آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-09:21ص

واحد مناضل يشرب شاي !!.

السبت - 07 أغسطس 2021 - الساعة 09:11 م

عبدالفتاح الحكيمي
بقلم: عبدالفتاح الحكيمي
- ارشيف الكاتب


/عبدالفتاح الحكيمي.

في العالم الآخر غير البلدان العربية واليمن المثقفون يكتبون عن زعامات وشخصيات بلدانهم كمواقف إنسانية كبيرة, وعن أهم تجارب هؤلاء النماذج الخالدة في الدفاع عن أوطانهم وتنمية المجتمعات ..ونحن في البلاد العربية أما أن نكتب عن ماذا قال الزعيم أو القائد القومي الفلاني في خطاباته الأحتفالية أو ماذا قال عنه شعراء النفاق وحاملو الطبول والمزامير وكتاب المدائح المحيطون بقصره وعصره.
أما ما الذي أحدثه أصنام الأمة العربية والأسلامية المعاصرين من تحولات جوهرية حقيقية في نهضة مجتمعاتهم والأرتقاء بحياتها ووعيها وكرامتها ففي حكم المعدوم والمفقود أو النادر والشاذ الذي لا حكم له كما يقال..

لا تخلو تجارب بعض الرؤساء والقادة العرب في بعض مراحل حكمهم من مواقف شخصية متميزة هنا أو هناك, لكنها لا ترتقي في كل الأحوال إلى مستوى تأسيس رؤية بناء تنموي نهضوي عام ومشاريع مستقبل.
في اليمن لا يزال المثقف منبهراً  بصورة ونموذج الزعيم والقائد الحزبي والسياسي المثالية وتصرفاته الشخصية العابرة أكثر من تقييمه أو بحثه عن المشروع الإجتماعي في دماغ الزعيم وتقييم مستوى أدائه الوظيفي العام.
كتب البعض عن الرئيس عبدالله السلال ومواقفه الفكاهية, وكتب آخرون عن الرئيس إبراهيم الحمدي الذي أسعف بسيارته بالمصادفة ذات ليلة إحدى الحوامل إلى مستشفى الثورة بصنعاء دون علم زوجها إن سائق الأجرة ألذي أنقذ حياة زوجته هو الزعيم رئيس الجمهورية بشحمه ولحمه.
وكذلك كتبوا عن الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) تناوله وجبات العشاء في بعض مطاعم عدن أو أبين وتنقلاته بسيارة عادية للتمويه.
وهؤلاء أصحاب تاريخ حافل ولن ينتقص من شعبيتهم وحضورهم النسبي في أذهان المجتمع تجاهل تصرفات المظاهر العابرة التي لا ترتقي إلى مستوى احتفال المثقفين بها وتضخيمها كرمزية لتواضع شخصيات أصحابها.
ولكن أن تتحول هذه اللقطات والمواقف العابرة هذه الأيام إلى برنامج عمل للزعامات المغمورة لاستدرار عواطف الناس وكسب تأييدهم وزيادة رصيد هؤلاء الشعبي من اللاشيء فهي الطامة الكبرى ومن علامات الساعة !!.

وكل من ليس له رصيد أو عصيد هذه الأيام وظهر عندنا في اليمن بعد أولئك الكبار في حالة تلبس أو التباس وتقمص للأدوار والتضخم الشخصي بدأ من حيث انتهى السابقون, فاستهل رئيس الوزراء معين عبدالملك مثلاً مهمته الوظيفية بدخول المخبازة والمطاعم الشعبية وموائد الشباب الرمضانية فيما الشعب يطالب حكومة معين فقط بتخفيض أسعار الرغيف اليابس وإيقاف العبث بالمال العام وإهداره في شراء كهرباء القطاع الخاص(الطاقة المشتراة) وتجميد مشاريع إنتاج الطاقة الحكومية وإيقاف تدهور الريال !!.

آخر ما قرأته عن إنجازات زعماء الأحزاب السياسية عندنا في اليمن وليس في فيتنام أو كمبوديا هو ذهاب أمين عام حزب قومي قبل أيام لشرب الشاي في مقهى بشارع جمال بمدينة تعز وانغماسه الوطني في التواضع المذهل مع الجماهير.. فلم يصطحب معه أعزه الله ونصره غير مرافق عسكري واحد فقط لا غير بحسب شهادة كاتب المقال الذي اعتبر تواضع الزعيم في شرب الشاي من جيز أبناء الشعب الغلابى مفخرة لأخلاقيات الحزب الذي ينتمي إليه صاحبنا الزعيم.. وقصة مرافق واحد في الظاهر لا تحجر الإجتهاد بوجود حراسات سرية متخفية ومنغمسة حول المقهى إلا إذا قرر الزعيم الانتحار شخصياً أو تآمر عليه حزبه.. أو أنها شهادة لنجاح قبضة سلطة الأمر الواقع الأمنية في تعز !!.  
وأزيد من عندي إن الرجل كان يعاقر الشاي في شارع جمال عبدالناصر في ظروف استثنائية حساسة, وعرض حياته للخطر الداهم والمجازفة في ظل هيمنة مليشيات الأمر الواقع وانتشار المفصعين المسلطين على تعز وأهلها بحسب إعلام المقربين من الزعيم.
أما إذا كانت حماية شارع جمال من مهام وحصة مليشيات حزب الزعيم القومي نفسه فأمر مشروع فيه تناول الشاي السيلاني والمقيل في لوكندة أيضاً في الشارع نفسه فهم جزء من سلطة المدينة.
ولا نعلم إن كان الزعيم قد شرب الشاي بالحليب أم بدونه.. والأفضل بدون حليب ليثبت قدوته للآخرين وتواضعه الوطني الكبير في الحفاظ على المال العام والأمانة والنزاهة.
على هذا الأساس الثقافي سوف تظهر كرامات وبطولات خارقة لأناس وقادة أحزاب آخرين لا ضيشربون الشاي فقط بل يخلطونه مع القهوة والثلج وأشياء أخرى ملونة.. وسوف تظهر نماذج مصطفاة مطورة من هؤلاء العظماء الوطنيين الأحرار في نهاية المطاف لا يتعاطون الشاي مع عامة الناس فقط بل ويخدمون زبائن المقاهي والمخابز ويدفعون لهم(حق الشاي).

وأكملت مقال صديقنا المخلص لزعيم التتظيم عن ملحمة شرب الشاي ويدي على قلبي خوفاً من انطلاق رصاصة غادرة من متربص هنا أو هناك, كان يمكن إضافتها بنجاح كبير لإكمال سيناريو وقصة بطولة شرب الشاي الوطنية العظمى ولو لم يصب الرجل بأذى.. 
ونسي البعض كذلك أن خالد محفوظ بحاح نشر له أيضاً عدة لقطات يتناول فيها كعكة الخمير الحضرمي مع البسطاء في كافتيريا شعبية بالمكلا ولكن للأسف كان ذلك بعد خروجه من رئاسة الحكومة ليؤسس بذلك لتقليد وظيفي ملحمي تنقل معه لاحقاً معين عبدالملك من مخبازة إلى أخرى بسلاسة في زمن قياسي أثار عليه حسد وانتقام ألأنتقالي !!.
ومع ذلك أصبح الذهاب إلى المقاهي والكافيهات وشرب الشاي أو القهوة والعصائر والمثلجات الوطنية في هذه الأيام انجازات مدهشة وباهرة تضاف إلى سجلات نضال العمالقة والزعماء الكبار.
فلتشرب الشاي لتكون نموذجاً يحتذى أو مشروع زعيم شعبي في المستقبل.
هكذا تصنع بعض كتابات أصحاب الأوهام زعامات وهامات من جزئيات تافهة تضحك بها على نفسها قبل التذاكي على الآخرين والاستخفاف بعقول السذج وعواطفهم.
أتخيل أن الناس في اليمن مع اضطراب معايير النضال والأنجاز وموسوعات العظماء سوف يقيسون شعبية أي قيادي سياسي أو حزبي بعدد المرات التي تناول فيها الشاي في المقاهي والكافيهات.
ومن المحتمل قريباً أن يتحول ذهاب قادة وزعماء الأحزاب السياسية لقضاء حاجة في الحمام إلى إنجاز وطني مدهش !!.