تشهد السلطة القضائية في الوقت الحالي صراع كسر العظم، صراع لا يلتفت لحق، ولا لعدل ولا لمواطن تغيب عنه أبسط حقوقه، صراع للجبابرة اللذين لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة .
يُصدر الرئيس هادي قرار مخالف للدستور والقانون بتعيين النائب العام، و يقابل المجلس الانتقالي الجنوبي ذلك بإغلاق المقرات القضائية بواسطة المجاميع المسلحة إلى حين الاستجابة لطلبه، ومنحه نصيب من مناصب السلطة القضائية !!! ثم يقابل الرئيس هادي ذلك بمذكرة موجهة لمحافظ محافظة عدن يطالبه فيها بفتح مقر المجمع القضائي !
إذن هل توجد مشكلة ؟
فالمقرات المغلقة منذُ أكثر من ستة أشهر سيفتحها المحافظ بناء على توجيهات الرئيس . يا للبساطة والسهولة .
الرئيس فكر و قدر لمدة تزيد عن ستة أشهر ، ثم نظر ثم عبس و بسر ، فأصدر قراره من برجه العاجي للمحافظ الذي لا حول له ولا قوة يأمره بفتح المقرات ، وينتظر من المجلس الانتقالي الجنوبي أن يقول له حاضر مرحبا ، أمرك ، أو أن يقول له شبيك لبيك !
هل هذا حقاً هو الذي سيحدث ؟
هل هذا فعلاً هو الذي سيكون ؟
واقع الحال أن العدالة غُيبت عن المواطن من أجل الصراع السياسي المقيت ، فلم يُكتفى بغياب سلطتين للدولة و أرادوا أن يذهبوا بالثالثة .
كُنّا نأمل و نتأمل من رئاسة الجمهورية أن يكون لها دور إيجابي في إصلاح السلطة القضائية ، كُنا نتمنى ان تُصدّر لنا الحل، لا أن تكون جزء من المشكلة . ففي الوقت الذي كنا ننتظر أن تحتكم الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى كلمة سواء ويعملوا على تجنيب القضاء عن صراعهم و أطماعهم ، لكننا فوجئنا بعكس ذلك ، الصراع مستمر و يحتدم وكل منهم يصعد من جانب ، و الضحية المواطن المغلوب على أمره .
كُنّا نأمل من طرفي الصراع أن يغلبوا مصلحة المواطن ، و مصلحة الوطن لمرة واحدة فقط. مرة واحدة أردنا منهم أن يستشعروا المسؤولية.
ماذا لو كان قرار رئيس الجمهورية متضمن إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى. و تكون الشخصيات القضائية المختارة شخصيات مشهود لها بالكفاءة، والنزاهة، ومن أبناء السلطة نفسها ، ويكون التشكيل وفقاً لما ينص عليه قانون السلطة القضائية . قرار يرتضيه الغالبية العُظمى من القضاة، ويوفر للمجلس الانتقالي الجنوبي أن يخرج بماء الوجه ، ويجنب القضاء الصراع السياسي ، و لكن هيهات هيهات .
قد يقول قائل أن مطالبة نادي قضاة اليمن، أو النادي الجنوبي بتغيير مجلس القضاء الأعلى طمعاً منهم في الحصول على منصب ، لذا فأنا أقولها عن نفسي و بكل أمانة.. فلتجلس قيادات الناديين، وكل الأصوات المطالبة بتغيير المجلس في آخر الصف ، و لتصل العدالة للمواطن ، وتتم إعادة تشكيل المجلس بقيادات ذات كفاءة، ومشهود لها بالنزاهة، وحسن القيادة ، و وفقاً لمّا ينص عليه قانون السلطة القضائية. كما لا أريد أن يُفسر ما اطرحه بأنني مع غياب العدالة، فلم أكن يوماً مؤيدة للاضراب ، ولن أكون ، ومواقف نادي قضاة اليمن ثابتة بهذا الشأن .
حقيقة .. لا أعلم سر تمسك الرئيس هادي بقيادات مجلس مهترئ هزيل ، دُمر القضاء اليمني على يديه ، دمروه وهم يعبثوا بموازنة طائلة أُريقت كالهباء المنثور ، دمروه وهم يحافظوا على كراسيهم ومناصبهم ، ضاربين بكل أسس العدالة عرض الحائط ، دمروه وهم يحولون القضاء لملكية وراثية لابنائهم ، وأقاربهم ، دمروه و هم يعصفون بمبدأ الاستقلال القضائي ، ويخضعون القضاء للتبعية السياسية ، باختصار .. فقد دمروه أسوأ تدمير .
أكتب ما أكتبه ، والدمع موجوع ، موجوع على حال المواطن ، موجوع لما وصل له القضاء ، موجوع لانعدام العدالة ، موجوع على وطن سكناه ولم يسكننا ، أو بمعنى أدق، فقد سكن كل مواطن حر وشريف ، ولم يسكن ولاة أمورنا . تصارعوا ، تقاتلوا على كراسيهم ، و المواطن يُسحق ، و يُطحن ، ثم يُدفن ، فلا يهم .
الأزمة التي يمر بها القضاء ليست أزمة غياب العدالة فقط أو أزمة ضمير ، ما نمر به هو وطن غائب عن ضمائر سادتنا وكبرائنا ، ما نمر به ياسادة هو أزمة وطن .
القاضي .د/ رواء عبدالله مجاهد