آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-10:35ص

لا تقهر احدا حتى لا يؤلمك دعاؤه

الخميس - 26 أغسطس 2021 - الساعة 09:01 م

انور ثابت بن عبدان
بقلم: انور ثابت بن عبدان
- ارشيف الكاتب


عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال : 

شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إِلى عمر رضي الله عنه ، فعزله واستعمل عليهم عماراً ، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي ، فأَرسل إِليه فقال : يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي ، قال أبو إِسحاق ( سعد ) : أما أنا والله فإني كنت أصلي بـهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أخرم عنها ، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأولين ، وأخف في الأخرين .

قال : ذاك الظن بك يا أبا إِسحاق ، فأرسل معه رجلا – أو رجالاً – إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة ، ولم يدع مسجداً إِلا سـأل عنه ، ويثنون معروفاً ، حتى دخل مسجداً لبني عبس ، فقام رجل منهم يقال له : أسامة بن قتادة ، يكنى أبا سعدة قال : أما إِذ نشدتنا ، فإِن سعداً كان لا يسير بالسرية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية .

قال سعد : أَما والله لأدعونّ بثلاث :

اللهم إِن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة ، فأطل عمره ، وأطل فقره ، وعرضه للفتن ، وكان بعد إِذا سئل يقول : شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد .

قال عبد الملك بن عمير : فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وإِنه ليتهرض للجواري في الطرق يغمزهن .

وفي رواية : فما مـات حتى عمي ، فكان يلتمس الجدران ، وافتقر حتى سأل ، وأدرك فتنة المختار فقتل فيها . رواه البخاري ومسلم مختصراً .

فما اكثر ما ظلما سعدا في زماننا ، وما اكثر ما يقال فينا ، وما اكثر ما يفترى علينا ، وما أكثر ما يدبر ضدنا ، حالنا لا يختلف كثيرا عن حال سعد ، وحياتنا ليست ببعيدة عن حياته ، فمن ظلمه بالأمس زورا وباطلا ، ظلمنا اليوم جرما وقهرا ، وجوه الظلمة تختلف ما بين زمانا واخر ولكن يبقى الظلم مشترك بينهم ، وان من الظلم ظلم الرعية من الراعي وشؤمها نازل لا محالة ، فما تأخر نزول العقاب له ولكن جزاء الله نازل بامر كن ، وإن لكل ظالما نهاية ونهايته قريبة مهما طال به العمر والأيام ، وإن لنا فيمن ظلم عبرة وآية .

ان الظلم ظلمات يوم القيامة ، وان الظالمين لن يرون النور في دنياهم ، وإن الظالم في عذاب في حياته بسبب ظلمه ، وإن من يقف معه بما ظلم سيبلى بظالم ، ومن أخذ بيده في ظلم الناس سيبلى بيدا ظالمة .

فمن ابكى الناس ظلما وقهرا ابكاه الله ذلا وضعفا ، وإن إرتفاع الظالم لا يعني أهمال الله له فكلما كان الارتفاع كبيرا كان السقوط مرعب ، وان امهال الله للظالمين لا يعني ان الله مهملهم بل ان العقوبة أعظم مما يتوقعه المظلوم .

ان انزال الظالم منزلته ، واعطاه حجمه ومكانته ، لا يكون إلا من رجال صدقوا الله فجزاهم بوعده ونصره ، وان خذلان المظلومين بنصرتهم ممن ظلمهم ظلم اعظم وأكبر ، فإن نصرة المظلوم فريضة لكل مقتدر ، وان عدم نصرته مع القدرة على ذلك كبيرة من كبائر الذنوب ، وان لكل ظالم نهاية واننا بالانتظار .

ان بين الظلم الظاهر علنا والعدل الخفي خيط رفيع لا يراه إلا أهل القلوب  ، وان رؤية الظلمة يظلمون بكل ظلم وجرأة والاكتفاء بالصمت عنهم يربي في النفوس الرضوخ والذل لهم .

قال الله : ( فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ) 

سورة مريم : 84 .

اي لا تستعجل عقوبة الظالم وانما ارقبه .