على غير العادة لكتابتي أي مقال من مقالاتي السابقة أستهل كتابة مقالي هذا بحكاية قصيرة من الأدب الروسي للروائي و الكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي و برغم قصر تلك الحكاية إلا أنها تحمل في طياتها دلالات كبيرة و عظيمة لعين و بصيرة قارئها المتمعن في أحداثها و تفاصيلها.....
القصة :
خرج أحد الملوك ذات يوم في رحلة صيد، وأطلق صقره الأثير، لينقضّ على أرنب بري، وانطلق بجواده خلفه..
أمسك الصقر بأرنب بري، فأخذه الملك منه، ثم بدأ يبحث عن ماء ليروي ظمأه، فعثر على ماء في صخور أحد التلال، لكنّ الماء، كان ينساب، قطرة فقطرة، أخذ الملك قدحاً من سرج جواده، ووضعه تحت سيل الماء، أخذ الماء يتساقط قطرة فقطرة، وحينما امتلأ القدح، رفعه الملك إلى فمه وهمَّ بالشرب..
فجأة .... تحفّز الصقر الجاثم على رُسْغُ الملك، ورفَّ بجناحيه، فانسكب الماء من القدح، ومرة أخرى وضع الملك القدح تحت سيل الماء، وانتظر وقتاً طويلاً، حتى امتلأ القدح، إلى حِافته ومن جديد، وبينما كان يهمُّ برفعه إلى فمه، رفَّ الصقر بجناحيه، فسكب الماء..
وحينما ملأ الملك القدح للمرة الثالثة، وأوشك أن يرفعه إلى شفتيه، سكبه الصقر، فاشتعل الملك غضباً، والتقط حجراً، ورجم به الصقر بكل قوته فقتله .......
ثم لحق خدم الملك به، وصعد أحدهم عدْواً إلى أعلى التل، حيث يوجد النبعُ، ويتدفقُ المزيد من الماء، فيمكنُ ملء القدح سريعاً، وعادالخادم بالقدح فارغاً وهو يقول: ليس بوسع المرء أن يشرب من ذلك الماء، فهناك ثعبان في النبع، وقد بثَّ سمه في الماء، ولو أن جلالتكم كنتم قد شربتم منه لهلكتم....
حينها قال الملك آسفا :
((ما أسْوأَ ما جزيت به الصقر..... لقد أنقذ حياتي فقتلته)) ......... إنتهى
إن الفهم السائد اليوم لدى أغلب مجتمعاتنا العربية سواء أكان ذلك متمثلا في نخبها أو عامتها بمختلف مشاربها و مذاهبها و أطيافها يقف عند حافة ذلك الكوب الذي وقع من يد الملك ثلاث مرات عمدا حين عارض صديقه الصقر رغبته في الشرب أو هكذا خيل للملك فضرب الكأس بكلا جناحيه ثلاثا ليوقعه في كل مرة على الأرض واقفا سدا منيعا أمام هلاكه لااااااا رغبته في الشرب كما فهم صديقه الملك تصرفه ؟
يمكنني الجزم بأن الصقر حينها لم يفكر على الاطلاق أن الملك سيقتله عقابا لفعلته تلك...كما أنه يمكنني الجزم أيضا أن الملك منعه فهمه القاصر لمحيطه و جهله بما كانت تخبئه تفاصيل ذلك المحيط ..... و اكتفائه برؤيته أحداثه فقط من زاوية عينه هو فقط ...... لاااا من زواية و عيني صديقه الصقر أيضا الذي ظل وفيا لصداقته إلى آخر أنفاسه فقاتل لأجلها و حال بين الموت وبين صديقه الملك..... لكن صديقه كانت أفق رؤيته لحقيقة الصورة ضيقة فظنه متمردا على رغباته و تحقيقها و دفعه ضيق أفقه و صدره معا الى قتله.....
النماذج و الشواهد كثيرة .... و كثيرة جدا في هذه الحياة على قصص تشبه قصتنا تلك في الأعلى تتغير بتغير الزمان و المكان و الشخوص... لكن النتائج في كثير من الأحيان ان لم نقل جميعها تكون واحدة في نهايتها.
حينما وضعت سؤالي لكم أعزائي في صفحتي على الفيسبوك و طلبت منكم الإجابة عليه لمساعدتي في كتابة هذا المقال لم أكن بعد قد حسمت أمري على استنباط الصورة النهائية لشكل ما قد أكتبه لكنني دوما تعودت أنني حينما أريد الكتابة عن شيء علي أن أتجرد من كل شيء ما استطعت الى ذلك سبيلا بغية أن تكون كتاباتي هي أقرب إلى الحقيقة و الواقع و ليس لحاجة في نفس يعقوب فقضاها كما قد يفعل آخرون غيري.... و حقيقة دعوني أخبركم أنني و أنا أكتب هذه السطور الآن تبسمت لحقيقة أخرى لا يعلمها كثيرون ممن لا يعرفونني أنني في أغلب الأحيان أدفع إزاء كتاباتي تلك ثمن باهض يشبه إلى حد كبير ما دفعه صقر قصتنا لقاء وفائه الذي صعب على الآخرين فهمه سوى أن الفرق بيننا أن وفاء صقرنا كان لشخص ملكه أما أنا وفائي يتجسد لمدينتي هذه مليكتي أيضا.
لا أريد أن أسهب طويلا في الكتابة و لكنني أحب أن أوجه كلمتي الأخيرة الى كل قائد أيا كانت صفته و إسمه و إنتمائاته يحظى بسلطة في هذه المدينة و أخص بالذكر هنا أخي الحبيب و العزيز محافظ العاصمة عدن الأستاذ/ أحمد حامد الملس و أقول له لربما نعلم جيدا مدى صعوبة تلك الأمانة الملقاة على عاتقكم اليوم و تبعاتها أيضا كما نحسن أيضا تقدير المحيط الذي تعملون في داخله لكن أيها الرجل الطيب اقولها ناصحا لااااا مكايدا او معارضا كما قد يصور لك البعض و ربما تسول لك نفسك بها لا تخشى الصقور أخي و ان طارت من حولك فلربما تريد أن تنبئك بأمر أنت لا تراه .... و إحذر الأفاعي حتى و إن كانت مختبئة في جحورها هامدة فسمها قد يصلك الى كأسك دون أن تشعر..... و ليس من العيب أن يراجع المرء منا بعض أخطائه و يعيد تقيم رؤيته لمحيطه من جديد بل على العكس لا يفعل ذلك الا من كان حريصا على النجاح و المضي قدما و أعلم أن المرء منا قليل بنفسه كثير بأخوانه فأحسن إنتقاء أخوتك و إن رأيت فيهم الشديد الغليظ و أكثر من لقائك بهم و قرب أصلحهم طريقة و رأيا منك و أصرف عنك كل مداح و هماز لئيم ........ دمت بود يا بو محمد و وفقك الله لما فيه خير هذه المدينة و أهلها .