آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-12:15م

علمني طلابي (1)

السبت - 13 مارس 2021 - الساعة 09:50 م

د. غازي الحيدري
بقلم: د. غازي الحيدري
- ارشيف الكاتب


مازلت أتذكر تلك الدروس البالغة والرائعة التي تعلمتها من ابنائي الطلاب في مقتبل عمري التدريسي والتعليمي قبل سنوات ، حيث كانت أرضيتي حينها مازالت لينة لا صلبة في مضمار التدريس وعودي لم يزل طرياً .

*ولما كان التعليم في الصغر من قبل الكبار كالنقش على الحجر كما يقال ، فإن تعلم الكبار من الصغار له اعمق الاثر* .

وهانذا كواحد من الكبار ، مازلت اتذكر اولئك الفتية الذين تلقيت على ايديهم عدداً من الدروس أثناء قيامي بعملية التدريس ، تلك المهمة السهلة الصعبة .

ولعلك اخي القارئ الكريم قد تستغرب لذلك ولكنها الحقيقة ، فالتعلم لايقتصر على عمر ولا يقاس بحجم ، والحكمة تؤخذ من اي وعاء خرجت.
وحتى لا اطيل عليكم فإنني سأسرد نموذجًا واحدًا فقط مما تعلمته من تلامذتي الصغار ، وتحديداً من طلبة الصف الثالث الاساسي ، إذ فاجأني أحدهم يومًا ومازلت بالطبع محتفظاً باسمه الثلاثي كغيره من زملائه الذي تركوا لهم آثارًا في حياتي وبصمات في اعماقي ، اذ بينما كنت اشرح لهم درساً في السيرة النبوية عن الظروف التي مر بها نبينا الكريم في صغره من وفاة والده وهو في بطن امه ووفاة امه بعد ذلك وعمره ست سنوات كما اخبرتهم حينها عن التي ارضعته واسمها حليمة السعدية .

وبينما انا في هذه النقطة رفع احدهم اصبعه قائلا..يااستاذ اخبرتنا بوفاة امه عندما كان في السادسة من عمره ،
وان من ارضعته في صغره هي حليمة السعدية فلماذا لم ترضعه امه ؟

سؤال قد يبدو سخيفا لمن لديه اطلاع اما انا فتسمرت حينها وجلتُ بخاطري هنا وهناك ، اذ لم يخطر هذا السؤال في خاطري مطلقا ، مع اني مطلع وقرات كثيرا لكني لم اجد لذلك الطفل النبيه جواباً ، فتهربت من السؤال بطريقة او باخرى لأترك التساؤل في رأس ذلك الطفل المستنير يصول ويجول .. بالفعل فعلتها وفي قرارة نفسي ألف غصة ، لم اهدأ طوال اليوم الا بعد ان وجدت بغيتي ، فاستبشرت ليأتي صباح اليوم التالي لأستعرض القوة بحذلقة واحتيال وأعطي الاجابة لذلك الطفل الكبير .

ياله من درس عظيم ويالها من افادة جليلة ..عزمت بعدها على عدم التساهل في التحضير او التخطيط لدروسي ، ليس كتابيا فحسب فذلك سهلٌ امره وانما التحضير ذهنيا كذلك ..
صحيح بانني ربما استسهلت الموضوع واستصغرت عقول تلامذتي كونهم صغيري الأجسام كما ظننت ، لكنهم كبيرو العقول والافهام.

وعليه عزمت بعدها على الوقوف ملياً امام كل درس أعدّه لاؤلئك المتلهفين لمعرفة المزيد ، وباطالة النظر اليه من كل زاوية حتى لا أفاجأ بموقف جديد يجعلني صغيرًا في مخيلة من أقود ، وما أكثرها مواقف !!
اذ لم يكن درسُ اليوم سوى درس واحد منها ، ولن أكون مبالغا ان قلت ان تلك المواقف هي التي صنعتني ، اذ كلما مر أحدها ازددت همة وصلابة واكتسبت خبرة ومناعة ، وعليه أزمعت على نقل تجربتي وسأزيد من عرض تلك التجارب ليستفيد زملائي الاعزاء وخاصة المستجدون منهم في حقل التربية والتعليم الرائع والمروع بنفس الوقت..

*واختم حديثي لأقول لهم
*الله الله بالتخطيط والاعداد ، والله الله بالتهيؤ والاستعداد خاصة وقد اصبحت المعلومة اليوم في متناول اليد ، وباللحظة التي يريد كل مريد والى درس قادم جديد .*