آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:59ص

عندما تنتكس الفطرة !!!

الإثنين - 05 يوليه 2021 - الساعة 10:10 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


أثار حفيظتي سلوك بعض الناس حيال الحادث الإجرامي الذي تعرض له مسجد اللواء الخامس مشاة يوم أمس وراح ضحيته كوبة من الشباب في عمر الزهور .

فبينما كنت أتابع ردود الأفعال عبر وسائل التواصل الاجتماعي إزاء ذلك الحادث الشنيع لفت نظري بعض مطموسي الفطرة الذين يتشفون لما حصل , بل ربما تغنوا فرحاً وابتهاجا بهذا العمل الجبان  الذي يتنافى مع كل قواعد الأخلاق وقوانين الحرب ..
فهو حادث مركب كونه استهدف بيتاََ من بيوت الله وهذه جريمة بحد ذاتها ثم إنه استهدف جنودا بعيداً عن خطوط المواجهة العسكرية ِ.. مما يدل على خسة ولؤم منفذه .
ومع ذلك فما حصل كوم ...
ولكن التشفي لما حصل كوم بحد ذاته  .

وفي الحقيقة إن ذلك السلوك هو دليل على انحراف وانتكاسة للفطرة الإنسانية , وانسلاخ تام عن الآدمية ,  وتصحر في المشاعر والأحاسيس , وسقوط مدو في مستنقع البهيمية , وفجور صريح في الخصومة , وتراجع واضح عن القيم الإنسانية النبيلة !!

فماذا أبقى مثل هذا الإنسان _ الذي يحمل تلك الأفكار المنحرفة _ من قيم الرجولة والفحولة والأخوة والدين والعقيدة ؟

إن تختلف الناس في الأفكار والقناعات والمبادىء والعقائد فهذا أمر طبيعي ...
ولكن تبقى هناك ثوابت يحرم القفز عليها والاقتراب منها تحت إي مبرر من المبررات  
بل يجب أن نبقي مسافة للعيش في رباها وللظلال بأفيائها ..لأن الشر سحابة صيف ستتبخر وسوف تعود المياه إلى مجاريها .

ولذلك فإن أي انحراف عن ذلك  معناه انتكاسة عن الفطرة الإنسانية  وانسلاخ عن الآدمية , وانحطاط في المشاعر والأحاسيس , وشطط في الأفكار والتصورات والمفاهيم .

فمهما اختلفت مع الآخر تظل القيم الإنسانية لها حرمتها ناهيك عن حرمة القيم الدينية .

مثل هذه السلوكيات المشينة  كانت موجودة في الجاهلية وكان الناس يتعاملون بها ..ولكن ما أن جاء الإسلام إلا واجهز عليها  ودعا إلى التعامل الراقي حتى مع من حمل السلاح وصد عن المسجد الحرام وهذا ما أكده ربنا سبحانه في قولة تعالى :
( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْ ۚ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ)

وهي دعوة واضحة صريحة للتعامل بالعدل والإنصاف مع المخالفين وإن حملوا السلاح وصدوا عن المسجد الحرام ...وهذه ركيزة من ركائز المنهج الاسلامي القويم وميثاق من المواثيق التي واثق الله بها الأمة ( القوامة على البشرية بالعدل المطلق الذي لا يميل ميزانه مع المودة ومع الشنآن  )  

والمقصود هنا بالشنآن ما يعلق بالقلب من بغض وكراهية وحقد ازاء المخالف .

فهذه رسالة واضحة مفادها أنه مهما خالط قلوبكم من بغض وكره للمشركين الذين رفعوا السلاح في وجوهكم وصدوكم عن المسجد الحرام فهناك مسافة يجب أن تبقوها بينكم  تقيموا من خلالها العدل في التعامل مع الخصوم .

ولهذا كانت من أخلاق الإسلام في الحرب ألا يقتل الأطفال ولا تروع النساء وألا يؤذى العجزة ولا يقتل الأسير ولا يؤذى ولا يعذب ولا يحرم من حقه في العيش الكريم حتى ينظر في أمره .

تلك هي مبادئ الإسلام الراقية الرائعة الجميلة وهذه هي قيمه السمحة في التعامل مع المشركين والكفار واليهود ..

فكيف إذا كان المخالف أخاك المسلم ؟
فإن التعامل معه بتلك المبادئ والقيم الإسلامية أوجب .

فالخلافات والنزاعات والاحتراب والاقتتال وارد حتى بين الإخوة من النسب والدم 
ولكن يجب الانضابط والالتزام في أدب الخلاف
والحفاظ على مسافة للقيم الإنسانية .

وأجدني هنا تحضرني مقولة لحكيم يقول فيها : 
( ما خاصمت أحداً إلا وتركت للصلح موضعاً ).
فيا لها من حكمة بليغة رائعة جميلة 
تستحق أن تكتب بماء الذهب ..

فعلينا أن نغلٌب صوت العقل والحكمة ...
فلا شر دام ..ولا خير استمر .
فأحسن في الأمرين .