آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-02:20م

مدينة ممنوعة من الصرف.. تعز!!

الأربعاء - 23 يونيو 2021 - الساعة 08:20 م

خليل سلطان
بقلم: خليل سلطان
- ارشيف الكاتب


 

للوهلة الأولى كانت تبدو لي المدينة تنام على تعويذة إلهية تحميها من كل شيء: العلوم، الثقافة، البساطة، الكفاح.

 

الجميع يعيش لثلاث: العلم والعمل والعشق.. مدينة كانت خارجة عن حسابات السياسة تؤمن بالمعول والقلم كإلهين ولا تلتفت لعصبية أو جهوية، يغزو أبناؤها كل المدن اليمنية والخليج وخارج الخليج بين دراسة وعمل وتجارة، ولم ينزلوا في منطقة إلا وأصبحوا منها يعكسون طيبة الإنسان التعزي وثقافته وبساطته حتى أحبهم الجميع وقربهم وساعدهم بل وافتخر كثيرون برفقتهم.

 

بدأت تعز تترنح حين زرعت الحزبية ظاهرة المشيخات التي تناسلت فجأة كالعناكب السامة في الحارات والقرى والمناطق القريبة والضواحي، كلها كانت تلك الفئات المتبقة من غبار الجهالة بعد نزوح المتعلمين خارج البلد وبعد أن أصيب اقتصاد البلد بنوع من الشلل منتصف وأواخر العقد الأول من هذا القرن.

 

جرف بعض من يشعرون بالنقص معهم شبانا من القرى ليكملوا نقصهم تحت مسمى (الشيخ) كاسم تجميلي لـ(اللص) وبدأوا يسطون وينهبون ويتسلطون ويتهبشون على ممتلكات وأراضي الناس وتطوروا وتطورت الظاهرة حتى غطت أعمالهم وجوه أولي الحلم والرأي.

 

لم ندرك حينها أن الأحزاب كانت تغذي كل تلك السوس تحت مسمى اللقاء المشترك، لم يكن مشتركا إلا بما يوحي سياسياً أنهم كتلة برلمانية بينما كانت تدور بينهم حرب باردة عظيمة ضحيتها اللصوص الذين ظنوا أن إمكانياتهم لن تتعدى مسألة سطو على أرض أو نشل عرصات باعة القات وإذا بالأحزاب تضع عليهم تاج كسرى وقلنسوة قيصر لينتشروا بعدها في كل مفاصل تعز.

 

لم تصل ثورة 2011 إلا وقد كان الجميع مهيأ ضمن معسكرات نائمة تتغذى على دود المدينة بهدوء وبدا للجميع أن تعز ستكون رائدة التغيير الحقيقي لمستقبل أفضل.

 

ولأن تعز مدينة مسالمة فقد كانت تستسلم لكل شيء وتدفع لتتخارج بالمصطلح البلدي وتعيش الدور إرضاء لذا وذاك من الناس.

 

استغلت الأحزاب شباب المخلاف على وجه الخصوص ليبنوا بهم قوة رادعة للدولة في يومها، كون تلك الأحزاب تعاني من عقدة الهروب المستمر والخوف من الانقراض، والمخلاف هو الوحيد صاحب التاريخ الذي من الممكن أن يُحسب له حساب.

 

حين انفجرت الثورة وأثناء صمود حمود خالد تساقطت الشبابيك على الشوارع وغوزلت أقفال المنازل وتعرضت كل مؤسسات الدولة للنهب المنظم وشتان بين الفوضى التي تخلقها الثورات والنهب المنظم لأجل إضعاف الدولة.

 

ثم دفع الرجال السريون برجال لا يفهمون شيئاً عن السياسة وملكوهم أمر المدينة في وقت كانت الدولة تترنح لهادي وما إن انفجرت الحرب حتى انتفض الجميع وتدخل السريون ليحموا المدينة وكان ثمن تلك الجهود من منازل وممتلكات المواطنين.

 

كل من ترك بيته هروبًا من الحرب تم احتلالها ونهبها من قبل الجيش، طبعًا الجيش تم تأسيسه في الغالب من أراذل الناس وأكثرهم دموية والشرفاء للجبهات وفي الوقت الذي تلتهم الحرب أرواح الشرفاء يلتهم آخرون وجه وقلب المدينة.

 

النشطاء في تعز ملفقو أكاذيب، والصحفيون أبالسة، والقيادات ثعالب وحتى المواطنين دخلوا ضمن دائرة العمل الأسود.

 

لم تعد تعز بريئة أبداً، يشارك النساء في صناعة الكذب والشباب والشيوخ والمشايخ والنشطاء والكتاب والمثقفون وحتى دكاترة الجامعات وعمدائها.

 

أصبحت مدينة ممنوعة من الصرف، تعيش حالة من الحرب الأهلية على مستوى الحارات والمنازل..

 

لم تعد تعز حالمة سوى بعبدالخالق سيف فقط يزرع صورة جميلة وتنبت المدينة ألف قبيح مقابل كل لون جميل.

 

كانت تعز تعني صبر والضباب والقاهرة والعروس والحجرية وشرعب وماوية والجند كبلاد واحدة ثم صارت كل بلدة تلعن أختها وكل ذلك بفضل الحزب الذي خلق الصراع البيني وسمَّاه مؤامرة..

 

والخلاصة، أن تعز ستتقيؤهم جميعًا ذات يوم وستمد أياديها لمن يعيد لها صوت أيوب طارش ورائحة المدنية حتى لو كان قائدا من أقصى الشمال أو الجنوب، ولن تتنكر لرجل يأتي من أبنائها يحمل الحب والسلام ويضرب بيد من حديد على كل أهل الشقاق والنفاق من المصابين بحُمَّى الحزب ومرض المنطقة.