آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-03:00م

هكذا لم تدخل عدن الاستقلال

الإثنين - 12 يوليه 2021 - الساعة 05:22 م

عفيف السيد عبدالله
بقلم: عفيف السيد عبدالله
- ارشيف الكاتب


 التوسع الاستعماري:           

الإمبراطورية البريطانية هي أكبر الإمبراطوريات في التاريخ. ومع دخول العقد الأول من القرن العشرين، كانت قد بسطت سلطتها على ربع سكان العالم. وظهرت أول بواخر تابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية بالقرب من سواحل عدن عام 1609م. وهي مؤسسة تجارية إنجليزية، تأسست عام 1600م، وبتفويض ملكي. وتدخلت في معظم الشئون السياسية، والعسكرية وتوطيد النفوذ البريطاني في بقاع العالم. 

وكانت بداية بريطانيا نفوذها في اليمن، هو إحتلال الشركة جزيرة بريم (ميون) عام 1739م.  ومكثتوا فيها فترة قصيرة. ثم أحتلت عدن في 19 يناير 1839م في زمن الملكة فيكتوريا  وأول فتوحاتها.  وفي عام 1857م  أستولت على ميون مرة أخرى، وضُمت إلى عدن. وفي عام 1856م ألحقت بعدن جزر كوريا موريا، ثم جزيرة كمران عام 1915م. 

رفض معاهدات التبعية: 

 ونتيجة لإحتلال الأتراك لمنطقة كبيرة من اليمن عام 1872م، تم تكريس التجزئة، بوضع حدود تركية – إنجليزية في عام   1903م – 1914م، للسيطرة على الدواخل والمرتفعات والهضاب. وبعد طرد الأتراك من اليمن في نهاية الحرب العالمية الأولى، سعى الإنجليز إلى توقيع إتفاقية مع صنعاء عام 1934م، للسيطرة على محميات عدن الغربية.

لكن هذه الرغبة البريطانية قابلها تحدي من قبل الإمام في الشمال. ولم يعترف بمعاهدات التبعية التي تمت بين إمارات ومشيخات الجنوب وبريطانيا. ولم يعترف بسلطة بريطانيا في الجنوب، سوى عدن كأمر لاجدوى من مناقشته. ولمواجهة موقف الامام المتشدد من محميات عدن الغربية، أنشأ الإنجليز جيش الليوي من أبناء تلك المحميات.

 وفي مارس 1936م  صدر قرار انشاء المجلس التنفيذي. وبموجب الأمر الصادر من الملك جورج، تحولت عدن، بدءا من 1 أبريل 1937م  إلى مستعمرة، ومنحت النظام والتشريع المعمول به في المستعمرات. وأصبحت ذات حكومة بنمط إستعماري مباشر،  مقصور على الموظفين من أصل إنجليزي.

وأسفرت نهاية الحرب العالمية الثانية (1939م – 1945) عن نشؤ واقع جديد. ويمكن أن ينتسب إلى هذه الحرب إنخساف الإمبراطورية، وبدء إنعام نظر بريطانيا في الإنسحاب من كل مستعمراتها في في كل بقاع العالم.  

التكيز على الاستقلال

وفي عام 1950م، تأسست الجمعية العدنية كأول إطار سياسي في عدن،  وترأسها الراحل محمد علي لقمان، أيقونة النهضة والتنوير، في اليمن وجنوب الجزيرة العربية. وفي عام 1952م، أنشئت جماعة النهضة، التي دعت إلى توحيد الشمال والجنوب. وتأسس أيضا المؤتمر العمالي (25  نقابة) ، والذي شكل حزب الشعب الإشتراكي برئاسة عبد الله الأصنج.

 وبمساندة ودعم الزعيم جمال عبد الناصر، تجذرت حركات التحرر في العالم العربي، بإتجاه المطالبة بتحقيق الإستقلال. وتحول حزب الشعب الإشتراكي إلى منظمة التحرير، وتكونت منها جبهة تحرير جنوب اليمن. 

وفي الستينات، قَرَنَت القوى السياسية العدنية بين النضال السياسي الواعي والفاعل، وبين النضال المادي العملي، مثل الإضرابات والعصيان المدني، والمظاهرات، وأتجه بعضها إلى النضال المسلح ايضا، مثل جبهة تحرير جنوب اليمن. وطورت برامجها في إتجاه المطلب الأرقى، وهو إستقلال عدن. وكانت من أنشط الحركات الثورية والعمالية، في العالم ثوريا وقوميا. وكانت قاعدة الإنتماء اليها على أساس الهوية الوطنية اليمنية. 

  وفي سبتمبر، 1962م  قام محمد علي لقمان بزيارة إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وتحدث أمام لجنة السبعة عشر، عندما باشرت مناقشة قضية عدن، وطالب بتصفية القاعدة العسكرية البريطانية، وإعطاء عدن حق تقرير المصير. استنادا الى اعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، المعروف أيضا باسم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514

وفي فبرايرعام 1962م، عندما واجهت بريطانيا صعاب في ادارة مستعمرة عدن والمحميات. انشاءت كيانا بعيدا عن موجة القومية العربية، التي أجتاحت المنطقة العربية، تحت اسم إتحاد الجنوب العربي. وشمل المشروع المحميات الغربية، ولم يضم حضرموت والمهرة. والحقت به جيش الليوي، وحولت اسمه الى جيش اتحاد الجنوب العربي.

بداية الكفاح المسلح

وبرز من داخل جبهة تحرير جنوب اليمن البطل الثائر خليفة عبدالله حسن خليفة، الذي قام بعملية فدائية جسورة في 10 ديسمبر 1963م. بإلقاء قنبلة يدوية في مطار عدن، على المندوب السامي البريطاني ونائبه، وشريف بيحان والسلطان الفضلي. احتجاجا على ضم عدن الى مكون اتحاد الجنوب العربي. أسفرت عن  مصرع نائب المندوب السامي القائد جورج هندرسن، واصابة 35 آخرين بإصابات مختلفة.   

وكانت لقنبلة البطل العدني خليفة قوة مؤثرة. اذ على إثرهأ أعلنتت بريطانيا على الفور حالة الطوارى في عدن التي استمرت الى أخر يوم من خروجها من المدينة. وجرت أيضا كثير من التغييرات في موقف بريطانيا، وسياستها المقبلة تجاه عدن وأبناء عدن. ويرد وحده هذا الحادث في الوثائق البريطانية، كبداية فترة الكفاح المسلح في جنوب اليمن. 

كما شهدت عدن أيضا احداث وتطورات عديدة ومهمة أخرى لها دلالتها. منها مظاهرات إحتجاجية عنيفة جرت بجانب مبنى المجلس التشريعي تنذيدا بمعاهدة دمج عدن مع إتحاد الجنوب العربي عند مناقشتها في المجلس. واستعمل  البوليس ضد المتظاهرين القنابل المسيلة للدموع وأطلقت الرصاص على الجماهير الغاضبة والرافضة لمشروع الإتحاد. 

جريمة حرب : 

وأفضى كل ذلك إلى غضب بريطانيا على أبناء عدن ووصل بها الأمر أن أنتقمت منهم قبل خروجها مباشرة من المدينة في الفترة بين 5-22 سيتمبر1967م حيث امرت وساعدت وساندت المخابرات البريطانية وجيش الليوي الجبهة الفومية، في قتل وطرد العشرات من مناضلي جبهة تحرير جنوب اليمن وجناحه العسكري التنظيم الشعبي، من أبناء عدن  في الشيخ عثمان وضواحيها المنصورة والقاهرة. وملاحقتهم حتى الحدود مع الشمال. وسماه الناس آنذاك بالحرب الأهلية ومايزال كثير من كبار السن منهم يتذكرونها جيدا. 

 وهي واحده من المجازر التي أرتكبت خلال القرن المنقضي. وجريمة حرب كاملة، أرتكبتها بريطانيا والجبهة القومية ( الحزب الاشتراكي لاحقا). وكان الغرض منها حرمان ابناء عدن الأصليين، أصحاب الأرض، بعد خروج الانجليز من استعادة مدينتهم. 

الخروج والتدليس:  

وفي اليومين الأخيرين من شهر نوفمبر عام 1967م, وبعد مراسيم إحتفالية بسيطة فيما بينهم، تحرك الإنجليز بهدوء وببطيء من المناطق المختلفة من المدينة حتى أصبحوا في محيط مطار عدن وأرصفة ميناء التواهي. وعند مغادرتهم حرصوا أن تكون آخر قطعة بحرية تنسحب من المدينة من ذات نوع القطعة البحرية التي أول من دخلت عدن بعد انتصارهم في معركة صيره في 19 يناير 1839م. 

كان خروجا من دون وداع، أو إحتفال، أو إعلان، أو إلتزامات، أو وثيقة إستقلال. وأختزل في جنيف في سويسرا ببيان ختامي، هزيل، وبائس تسمى "بمفاوضات إ ستقلال الجنوب من    الإحتلال البريطاني". وقع عليه في 29 نوفمبر1967 م،  كل من اللورد شاكلتون ممثلا عن حكومة بريطانيا، وقحطان الشعبي ممثلا عن الجبهة القومية. ونشره عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، في صحيفة عدن الغد، يوم الأربعا 25  نوفمبر 2020م. 

كان  موجزا ومختصرا للغاية، لافائدة مقصوده منه، لم يستحضر أو يذكر فيه اسم عدن على الاطلاق، ولا كلمة استقلال. وواضح منه، أن الجبهة القومية باعت استقلال عدن بيعة سارق،  والمتضررون هم أبنا عدن، أصحاب المدينة الحقيقيون.

 فما تم الاتفاق عليه كان مجرد تدليس، وتزوير، وتضليل، واحتيال. وهو ماكرس حالة انفصام قانوني،  ومؤسسي ، في الدولة الناشئة ولم تزل. وبمجيء الجبهة القومية،  صار وضع عدن مختلفا. ولم تشاهد عدن من قبل هذه الفضائع، التي ارتكبها في المدينة. فقد كانوا عنفاء،  ومتعطشون للدماء، وصدم الدمار الذي أنتشر في المدينة العالم كله. وهم السبب وراء الحروب ألأهلية الجارية منذ الاستقلال، والوضع القائم المزريء، الدائم الوجود، في عدن وبقية اليمن. 

المستقبل:

والحل لمواجهة التحديات، والآزمات القائمة، لم يعد في كيفية تقسيم الكعكة بين الغرماء، وحكومة ذو قطبين. وانما تقتضي المرحلة الحالية، الاهتمام بكيف يُحكم اليمن وليس من يحكم اليمن. بتشييد نظام حكم ديمقراطي،  يسير عليه المجتمع اليمني، ويشير الى ثقافة سياسية وأخلاقية راقية. تتجلى فيها مفاهيم، تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا، وبصوره دورية.

ويتحتم الأمر أيضا، تحقيق ما يصبوا اليه أبناء عدن. وهو اجراء تغيرات حقيقية، ذات أهمية في حكم المدينة. وأن تعود عدن للعدنيين. وتحت الهوية اليمنية.