هناك من لا يستطيعون العيش بسلام ، ولا يجدون أنفسهم خارج الصراعات والحروب ، لهم في كل درب عدو ، وفي كل يوم معركة ، يستجيبون لكل نزال إلا نزال الرجال وفي ميدان الوغئ وهكذا هم أخوان اليمن.
وهنا سيضل صراع أبناء الجنوب قائم في وجه تلك الشلل ، ولكن سيضل أسوأ الصراعات التي يجب أن لا نخوضها كجنوبيين هي تلك التي تفقدنا جوهرنا وتصير إدماناً مدمراً ، تضيع معها الوجهة ويغيب الهدف ، وينتفي المعنى ، وتسقط القيمة .
أحياناً نترك للصراع مصائرنا وأقدارنا وندع للخصومة والعداوات والأعداء مهمة تعيين وتحديد المعركة ، ونسلم رقابنا للحروب الرعناء على طول الخط ، وقد يأسرنا الصراع بشخوصه ، وأدواته ، وأساليبه ، وشروطه المكانية ، والزمانية ، وحساباته ، وقد يأسرنا الخصوم لطول الصراع معهم ، فيغدون هم شرط القوة والضعف ، وشرط الحضور والغياب ، نقوى ماداموا أقوياء ، ونضعف ونسقط بسقوطهم وتهاويهم ، ونغيب ونغرب متى غربوا .
ثمة صراع أكبر مكسب أن لا نخوضه ، وثمة معارك واجبة الترحيل والتأجيل ، وثمة خصوم ينبغي عدم الاستجابة لمنازلتهم بالسهولة التى يأملونها ، وثمة تحديات يتوجب مواجهتها الآن ، وأخرى غداً ، ومنها ما تقتضي الترك لقادتنا الكبار ، ومنها ما يمكن أن نواجهه نحن ، ومنها ما يمكن تركه لسوانا ممن يديرون المشهد ومنها بالرفق ، واللين والفطنة والحنكة السياسية .
مشكلتنا كجنوبيين إننا نقوم غالباً بتجميع كل شيء دفعة واحدة ، في حلبة واحدة ، وربما كانت المرحلة تقتضي تفتيت القوى المضادة ، وتطوير أساليب المواجهة ، ووضع الاستراتيجيات المناسبة ، وتحديد الأولويات والمهام ، وتصنيف القضايا والعداوات والخصوم ، وبذل الطاقة بالقدر المطلوب للتخلص والتجاوز ، والتركيز على فعل المقاومة ، وعدم تبديد الجهد فيما بيننا وماهو ثانوي وهامشي وغير ذي بال ولا يخدم توجهاتنا ،
وحين يكون الصراع وطنياً فهو يستوجب الارتفاع بالقضايا إلى الأفق العام ، وعدم الانغلاق داخل صيغ ضيقة ، تهزم المشروع الجمعي ، وتقزم الأدوار وتكرس حالة من العصبوية والانقسام الهوياتي ، والإنتماءات الجغرافية الضيقة ، والانجرار مع الحس الشعبوي المنفلت بصورة تستعصي على الانضباط والتحكم ، ومشروعنا الجامع هو تحت سقف ومضلة الأنتقالي.
وفي الأخير كل الصراعات ستنجلي إلا صراعنا مع إخوان اليمن (التجمع اليمني للاصلاح) فهو صراع أزلي وأبدي .