كل ما أتذكره عن 22 مايو هو أنَّي طلعت أنا وأبي على سطح منزلنا، يومها كنتُ صغيراً، ألح عليّ أبي إلا أن أمسك البندقية لأطلق أول رصاصةٍ بحياتي ابتهاحاً بهذهِ المناسبةِ .
ما زلتُ أتذكرها تماماً لم تكن تلك الرصاصة في السماء كما اعتقدنا بل كانت في صدري أنا، نعم في صدري أنا.. فكيف أنساها؟
لم أكن وحدي ضحيتها ..
كان أبي أيضاً وأخوتي وأبنائي، الذين لم يكونوا بالوجود آنذاك، وأبنائهم الذين لم يأتوا بعد .. تلك الرصاصة الغادرة أصابتنا جميعاً ونحن لا ندري.
ما هي إلا أعوام قليلة لتكبر الرصاصة وتتحوّل إلى قذائف وصوايخ وأشكال أخرى من أدوات الموت
بعد أربعة أعوام من إطلاق تلك الرصاصة، حضّرت دفاتري وكتبي وذهبتُ في طريقي إلى المدرسةِ .. بعد خطوات من المنزل سمعتُ أصوات أنفجارات فتساءلت ماذا يحدث؟ وواصلت سيري إلى أن وجدت رجال القرية يحملون أسلحتهم فنظرت إليهم متعجباً إلى أين ......؟!
ألتفت يساراً فرأيت بالجبل المقابل لقريتنا سحابة سوداء، وسمعتُ دوي انفجار قوي .. أصابني الرعب، وبنفس الوقت حضرت ابتسامة عريضة بعد أن طلب أحد الرجال أن أعود إلى المنزل لأن المدرسة أغلقت ابوابها.
لم أكن حينها أفكر بشيء غير اللعب، وتحضرني تساؤلات بسيطة عن الحرب.
تلك اللحظة أمتزجت فيها مشاعر الخوف بالفرح.
لم أكن مدرك لما يحدث
لم أستوعب الموقف إلا حين وجدتُ نفسي مشرداً بالخلاء، بعد أن سقطت قذيفة عشوائية بأطراف قريتنا، ليقرّر بعدها أغلب سكان القرية النزوح خوفاً من أي قصف آخر قد يحدث.
حينها، عندما وجدت نفسي نائم بالعراء، استوعبت معنى أن تكون نازحاً وأن تكون البلاد في حالة حرب.. وعرفتُ أن الرصاصة نفسها قد كبرت وتوالدت إلى أن أصبحت بهذا الحجم الكارثي ..واستوعبت أكثر فأكثر حينما سمعت الناس يتحدثون عن إعلان العودة إلى ما قبل ٢٢مايو المأساوي فأدركت أن الرصاصة هي الرصاصة التي أطلقناها أول يوم قد عادت إلينا وأصبحنا ضحاياها
استمرت هذه الرصاصة تشق طريقها بثبات على حساب حياتنا المادية والجسدية والروحية .. تخترق أجسادنا، تدمّر منازلنا، تخرّب عقولنا، ولا زالت إلى هذه اللحظة تعبث بكل شيء
هي نفس الرصاصة اخترقت صدورنا جميعاً ولم تنطفئ ومازالت في طريقها لتقتل أكبر عدداً من الأجيال القادمة !
ياااااا للمأساة يا أبي!