آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-03:26م

من ملفات بريطانية السرية عن التعذيب في عدن

الثلاثاء - 10 أغسطس 2021 - الساعة 07:36 م

عفيف السيد عبدالله
بقلم: عفيف السيد عبدالله
- ارشيف الكاتب


نجحت مجموعة من الكينيين، الذين أعتقل الإنجليز أهلهم وتعرضوا للتعذيب، خلال تمرد ماو ماو، في إجراءاتهم القانونية، بالحق في مقاضاة الحكومة البريطانية، بالإفراج عن ملفات سابقة خلال الحقبة الإستعمارية البريطانية، تم إخفاؤها لعشرات السنين، بعيدا عن متناول المؤرخين، وأفراد الجمهور، في إرشيف وزارة الخارجية السري، لحماية الحكومة من التقاضي. توضح بالتفصيل بعض أكثر الجرائم المخزية، التي أرتكبت خلال السنوات الأخيرة للإمبراطورية البريطانية. وقد وضع إكتشاف وعرض هذا الإرشيف وزارة الخارجية، في وضع محرج ومخزي.  

وتتضمن تقارير استخباراتية شهرية، منها متعلقة بتعذيب وقتل متمردي ماو ماو في كينيا. بما في ذلك قضية أمان، المرأة الكينية البطلة، التي قلاها الإنجليز وتحمصت وهي على قيد الحياة. وعن الأطوال التي ذهبت إليها بريطانيا، لإزالة سكان الجزر بالقوة، من ديجو جارسيا في المحيط الهندي، التابعة لموروشيوس. وعن كيفية القضاء على أعداء السلطة الإستعمارية، في مالايو في الخمسينات.  

مع ذلك، العديد من الأوراق الأكثر حساسية من الحقبة الإستعمارية المتأخرة ،لم يتم اخفاؤها، بل تم تدميرها بشكل منهجي، لمنع وقوعها في أيدي حكومات ما بعد الإستقلال. ومن المتوقع، ان يتبع مجموعة الكينيين آلاف الثوار، الذين اعتقلهم البريطانيون، وتم سجنهم، وتعديبهم، واستجوابهم، في زمن الحقبة الإستعمارية. في كثير من مستعمرات بريطانيا السابقة  (37 مستعمرة). وخاصة بين عامي 1946م و1967م .   

وتكشف ملفات سرية وأوراق تفصيلية أخرى، تعود إلى الحقبة الإستعمارية، عن التستر البريطاني عن التعذيب في عدن. وكان من الواضح، أن بريطانيا بحلول نهاية عام 1966م فقدت السيطرة العسكرية على عدن. وفي محاولة للعودة إلى علاقات بائسة، متساوية، مع المناضلين. أعتقل البريطانيون المئات من سكان عدن، وأحتجزوهم لأسابيع، دون توجيه تهم لهم.  

وتحمل ملفات أولئك المناضلين، التي تحمل علامة "سرية"، دلالات وشواهد بالضرب، والتعذيب، والإعنداء، وغطاء الرأس، والتهديد بالاعدام. وقد تجاهل قادة الجيش إدعات التعذيب تلك، إلى أن نشرت منظمة العفو الدولية مزاعم مفصلة، في عام 1966م. مما أجبرت الحكومة على بدىء تحقيق، برئاسة المحامي البارز رودريك بوين، الذي قدم تقريرا دامغا، أمر فيه بإغلاق مركز الإستجواب التابع للجيش في عدن. وأوضح المحامي باتريك، أن جنودا بريطانيون ضابطا وأثنين من ضباط الصف كانوا في قلب مزاعم التعذيب.   

وتظهر الملفات أنه على الرغم من حجج قوية لرفع دعاوى. بما في ذلك  شهادة مؤدية من 16حارسا. قمعت بريطانية مزاعم التعديب ضد المحققين العسكرييين، الذين أتهموا بالضرب  المبرح والإنتهاكات العنيفة، وتعذيب الوطنيين. وقرر الجيش بهدوء إسقاط القضايا. لكنها جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، لاتسقط بالتقادم. أي انه لاتسقط العقوبات على هذة الجرائم، مهما مر عليها وقت.

 وفي مجمل القول، في أيامها الأخيرة في عدن، جعلت بريطانيا الأكاذيب الفاضحة، والقسوة الفجة، والعنف السياسي، والكراهية، والخسائر المميتة، سمات مميزة لخروجها النهائي من المدينة. فهي موهوبة بشكل خاص عند خروجها من مستعمراتها، أن تترك خلفها كما هائلا من القذارات المبهمة، أودت لاحقا بحياة الآلاف، وتسببت في آلام إنسانية، وإقتصادية للملايين في اليمن. 

فبدلا من تحرير مدينة عدن من سلطتها، وتسليمها لأبناء عدن الأصليين ، أدرجتها في 30 نوفمبر1967م ضمن سلطة قبائل المحميات الغربية تتفرد بحكمها. وثبت أنه لم يكن إستقلالا بقدر ما كان مذابح متسلسلة، وهلاك، وتبعات كارثية حطت، منذ ذلك الحين، على أبناء عدن ومدينتهم، ولم تزل. 

والتصرف العملي ذلك، والذي هو موضع رضا عام، والمقدر عليه مع بريطانيا، في الوقت الحاضر، وأشدها تأثيرا، هو المصالحة السياسة. و تتعلق المصالحة قيام نخبة من أبناء عدن بمشروع مجتمعي، لغرض مطالبة حكومة المملكة المتحدة (بريطانيا) ، الإعتراف بعدم إلتزامها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التاريخي. الصادر في 11 ديسمبر عام 1963م، بمنح عدن الإستقلال.  

و تحملها المسئولية عن ما جرى من قتل، وطرد عشرات من مناضلي جبهة التحرير والتنظيم الشعبي، من أبناء عدن، في ضواحي الشيخ عثمان، والمنصورة، والقاهرة. والمعروفة بالحرب الأهلية (5 - 28 سيتمبر 1967). والإعتراف بالتعذيب الوحشي البربري، المتسم بالقساوة والدناءة الذي مارسوه على المناضلين  المعتقلين في عدن.   

ومطالبتها بإعتذار رسمي، لجميع أبناء عدن (العدنيين)، الأحياء منهم والأموات، ودفع التعويضات اللازمة لهم ولذريتهم، عن إنتهاكات القانون الدولي وحقوق الانسان والتدليس  الذي مارسوه عند خروجهم من عدن. فبدلا من تحرير مدينة عدن من سلطتها، وتسليمها لأبناء عدن الأصليين، أدرجتها بريطانيا في 30 نوفمبر1967م ضمن سلطة قبائل المحميات الغربية تتفرد بحكمها. وثبت أنه لم يكن إستقلالا بقدر ما كان جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، ومذابح متسلسلة، وهلاك. وتبعات كارثية حطت، منذ ذلك الحين، على أبناء عدن ومدينتهم، ولم تزل.