آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-11:23ص

الانحلال التدريجي في التعليم

الأحد - 20 يونيو 2021 - الساعة 01:29 م

محمد كليب احمد
بقلم: محمد كليب احمد
- ارشيف الكاتب


مقولة عظيمة لا زال صداها يتردد في ذاكرتي ولم يفارقني البتة .. وهي أنه إذا أردت أن تهدم حضارة عليك بالتالي : 1ـ هدم الأسرة  2ـ هدم التعليم  3ـ إسقاط القدوة .

وجميع تلك الوسائل قد قامت بدورها الملحوظ في الانحطاط الحضاري الذي نعايشه اليوم ، ولكنني سأتوقف هنا عند أخطر تلك الوسائل وهي (هدم التعليم) ، وأثر ذلك من خلال هدم المعلّم وإسقاط أهميته في المجتمع بالتقليل من مكانته وأهميتها ، ليصل الحال به من البؤس والإحباط بأن يتطاول عليه تلاميذه واحتقاره وتصغيره وإسقاط مكانته العظيمة التي ترفعه فيها بقية الشعوب المتقدمة.

المعلّم في محافظة عدن أصبح موظف متدني الدخل ، لا حول له ولا قوة ، لا يحمل همّ التعليم أو المدرسة أو توصيل المعلومة والدرس للطالب ، فهو يسقط واجباً يحتم عليه الحضور اليومي للمدرسة – مجرد الحضور جسداً – ليحافظ على تلك الوريقات النقدية التي يظل ينتظرها بفارع الصبر نهاية كل شهر ..

منذ طفولتنا المبكرة كان آباءنا يغرسون فينا بذور التقديس والتبجيل للمعلم ومكانته العلمية والاجتماعية لدى الأسرة والدولة على حد سواء ..

( قُم للمعلـّمِ واكفهِ تبجيــــــلاً .. كاد المعلم أن يكون رســــــولاُ )

كنا نتحاشى أن يرانا الأستاذ في الشارع حتى لا يوبخنا في الفصل بأننا قصـّرنا في دروسنا وأضعنا الوقت في الشارع أو اللعب ، فإذا رأيناه عن بُعد نسلك طريقاً آخر ونتوارى عن ناظريه !

أما أيام الاختبارات والامتحانات ، فالمدرسون يتحولون إلى أفراد قوات مسلحة ، ورجال أمن وحماة وطن ! فالغش جريمة ، والفشل جريمة بحق الأسرة والمجتمع ولعنة تلاحق الطالب بقية العمر !

ولكن اليوم .. الكثير من المعلمين – مع احترامي وتقديري للأغلبية – يُفتح لهم باب آخر للرزق والكسب المادي حينما يتفق بعضهم مع أحد مندوبي الطلاب بتسهيل عملية الغش في الامتحانات ، بل تصل الجرأة بالبعض أن يقدم الإجابات النموذجية للطلاب داخل قاعات وفصول الامتحان مقابل بعض المبالغ التي يجمعها الطلاب لهذا المدرس أو ذاك لهذا الغرض الدنيء ..

أرجو أن لا يستاء البعض من هذا الحديث ، فهذا ما يحصل – ولو من وراء ستار – نظراً لحاجة المعلم أو الطالب على حدٍ سواء .. فالغاية تبرر الوسيلة للأسف .

أحدهم كتب في وسائل التواصل الاجتماعي منشوراَ جاء فيه : أنه حاور أحد الطلاب الذاهبين لأداء الامتحان عن المادة التي سيئودونها اليوم ، فأجابه الطالب بأنه لا يعرف أي مادة سيتقدم لامتحانها ، فقط ما عليه سوى إحضار القلم فقط ، والباقي سيمضي بكل سهولة داخل الفصل أسوة ببقية المواد !!

فهل يصدّق أحد إلى أي حال وصلنا اليوم ؟!

الحديث عن المعلّم وأهميته متشعب وطويل ، ويكفي أن نلتفت للمكانة العظيمة له في بلدٍ متقدم مثل ألمانيا ، التي وهبت للمعلم معاشاً يفوق كل فئات المجتمع ، يفوق معاش الطيار والمهندس وعالم الفضاء والذرّة ، لأنه السبب الأول والرئيس لوصول كل هؤلاء لهذه المكانة ولولاه لكان المجتمع الألماني في أسفل قائمة الدول المتخلفة بالعالم .

ربما الدولة – الغائبة  - لن تلتفت مطلقاً لهذا المعلّم خلال هذه الفترة والسنوات القليلة القادمة ، لأن التعليم قد يكون سبباً في انتقاد الفساد المتفشي في كل نواحي الحياة ومحاربته.

 لذا هل سيلتفت الناس بمختلف أطيافهم في عدن بإعادة النظر لوضع المعلم ومكانته العظيمة في تربية وتعليم أبناءنا ليسهموا غداً في الخروج من هذه الأزمات والأوضاع المتردية وتحسينها ؟

فلنبدأ من الأسرة، والأسرة أساس ، وهي اللبنة الأولى لبناء المجتمع .. نعيد لها المعلّم المكانة القديرة في عقليات ونفوس أطفالنا وشبابنا ، ونغرس فيهم حُب التعليم وتقدير المعلّم واحترامه ورفعه لمستواه الطبيعي ، ومساعدته في إيصال المعلومة والدرس بالشكل المطلوب ليتمكن من المساهمة الفاعلة في بناء أجيال أكثر وعياً وأبعد تفكيراً وطموحاً لأيامٍ وأعوامٍ قادمة نطمح فيها للسلام والمحبة في المجتمع ، ونبذ الخلاف وكراهية السلاح والحروب ، وشغف التقدم الاقتصادي والاجتماعي لهذه المدينة الجريحة التي لم يعد فيها أحد يشعر أو يطمح لغدٍ أفضل طالما والعلم والتعليم يتدنى للأسفل ويستفحل الجهل والقوة والسلاح في أوساط الغالبية العظمى المتصارعة لاحتواء الأرض والإنسان لمصالحها الخاصة ، بعد أن كانت مدينة عدن مناراً عربياً وعالمياً للثقافة والعلوم والتعايش والمدنية والحضارة والرخاء .