آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-03:31ص

أبناء اليوم بين ذكرياتهم الماضية والحاضرة

الأربعاء - 15 سبتمبر 2021 - الساعة 09:47 ص

أحمد عمر باحمادي
بقلم: أحمد عمر باحمادي
- ارشيف الكاتب


إذا كان بمستطاع الإنسان أن يحتفظ بمخزون طيب من الذكريات الجميلة عن ماضيه، فماذا سيحتفظ أبناء اليوم من الذكريات السعيدة عن ماضيهم أو أمسهم الدابر، الذي هو حاضرهم اليوم، فالقادم مستقبل قاتم إن سار على منوال أحداث اليوم الأشد قتامة، فحاضرهم مليء بالمعاناة في شتى مناحي الحياة مع شديد الاسف.

بالإضافة إلى رداءة الخدمات التي يعيشها الجميع ويشتركون في الشكوى منها، من كهرباء كثيرة الانقطاع، ومياه ضعيفة ووضع صحي متدهور، وإنترنت بسرعة السلحفاة وغلاء كبير وجوع مستشرٍ وفساد متغوّل، وحروب لا تنتهي وصراعات أكلت الأخضر واليابس، فإنه منذ أن يولد الطفل في هذا التوقيت بالذات تكتنف المصاعب حياته لتسير معه في أطوار حياته كافة، ولو جئنا نقتص أثرها لوجدناها سلسلة مضنية تناله بأثرها ووالديه ومن يعوله.

فبعد ولادته بلحظات لا يجد الرعاية الصحية اللازمة مقارنة بمولود يولد في أي بقعة من العالم إذا استثنينا الدول التي تدور في فلكنا من دول العالم الثالث الأشد فقراً، فربما أصيب بأمراض في مستهلّ حياته لتلازمه بأثرها وضررها ما سيقدم من حياته، بل إن مستشفيات الأمومة والطفولة وأقسام التوليد تشهد جميعها ألا أمومة ولا طفولة ولا توليد بل هو قتل في بعض الأحيان مع سبق الإهمال والترصد.

لنأخذ شيئاً تافهاً بنظر الكثير، فقد سمعت بنفسي آباءً يئنون من الشكوى من غلاء الحفاظات أعزكم الله وأكرمكم، فتكاليفها أصبحت تثقل كاهل الكثير من محدودي الدخل منهم، هذا في شأن المتوسط من الجودة منها، أما إن أراد أحدهم ذوات الماركات الشهيرة فدونه خرط الكيس، وكم أصيب كثير من الأطفال بالحساسيات والالتهابات جراء الرديء منها، لكن ماذا سيفعل الآباء جراء ما هم فيه من ضعف الرواتب وأعباء المعيشة، وقس عليه حليب والأطفال وغذائهم واحتياجاتهم الصحية الأخرى.

ينمو الطفل رويداً رويداً فلا يجد ما ينمّي عقله من الصور والألعاب النافعة، وكيف لأب لا يجد ما يكفي لتغطية احتياجاته الأساسية من مادة ليشتري لطفله الصغير الكتب الملونة والألعاب التي تزيد من قواه العقلية وتنمي مؤشرات ذكائه، إذا علمنا أن الطفل حال ولادته يولد بقدرات فذّة وذكاء حاد، لكنها تموت شيئاً فشيئاً مع كل سنة يبلغها من عمره.

ثم يبتغي الأب لابنه تعليماً جيداً لكنه يصطدم بصخرة الواقع، فلا تعليم جيد في هذا الوطن، وكل مستويات التعليم من مرحلة الحضانة والروضة إلى تعليمه الأساسي والثانوي ثم الجامعي يكتنفها الكثير من النقص واللا مبالاة، وها نحن نرى الخريجين يتخرجون بخفي حنين، فلا يدرون ماذا درسوا ولا يتذكرون شيئاً مما تعلموه خلال سنوات طويلة من الذهاب والإياب، وإن جئت تسأل أحدهم عن معلومة سبق وأن تعلمها لأجابك أنه يعمل ( فرمتة ) لعقله في كل فصل دراسي دراسي أو ترم، وهكذا يكون العلم لأجل الشهادة الورقية، ولا نلومهم في ذلك بقدر ما نلوم سياسة دولة أضاعتهم صغاراً وعملت على تجهيلهم كباراً.

في المرحلة التالية من ذكريات أبنائنا التي سيتذكرونها مستقبلاً هو معاناتهم من وحش البطالة وقلة الأعمال، فبعد مشوار التعليم المضني ـ إن جاهد الشاب نفسه وكافح ليكمل تعليمه ـ يجد نفسه على قارعة البطالة، أما من يئس في مقتبل الطريق وترك التعليم فسوف يسبقه ليكون صعلوكاً من صعاليك المجتمع.

وما بين بقية من ذكريات جميلة نحتفظ بها لأنفسنا فيما مضى من حياتنا، فإننا ننظر بعين العزاء والشفقة إلى أجيال صغيرة جاءت من بعدنا ليحيل الواقع حياتهم إلى سراب بلقع خالٍ من أية ذكريات سعيدة، إلا ما اصطنعها الخيال اصطناعاً أو انتزعتها المشاعر من تلافيف الذاكرة، ومن يدري فربما يأتي زمان يجرف بسيله الهادر كل ما عانوه من خيبات ومتاعب،  ويُهدي إليهم شيئاً من ذكريات جميلة.. نأمل ذلك.