آخر تحديث :الثلاثاء-14 مايو 2024-06:15م

من ملف الذكريات 6 .....

الإثنين - 21 يونيو 2021 - الساعة 01:48 ص

د. عوض احمد العلقمي
بقلم: د. عوض احمد العلقمي
- ارشيف الكاتب


ربما عزيزي القارئ وأنت تتصفح سردية الليلة من الملف ينتابك شيء من الحزن أو الشعور بالحسرة والألم عندما تهولك المفارقة وأنت توازن بين أخلاق الطالب في منتصف القرن العشرين وبين أخلاق طالب اليوم في غرة القرن الواحد و العشرين . عاد صبيح إلى أرض الوطن من المنفى الذي تجاوز ربع قرن ، وما إن حط الرحال حتى انطلق مسرعا يبحث عن معلميه في جغرافية محافظة لحج الواسعة إذ كان أحدهم من شرق المحافظة ، يبعد عن المدرسة التي كان أحد تلامذته فيها صبيح حوالي  150 كم ، وكان صبيح مازال يحفظ اسم ذلك المعلم الذي لم يكمل معه السنة الأولى من التعليم الابتدائي ، لظروف أجبرته على الرحيل كرها إلى خارج الوطن ، انطلق صبيح يسأل عن معلمه إذا ما كان حيا ، وأين يقيم ؟ وبعد أن علم أنه مازال حيا وأين مسكنه في المحافظة ؟ شد الرحال وتحمل عناء السفر وقطع الفيافي والقفار حتى وصل إلى قرية معلمه اسماعيل ، لكنه غريب لايعرف أحدا من أهل تلك القرية بل لايعرف حتى من جاء يسأل عليه . استظل صبيح تحت شجرة قريبة من قرية معلمه ، وظل يحدق بناظريه نحو القرية وإذا برجل مسن يجمع حزم القصب ويرصها فوق بعضها بشكل مائدة مستديرة يسميها المزارعون شونة ..

اقترب صبيح منه ثم بادر بالسؤال ؛ ألا تعرف أيها الشيخ معلما في هذه القرية يدعى اسماعيل ؟ تفضل أيها السائل بالجلوس أولا ، ثم أحضر الماء والقهوة ، وبعد قليل من الوقت أعاد السؤال نفسه صبيح ، فرد الشيخ : ولكن اسماعيل من يابني ؟ لا أعرف ياشيخ غير أنني سوف  أسرد لك شيئا من حياة المعلم اسماعيل لعلك تعرفه ...قل يابني ... لقد كان المعلم اسماعيل أحد المعلمين في مدرسة الأجواد بمديرية بني مجيد غرب محافظة لحج في عام 1971 م ، رد الشيخ بضحكة بلغت القهقهاء ، الأمر الذي أربك صبيح فقال : ما الذي يضحكك ياشيخ ؟ لاتوجل يابني بل أضحك لأنني ذلك المعلم الذي وصفت. تسرب السرور إلى قلب صبيح فأخذ نفسا طويلا بعد أن رمى بنفسه على الشيخ يقبله ويحضنه كالرضيع إذ يرتمي على صدر أمه بعد اختفائها عنه لساعات  ثم قال : الحمد لله فقد بلغت مسعاي وظفرت بمقصدي .... أجل يابني : ماذا تريد من المعلم اسماعيل بعد أن شاخ وأحيل على التقاعد ؟ اسمع أيها المعلم العظيم : هل تتذكر أحدا من تلامذتك في الصف الأول بمدرسة الأجواد في 1971م ، كنتم معشر المعلمين تلقبونه ب عوض الحامد ؟ أجل يابني : أتذكر ذلك التلميذ اللبيب ، النحيف الجسم ، الضعيف البنية ، بل كانت إذا ماهبت الرياح تزحزحه من مكانه أو تذهب به معها ... ذلك هو أنا أيها المعلم العظيم . وقد جئت لزيارتك لعلي أعيد لك شيئا مما قدمت ...أولم يقل شوقي :
قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
أكملت حديثي مع معلمي فعدت  إلى المدينة وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت لمقر عملي وبعد أداء محاضرتي كنت منهكا وأردت شرب شيء من العصير البارد ، ذهبت إلى  الكفتيريا  فوجدت  المقاعد كلها  ممتلئة بالطلاب ، نظرت إليهم عل أحدهم يرق لحالي ويقوم من مقعده ليجلسني ولكن دون جدوى ، مع علمهم أنني أستبقهم كل يوم وأقعد على أحد تلك المقاعد ، حزنت كثيرا فقلت في نفسي أهكذا صارت أخلاق طلابنا ؟ لايحترمون شيخا  ولايبالون بأستاذ ..

لقد صار معظم  أبنائنا يعانون من  إفلاس خلقي إلا من رحم ربي فتذكرت حينها قول الشاعر :
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ** فأقم عليهم مأتما وعويلا