كانت السياسة الخارجية الأمريكية قد مرت بمرحلة جمود خلال فترة الرئيس السابق دونالد ترامب ، و على عكسه يسعى الرئيس الحالي جو بايدن إلى عودة الأمريكيين إلى الملفات الساخنة عالمياً ، و بالذات فيما يخص الصراع الإقتصادي مع بكين و صراع التسلح مع موسكو .. فإقتصاد التنين يثير هلع الأمريكيين و الذي ينمو بشكل متسارع ، حد أن يوانهم يقترب من التربع على عرش السوق العالمي و قد يلحق بدولار واشنطن هزيمة نكرا لا محالة اذا ما أستمر النمو على نفس الوتيرة و المنوال .. كما أن الدببة الروس يثيرون غلق واشنطن فيما يخص سعيهم إلى تطوير ترسانتهم العسكرية و زيادة إنتاج الإسلحة و تخزينها و كذلك سعيهم لإنشاء قواعد عسكرية و مناطق نفوذ خارج حدودهم ، لذلك تعمل الإدارة الأمريكية على الإستعداد لخوض قمار السباقين مع بكين و موسكو ، و لن يكتمل إستعدادها لذلك الا بحلحلتها لملفات الشرق الأوسط وهي الأكثر سخونة .. فالتخلص من الملف النووي لطهران و الحد من نفوذها و تدخلاتها في دول المنطقة يضمن الأمن و الإستقرار لحلفائها في إسرائيل و الخليج ، كما يضمن لها نفوذها و تحكمها على منابع النفط و الطاقة و المنافذ البحرية لمرورها مما يعد ذلك أول خطوات المجابهة الإقتصادية و العسكرية مع الصين و روسيا ..
شنت الطائرات الأمريكية يوم أمس أعنف الغارات على مواقع عسكرية و مخازن للسلاح و الوقود تابعة لمليشيات إيرانية و موالية لها في سوريا ، و كانت الخارجية الأمريكية قد صرحت بعدها أن تلك الغارات كانت إستباقية و دفاع عن النفس بعد معلومات تلقوها بإن الحرس الثوري يسعى للتخطيط لشن عمليات ضد المصالح الأمريكية إنتقاما لمقتل سليماني ، و في الحقيقة أن ذلك ليس بجديد فقادة إيران يتوعدون بذلك علنا و من أول يوم لمقتل سليماني كما أن لا مصالح أمريكية حيوية لواشنطن في سوريا و ما تبقى من قوات رمزية لها هناك قد عملت إدارة ترامب على محايدتها ، و الحقيقة أن الأمريكيون أنما أرادوا من تلك الغارات توجيه عدة رسائل سياسية و عسكرية إلى أطراف عدة يمكن توضيح مضمانيها في نقاط على النحو الآتي:
- طمئنة لإسرائيل و أن أمنها خط أحمر ، و بصورة أقل لحلفائها العرب .
- تنبيه للروس و أنهم يتواجدون بالقرب من مناطق نفوذهم خصوصاً بعد فشل لقاء بوتين و بايدن على هامش مؤتمر دول الثمانية .
- إنذار مسبق للإدارة الإيرانية القادمة بعد الإنتخابات .. خاصة بعد فشل إجتماع فيينا الأخير بشأن ملفها النووي .
- تهديد بعد الترغيب لإذرع إيران العسكرية و السياسية في المنطقة كالحشد في سوريا و العراق و حزب الله و حماس في لبنان و غزه و الحوثيين في اليمن .
فيما يخص الشأن اليمني سعت إدارة بايدن بكل ثقلها لإيقاف الحرب في اليمن و من منطلق إستحالة الحسم العسكري فقد عمد مبعوثها على العمل لإقاف الحرب من خلال مفاوضات سلام شاملة ، و لتعزيز ذلك عملوا على محاولة فصل الأطراف المتصارعة عن داعميهم و وقف مصادر التموين و الأمداد من الخارج لكي يسهم ذلك في الضغط على تلك الأطراف للجنوح للسلام مقابل حوافز تمنح لهم ، كشطب الحوثيين من على قائمة الإرهاب و الإعتراف بوجودهم الشرعي على الأرض و حتى لا يعطي ذلك مبرر لإيران بإستمرارية تدخلها العقائدي في شؤون الجماعة و ربط إجنداتهم الخارجية بهم .. و بالنظر للعمليات العسكرية و القصف الأمريكي على حلفاء إيران في سوريا و عدم قدرة طهران بالدفاع عنهم ، فعلى الحوثيين إستيعاب الرسالة و إبداء مواقف أكثر أيجابية بشأن السلام ، فنشوة الإنتصار المزعوم و شهر عسلهم مع الأمريكيين على وشك الإنتهاء ..