آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-01:43ص

كم أعشق السلام وأكره الحرب

الجمعة - 02 يوليه 2021 - الساعة 02:32 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


يا الله ..

كم أنتِ بشعة أيتها الحرب اللعينة !!

كم والله أكرهك وأُبغضك , وألعنك.

لا لأنك تحملين الموت الزؤام في أحشائك فحسب ...

بل لأنك تفسدين الحياة , وتزرعين الضغائن , وتورثين الأحقاد, وتنجبين الخراب والدمار .

 

ويحك أيتها الحرب المجنونة !!

متى ستكفين عنا أذاك, وقبحك, وبشاعتك, وشناعتك , وجرمك ؟

 

يا إلهي إنها الحرب !!

الحرب التي تسكن بين حرفي ( الحاء ..والباء ) .

فبينما يحلو للشعراء أن يتغنوا في أشعارهم بهذين الحرفين الذين يشيران إلى معاني الحب الرائعة الجميلة ..فهناك حرف يقبع بين هذين الحرفين هو حرف ( الراء) ذلكم الحرف الذي يفسد كل معنى جميل لهذينِ الحرفين , فيغير لا شكل الكلمة فحسب ..ولكنه يصنع كل تلك الفواجع والمآسي والمواجع والجروح الغائرة في جسد التاريخ البشري الناضح عفونة ورعونةً وبؤساً وشقاءً .

 

أجل إنها الحرب ..

عندما يشتعل فتيلها , وتخرج عن طورها , وتلتهب نارها , وتكشف عن ساقها, وتكشر عن نابها ...تطوي المسافات وتفرش الموت الأسود  في أرجاء الكون ..لا ترحم صغيراً ولا تجل كبيراً لا تلوي على شيء إلا أهلكته ..

تشبه إلى حد كبير جداً كائن حي يقتات على جماجم القتلى ,  ويمتص دماء الضحايا , ويتلهى بأشلاء الموتى !!

 

في يمينها الألم وفي شمالها العذاب وفي أحشائها الخوف والرعب والخراب والدمار , وفي عينيها حمم النار الملتهبة .

 

فما أتعسَكِ أيتُها الحرب اللعينة !!

ما أن تفتحين شهيتك البشعة حتى يتراجع كلما يمت بصلة إلى الكرامة والإنسانية والعقل والعلم والضمير والحب والسلم والسلام والأمن والأمان ..ويُترك الباب مفتوح على مصراعيه للغرائز المتفجرة المليئة بالكراهية والحقد والغيظ , وتغلي شهوة الدم التي لا ترتوي , وتتبدى أنواع العذابات التي لا تستطيع كلمات الأديب  أن تعبر عنها  

أو عقل الفيلسوف أن يصفها , أو ريشة الفنان أن تصورها ...

 

فتباً لك  وألف تب..

إنك إعلان سافر وفاضح وقبيح لهزيمة الوعي والعلم والثقافة والحضارة والفن والحب والحياة..

حينما تنصبين الموت سيداً وملكاً بلا منازع ..

إنك جحيم لا يطاق , وغول بشعة تقتات على رفاة البشر وتنادي هل من مزيد ؟

 

فيا آلهي ما أبشعك !!

 

وأبشع منك وأقبح.. موتى القلوب وعديمي الضمائر وضعفاء النفوس وفاقدي الأخلاق  الذين لا يروق لهم العيش إلا في مستنقع الفتن والحرص على إشعال الحروب والعمل على تأجيج أوارها .

 

وأبشع منكم  جميعاً أولئك الحمقى الذين تسوقونهم إلى محارق الموت وجحيم الحروب كقطعان ماشية تساق إلى مزارع أعلاف .

 

فأنتم أيها الضحايا.. أنتم الزيت الذي يصب على النار فيزيد اشتعالها ,والحطب الذي يلقى فيها فيزيد لهيبها .

 

أنتم أيها العبيد من تصنعون أؤلئلك الجبابرة وتخلقون الطغاة وتألهون المجرمين.. بطاعتكم العمياء وبجبنكم المقيت وبضعفكم السخيف !!

 

فهلا تعودون إلى رشدكم .. لتروا ضعف وخواء وجبن وعجز من تظنون فيهم الجبروت والقوة والإجرام.

 

فهكذا هي الحرب..

قاتل الله من يشعلها.. تجهز على كلما هو جميل في الحياة, وتعيد عجلة السير إلى الوراء ..

تسلب القيم الإنسانية الرائعة , وتنهي معاني الحب والجمال , وتقتل روح الحياة الوادعة..

 

 بسببها تأسن الحياة , وتباع الضمائر , وتضيع الأخلاق الفاضلة , ويرتهن الوطن بيدي لصوص الحرب , وتظهر فئة طفيلية تعتاش على أنات الضحايا وأهات المظلومين !!

 

لذلك كله فالحرب يبغضها كل ذي ضمير حي , ويمقتها كل صاحب قلب سليم , ويكرهها كل ذي نفس زكية ..

وقد ترجم ذلك الفلاسفة والأدباء والشعراء فعبروا عن مدى استيائهم وبغضهم للحرب .

 

فهذا الفيلسوف الإغريفي ( هراقليطس ) يقول : 

" الحرب أم جميع الأشياء ..فهي تجعل من بعضهم آلهة ومن الآخرين عبيدا "

ويقول لتوسيدي الحرب : " هم لا يزول وغم لا نهاية له " 

وهذا الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى يقول :

وما الحـرْبُ إِلا ما علمْتُمْ وذقْتُـم ومَا هـوَ عنهَا بِالحيدِيثِ المرَجـمِ

متـى تبْعَـثوهَا تبْعَـثوهَا ذَمِيْمَـةً وتَضـرَ إِذَا ضرَيْتُمُـوهَا فتَضْـرَمِ

فتعْـركُكُمْ عرْك الرَّحَى بثفالِهَـا وتلْقَـحْ كشـافاً ثُمَّ تنتَجْ فَتُتْئِـمِ

فتنْتِـجْ لَكُمْ غلْمانَ أشْأَمَ كُلهُـمْ كَأَحْمَـرِ عَادٍ ثمَ ترْضِـعْ فَتفْطِـمِ

 

لذلك كله فأنا أكره الحرب ..

وأعشق السلام .

السلام ..الذي يضفي على الكون نوراً وبهجةً وسروراً..

 

السلام ..الذي يرسل روح الأمن والأمان والسلم والسلام والحب والوئام على أرجاء الكون ..كما يرسل نور الصباح الوضاح خيوطه الذهبية الرائعة الجميلة لتطارد فلول الظلام الدامس فتحمل معها جمال الحب ومعاني السمو الإنساني وعبق الحرية ونسمات السعادة ..

فتشدو الطير بنغماتها الصداحة وتعانق الأشجار نسمات العليل  الباردة وترسل أزهارها الجميلة روائحها العبقة وتطرب الأرض وتهتز لتنب من كل زوج بهيج ..

فتعيد الحياة نشاطها وحيويتها وحركتها وعطائها وجمالها ورونقها البديع ... فتسعد الأحياء على ظهرها سعادة أبدية 

 

فما أجمل السلام ..

سلام الضمير , وسلام النفس , وسلام القلب , وسلام العقل , وسلام الأسرة , وسلام المجتمع ..

وسلاماً يرفرف على ربوع الكون كل الكون 

 

لهذا ...

 

أدعو إلى تحقيق السلام ونبذ الحروب .