آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-02:20م

اليمن عندما تلوح فرص السلام اغتنموها فقد لا تتكرر

الخميس - 17 يونيو 2021 - الساعة 01:10 ص

خميس بن عبيد القطيطي
بقلم: خميس بن عبيد القطيطي
- ارشيف الكاتب


تلوح في اليمن اليوم إحدى أهم فرص السلام لإنهاء الأزمة المتصاعدة منذ عشر سنوات، والبداية كانت مع أحداث ثورة ٢٠١١م، مرورا بالمبادرة الخليجية، ثم تنحِّي الرئيس علي عبدالله صالح أعقبه مؤتمر للحوار الوطني ومحاولات يمنية للوصول إلى اتفاقات سياسية كان أبرزها مؤتمر السلم والشراكة في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م. إلا أن حالة من الفراغ الدستوري فرضت نفسها على أرض الواقع، وأدَّت إلى تقدُّم جماعة الحوثي والسيطرة على العاصمة صنعاء ما سُمِّي حينها انقلابا على الشرعية، وأدَّى إلى فرار الحكومة والرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الرياض، وما لبث الأمر إلا قليلا لتعلن المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف عربي لاستعادة الشرعية في اليمن في ٢٥ مارس ٢٠١٥م، وتواصلت عمليات القتال على الأرض بين قوات الشرعية وحركة أنصار الله، ما خلَّف ـ للأسف الشديد ـ عددا من المآسي على اليمن، وتفاقم بفعل الحصار والقصف والقتال المستمر، ثم تقلبت الأزمة في اليمن بين عدَّة مبادرات ومؤتمرات دولية بدءا من مؤتمر جنيف١ وجنيف٢ ثم اتفاق ستوكهولم في ديسمبر من عام ٢٠١٨م والذي أقر إنهاء القتال في مدينة الحديدة مع انسحاب القوات خارج المدينة، وإشراف قوات محلية على المدينة والميناء وذلك عبر لجنة تنسيق أُممية، مع إيداع جميع إيرادات ميناء الحديدة في البنك المركزي، إلا أن هذا الاتفاق أيضا لم يصمد طويلا، واستمرت المبادرات والمشاورات التي تخرج من بعض العواصم العربية مسقط والكويت وعمَّان وكلها لم تحقق الهدف المنشود. وفي مارس ٢٠٢١م قدمت المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار والسماح بإعادة فتح مطار صنعاء، وتخفيف الحصار عن ميناء الحديدة للسماح بإدخال بعض السلع والبضائع على أن تودع عوائد الميناء في حساب مشترك بالبنك المركزي، ثم تبدأ مشاورات سياسية بين مختلف الأطراف اليمنية، لكن جماعة أنصار الله رفضت مبدئيا شروط المبادرة واعتبرت أن فتح المطار والميناء ثمرة من ثمرات الصمود، كما أعلن المجلس السياسي الأعلى للجماعة. وانطلقت الجهود العمانية مجددا بزيارة الوفد العماني إلى صنعاء والتي يصفها المراقبون أنها فرصة سانحة للسلام في اليمن بعد صراع دامٍ استمر عشر سنوات خلَّف أزمة إنسانية متفاقمة في اليمن الشقيق .

التحركات والمبادرات الدولية وتبادل المبعوثين بدءا من جمال بن عمر تبعه إسماعيل ولد الشيخ وانتهاء بمارتن جريفيث وغيرهم من مبعوثي السلام في اليمن لم يتمكنوا من اختراق الانسداد السياسي والأمني والعسكري والإنساني حتى الآن. اليوم يبدي بعض المراقبين حالة من التفاؤل بالمبادرة العمانية نظرا لما تحظى به سلطنة عمان من ثقة واحترام من قبل جميع الأطراف؛ باعتبارها مثَّلت نافذة إنسانية ورئة كان يتنفس من خلالها أبناء اليمن طوال السنوات الماضية، كما قامت بأدوار إنسانية جليلة خلال هذه الأزمة، إلا أن العالم ما زال يترقب حتى اللحظة ما ستسفر عنه هذه المحاولة العمانية لإنهاء الأزمة، والتي ترتكز على وقف شامل لإطلاق النار في اليمن وتسريع العملية الإنسانية بفتح مطار صنعاء، وإعادة فتح ميناء الحديدة ثم الدخول بمشاورات سياسية متعددة الأطراف تفضي إلى حل سياسي للأزمة، فهل تنجح السلطنة في اختراق هذا الجمود وإنهاء المعاناة؟؟ الأسبوع الماضي كان حافلا بلقاءات ومحادثات ماراثونية في مسقط وصنعاء وطهران لمختلف الأطراف، فقد شهدت مسقط لقاءات متعددة منها لقاء وزيري الخارجية اليمني أحمد بن مبارك والسعودي فيصل بن فرحان مع معالي بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية كلٍّ على حِدة، كما جرى في طهران لقاء وزير الخارجية الإيراني بمبعوث الأمم المتحدة في اليمن مارتن جريفيث، وأهم التحركات الدولية تمثلت في زيارة الوفد العماني إلى صنعاء ولقائه مع رئيس المكتب السياسي مهدي المشاط، ولقاء آخر جرى (عبر الشاشة) مع زعيم حركة أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي، واستكملت اللقاءات مع الناطق الرسمي للحركة محمد عبدالسلام القادم أصلا في طائرة الوفد العماني هو وفريقه المفاوض الذي تواجد خلال الفترة الماضية في مسقط لتنسيق جهود السلام باليمن.

ما رشح عن زيارة الوفد العماني لم يعلن من الجانب العماني حتى الآن على أمل إيجاد بصيص من الأمل في سبيل إنجاح هذه المبادرة، ومع كلمات الإشادة بالجهود العمانية، إلا أن بعض الإشارات الواردة من اليمن غير مطمئنة بعد توارد بعض التصريحات المتزمتة بأن ما لم يتم الحصول عليه بالحرب لن يتحقق بالسلام، وأن فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ليس منَّة من أحد بل هو ثمرة من ثمرات الصمود، في إعلان استباقي لرفض هذه المبادرة المتفق عليها أمميا ودوليا، هذه المواقف قد تعيد الأزمة إلى مربعها الأول في وقت تلوح فيه أهم فرصة للسلام وقد لا تتكرر بوضعها الحالي. وترى جماعة أنصار الله الحوثية أنها اليوم في وضع باتت تسيطر على عدد من الأوراق واعتبار أن الرياض هي من قدم المبادرة في الأساس بعد حرب دامت أكثر من ست سنوات، هذه الرؤية قد لا تكون دقيقة لأن الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه العزيز: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ صدق الله العظيم، وما في يدك اليوم من أوراق قد لا يتوافر غدا، والواقع اليمني الذي يشكِّله أكثر من ٣٠ مليون مواطن يمني وعدد من القوى السياسية وانتشار قطع السلاح والظروف الصعبة التي يعيشها اليمن والحالة الدولية التي تنزع نحو إنهاء هذه الأزمة، والنقطة الأهم هي الحالة الإنسانية التي يعيشها أبناء اليمن، كلها أُسس ينبغي أن يبنى عليها مسارات السلام لإنهاء الأزمة ولو بتقديم بعض التنازلات، فاليوم يُعدُّ يوما من أجل اليمن وهي تنازلات من موقع قوة إن تمت، لأن الأساس هنا المواطن اليمني والوضع الإنساني وإنهاء المعاناة، وليست الحسابات السياسية التي قد تختلط فيها الأوراق مستقبلا .

من هذا المنبر فإنني أدعو الطرف الأبرز في اليمن وهو جماعة أنصار الله الحوثية إلى تحكيم لغة الأمانة الوطنية والمسؤولية الشرعية والدينية والإنسانية لتقديم ما يمكن تقديمه من أجل اليمن اليوم وليس غدا لإتمام هذه الجهود وإنهاء المأساة التي تعصف باليمن، فاليوم يوم العطاء والبذل والتنازل هنا من أجل الوطن وأبناء اليمن، والأوراق كلها أمامكم وعلى الطاولة وبيدكم إنجاح جهود السلام وستحسب لكم أيها الأشقاء، وهي فرصة تقدم اليوم من قبل أشقائكم في سلطنة عمان نرجو أن لا تفشل بمواقف متزمتة، فالواقع اليمني يرسمه أبناء اليمن، والعالم يعلم التضحيات التي قدمت وأثمرت هذه التضحيات هي السلام الذي يجب أن يسود اليمن، وهذا الشعب المثابر الصابر يستحق الكثير، والمستقبل حسبما تمليه الأعراف والدساتير السياسية الدولية يعتمد على صناديق الاقتراع، ونأمل اغتنام فرصة السلام التي تلوح في الأفق، وحفظ الله اليمن.