَ يردد ما يسمع، فأهبل الناس من عقله في أذنيه، كما يتبين مما سبق أهمية القراءة والاطلاع للمرء وأن من الواجب عليه أن يغذّي روحه وعقله كما يهتم بتغذية جسمه..