آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-06:31م

ألدلالات السياسية للشهادة بالتوحيد في الاسلام

الخميس - 06 مايو 2021 - الساعة 01:26 م

أمذيب صالح احمد
بقلم: أمذيب صالح احمد
- ارشيف الكاتب


إذا كان التوحيد يعني العقيدة أو الإيمان أو الغيب أو العبادات أو حقوق الله التي تشتمل على الإيمان بوحدانية الله وعبادته ونبوة محمد والصلاة والصيام والحج والإيمان ,بالأخرة والجزاء ثواباً وعقاباً، فإنها كلها تحمل في طياتها دلالات سياسية يومية في حياة الناس عند ممارسة طقوسها .

فالتوحيد يهدف أساساً إلى تحريم عبادة الأفراد من البشر على الأرض أو تأليههم، كما إنه يحرم صناعة الطواغيت في الأرض، فالطغاة والمستبدون لا يؤمنون بالمساواة ولا بالعدالة فهم يتعالون على الناس، ويعيثون فساداً في الأرض ،وينشرون الظلم والباطل، وقد شرح الله ذلك في سير الأمم الغابرة في قرانه العظيم.

إن المسلم يبدأ عقيدته الإسلامية بالشهادة "بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله "، مؤكداً بأن عبوديته لله وحده فقط، ولا يقبل عبادة أي كائن أخر يريد إستعباد الناس والتعالي على الناس، ويتجسد ذلك في الصلاة تسبيحاً وتكبيراً بأسم الله العظيم ، وركوعاً وسجوداً للواحد الغفار، خمس مرات في اليوم، فتتقوى بذلك عزيمة المسلم وترتفع معنوياته وتجعله عصياً على الخضوع للمستكبرين من المخلوقات في الدنيا ، بعد أن حذره الله في القران من شرور الطغاة والمستكبرين والمترفين وسوء أعمالهم .

فالإسلام قد عرف أوصاف الله في سورة الإخلاص للناس كافة ، غير أنه عدد أسماءه الحسنى في مختلف سور القران المجيد ، وهي كلها صفات تحيط بعظمتهوقدرته وجلاله ، بحيث لا تترك مجالاً للطواغيت أن يتشبهوا به أو للمنافقين أن ينعتوا بها الطغاة أو المستبدين ، ورغم ذلك فإن ضعاف الإيمان يحاولون الإلتفاف على صفات الله بإضفائها على أولياء أمورهم.

فإذا كان المسلم المؤمن يدعو غيره بعبدالله أو عبدالجليل أو عبدالعظيم فأن المنافق يصف ولي الأمر بصاحب الجلالة أو صاحب العظمة أو صاحب السمو أو معالي فلان أو فلتان مع أن صفات الله بالجليل والعظيم والمتعال لا ينافسه فيها عبيده ،وحين يحاول بعض المنافقين رفع درجات الأشخاص وصفاً إلى مستوى الألوهية ،فأنهم بذلك يصفون الطغاة ويشركون بالله الواحد القهار ،وهو ما لا تقبله العقيدة الإسلامية في المؤمن بالإسلام .

أن الإيمان بوحدانية الله العزيز الجبار الذي يعامل الناس تحته بسواسية ، تقوي عزيمة المسلم وإرادته ،وترفع معنوياته ،وتجعله يتجاوز المحن بالمقاومة، فلا يقبل المظالم، ولا يخضع للمستكبرين، وفي أضعف حالاته لا يستعين إلا بالله العلي العظيم،فتراه يردد أحياناً

بعض العبارات مثل "الله أكبر" أو "حسبي الله ونعم الوكيل" أو "لاحول ولا قوة إلا بالله "أو "إنا لله وإنا إليه راجعون " للدلالة على أنه لا يقبل الرضوخ إلا لله سبحانه وتعالى" .

 

حينما يشهر الانسان اسلامه بقوله "اشهد ان لا اله الا الله و اشهد ان محمد رسول الله" ويكرر هذا الاقرار في عباداته طوال حياته فذلك يعني ان المسلم قد التزم بعقد مقدس بينه وبين ربه أركانه كالتالي:

أولاً : التزام المسلم بأنه لا الا الله ولا شريك له في عبادته أحد في الارض او السماء.

ثانياً: ان التزام المسلم بأن محمداً رسول الله يقتضي قبول الرسالة التي بعثه الله بها للناس كافة

في الارض وهي القران المجيد.

ثالثاً: ان القران العظيم يقرر الالتزام بطاعة الله ورسوله وتنفيذ اوامر الله ونواهيه.

رابعاً:ان طاعة رسول الله التي أمر بها القران الكريم وكررها في حوالي ثمان وثلاثين اية من

آيات القران تقتضي الالتزام بالسنة النبوية التي تجلت في حياة الرسول قولا وفعلا واقرارا.

خامسا: آن القران الكريم والسنه النبوية يقتضيان الالتزام بالشريعة الإسلامية التي تحدد وتنظم

حياة المجتمع الاسلامي ودولته وادارته في مختلف الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

سادساً:ان هذا العقد المقدس بين الانسان وربه الذي هو فرض عين على كل مسلم ومسلمه

يتحول ايضا الى فرض كفاية على المسلمين كمجتمع في الدولة الاسلامية وهو ما يوجب

على جميع القوى السياسية ان تكون "الشريعة الاسلامية" المرجعية الوحيدة لأحزابها

وبرامجها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وأي قيام لأحزاب سياسية تجعل مرجعيتها

في برامجها "علمانية" بفتح العين وليس بكسرها أي "دنيوية" تعتبر مخلة بالعقد المقدس

بين الله والمسلمين ومارقة عن شريعة الاسلام والمسلمين وخارجه عن الدين الاسلامي

القويم تستوجب المراجعة والتصحيح.

ان جميع الاحزاب في أي دولة اسلامية يجب ان تجعل الشريعة الاسلامية بمنظوماتها الخمس التالية مرجعيتها الكبرى للعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وهذه المنظومات هي:

الأولى : تنظيم العلاقات العبادية بين الانسان وربه الله وفقا للأخلاق الاسلامية.

الثانية : تنظيم العلاقات الاسرية والعائلية في المجتمع وفقا للأخلاق الاسلامية.

الثالثة : تنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الناس وفقا للأخلاق الاسلامية.

الرابعة :تنظيم العلاقات في الحكم والادارة بين الناس في المجتمع وفقا للأخلاق الاسلامية.

فالإسلام بشرائعه المختلفة لا يمكن أن يتطور الا بالممارسة والتطبيق العملي على مدى الزمن من خلال التنافس بين الاحزاب السياسية الاسلامية في ابتداع الاساليب والافكار المبدعة بمقتضى ظروف العصر والمكان. ان الشعوب الحية تعتمد على اصالتها ومحاسن تراثها وممازجته بالتجارب الانسانية المناسبة ، فالعلوم الانسانية تتشابه في كل مكان ولا تختلف الا بمقدار ما تتنازعها المصالح الاجتماعية للطبقات الاقتصادية في المجتمع. اما العلوم الطبيعية فقوانينها واحده ولا تتأثر الا بطريقة توظيفها في خدمة البشرية خيرا او شرا.

 

 

 

يقول الله في كتابه العزيز:

"وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" سورة المائدة (5/56)
"اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ" سورة المجادلة (58/19)
"لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" سورة المجادلة (58/22)
"إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" سورة فاطر (35/6)

فالله قد قسم ولاء الناس وموالاتهم بين حزبين كبيرين فقط هما حزب الله وحزب الشيطان.

فحزب الله هم اولئك الذين يؤمنون بالإسلام منهجا للحياة وطريقا للمستقبل وذلك بالتزامهم الشريعة الاسلامية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في تنظيم المجتمع الاسلامي وادارته. اما حزب الشيطان فهم اولئك الذين لا يؤمنون بالمنهج الاسلامي في الالتزام بالشريعة الاسلامية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في تنظيم المجتمع الاسلامي وادارته. ولما كانت البلاد العربية ترزح تحت الهيمنة الصليبية والصهيونية طوال القرنين الماضيين فان معظم الاحزاب العربية من حكام وحكومات وتنظيمات سياسية التي نشأت في العصر الحديث تندرج تحت حزب الشيطان لأنها تبنت مفاهيم معادية لله ورسوله وللإسلام والمسلمين أو كما يقول الله (أفحكم الجاهلية يبغون). أما الاحزاب الاسلامية من حكام وحكومات وتنظيمات سياسية التي تندرج تحت مفهوم حزب اللهفقد تعرضت للابادة وللاضطهاد وللتشريد وللتشويه وللتفريخ الشيطاني من أولياء حزب الشيطان وأولياء الهيمنة الصليبية والصهيونية ضمن مخطط صليبي شامل يشمل الطعن في القران والسنه والتراث والرسول واثارة الفتن والحروب في الدول الاسلامية وتشويه الافكار والمفكرين الاسلاميين ووصف الاسلام والمسلمين بالإرهاب والارهابيين لإذلالهم واضعاف روح المقاومة والكفاح لدى المسلمين وعلى رأسهم العرب ، ضد الهيمنة والاستغلال للقوى الكبرى المستكبرة.
لقد سيطرت أحزاب الشيطان العلمانية التي تدعي زوراً وبهتاناً بإسلامية الدولة في دساتيرها على الحكم في الدول العربية وباءت بالفشل الذريع وجرت البلدان العربية من خسارة الى خسران وصنعت جيوشا على شاكلتها فكانت وبالا وكارثة على مصير المجتمعات العربية الاسلامية لأنها تجاهلت جذور الشريعة الاسلامية في هوية الشعوب العربية التي هي في حقيقتها فلسفة الهية لتنظيم الحياة الانسانية بصورة انسانيه وواقعية على الارض. حينما كانت الشريعة الاسلامية تحكم العرب بمنهج الله ورسوله استطاع العرب سيادة العالم مدة طويلة من الزمن بحضارة انسانية راقية شملت العالم من شرقه الى غربه غير انها تلاشت من بين ايديهم بقدر ما فرطوا في منهج شرع الله ورسوله حتى سقطوا تحت أقدام الاحتلال الصليبي والهيمنة الغربية. لقد صدقت نبوءة الفاروق العظيم عمر بن الخطاب حين قال (لقد أعزنا الله بالإسلام فمن ابتغى العزة في غيره أذله الله) وهو ما ينطبق اليوم على الذين يحاولون ايجاد رفعة العرب وعزتهم تحت رايات حزب الشيطان الخاسرة. لقد ان الاوان لأن نتعظ يا أولي الالباب وكفانا خداعا وتضليلا للأمة العربية والاسلامية.