آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-03:36ص

عملية إجهاض ناعمة

الجمعة - 21 يونيو 2013 - الساعة 02:23 م

عامر السعيدي
بقلم: عامر السعيدي
- ارشيف الكاتب


 

لقد بدأت يا أمي أصدق أنني شاعر فعلا .. ليس لأني قرأت صباح اليوم قصيدتين على جمهور أكثر من رائع لا يعرفني منهم غير ثلاثة .. ولكن لأن الكثير جدا ممن لهم علاقة وطيدة بالشعر يقولون لي ذلك ويجزمون بثقة تجعلني أشعر بالغرابة والخجل في آن .. ورغم أنني لم أزعم أو أدعي أنني شاعر إلا ان شيئا من الوهم بدأ يتسرب الى عقلي الباطن ما جعلني أقرأ بعض قصائدي وأبتسم بغرور ..

 

ولا أخفيك أنني أشعر بالقلق من هذا الاحساس النرجسي لأنه يزج بي في لجة الصراع مع العجز ويجعلني في مواجهة حتمية مع غواية الانتماء لهذه الفصيلة النادرة من المجانين ..

 

المهم يا سيدتي لقد قرأت قصيدتين الأولى عن الملائكة الشهداء والأخرى لا علاقة لها بالوطن او عناء الحياة رغم انها مبللة بالوداع لكن صوت الحب فيها كان الأعلى حتى عندما أخرس الجنون لسان الرسول العاشق أمام زليخا الخطيئة ..

المهم أحسست بقليل من الزهو و الغرور وبكثيرٍ من الشوق إليها ..

 

أما عن بقية يومي فقد كان مشحونا بالصخب الناعم وضجيج الفرح في قلب صديقي عمر الذي احتفل بعرسه معنا في أجواء من الانسجام بين فرقاء  اللعنة السياسية الذين جاؤوا عراة إلا من السرور حتى أن صديقي هشام المسوري الاصلاحي الملعون كان يبدو مسطولا وهو يهز مؤخرته ويتمايل بجسده مع اليسارين الذين يخاصمونه في هذا العالم الافتراضي كما لو أنه شيطان من عصور الظلام ..

 

وبالنسبة لي تمنيت لو أسطيع الرقص لأشارك هؤلاء الاوغاد الذين تشبعوا بالانتشاء أكثر من المشاهدين ..

لكني اعترف انني اقترفت مخالفة سخيفة وممتعة بتعاطي سيجارتين مع جنون القات ونشوة اللحظة .. شعرت بعدها بزيادة في نبضات قلبي المرهق .

 

لكني لم أكترث له كثيرا فلعل اشتهاء الوصول كان وراء ذلك الاضطراب قد يكون كل ماسبق مجرد هذيان لاسباب مختلفة ليس أهمها السهر ..

لكن المشكلة الآن صارت أكثر تعقيدا بعد أن دخلت في خلوة غير شرعية مع خيبات الواقع عموما والثورة خصوصا ..

نعم الثورة تلك الأنثى التي مارست الإغراء معنا بكل أدوات التحرش حتى سقط قلبي كغيري من المهووسين بعشقها حد الموت

أنا الآن أتذكر صور الشهداء التي تلاشت من شوارع الأيام بهدوء ، أحاول أن أحصي عدد الدموع التي ذرفتها عيون الحالمين في مواجهة مسيلات الدموع لكني أشعر بالخجل من دموع الايتام والارامل والثكالى التي لم تكف عن خدش ضمائرنا المخدرة بالسكوت على سرقة الأحلام العنيدة بعد أن تركها أنبياء الوعد على قارعة الحياة غير مدركين أنها ستصطدم بخذلان الاصدقاء قبل غيرهم .

 

 

قد أفتري على الشياطين المؤمنين عندما أتهمهم بإجهاض المستقبل لأننا شركاء فاعلين في عملية إجهاض ناعمة سقطنا فيها قبل أن يكتمل تشكيل جنين الآتي الذي اختنق بنا ومات في خانة القسمة بين الظلم والظالم على قاعدة الوفاق والتوفيق .

 

 

لربما أبدو هنا كمهرج غبي يحاول أن يكون ظريفا في نظر المغفلين من حوله لكنني لا انكر عجزي عن إخفاء المرارة التي أشعر بها إزاء العالم المكتظ بالكراهية ، ولا أتحمل قسوة الخيبة التي تنتابني كعاصفة وأنا أرى أدعياء السماء وفرقاء المصالح يعملون معا من اجل الزج بوطن مثخن بهم في أتون حرب قذرة لن ينتصر فيها أحد غير الانهيار الذي سينزل بهذه البلاد ألف سنة قادمة تماما كما فعلها من قبل مع أبناء الماضي الأكثر شقاء في هذا الوجود