آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-05:11ص

الثورة الشبابية السلمية اليمنية 11 فبراير 2011 مصاعب التغيير واستمراريته

الأحد - 07 فبراير 2021 - الساعة 05:53 م

د. عبدالله عوبل
بقلم: د. عبدالله عوبل
- ارشيف الكاتب


مقدمات الثورة لم تكن حادث البوعزيزي في تونس سوى شرارة في كوم من المظالم والفساد والقهر والبطالة. 

قابلة للاشتعال, هكذا انفجرت ثورة تونس السلمية الاجتماعية الأولى في القرن الواحد والعشرين، لتلهب هذه الثورة وجدان ومشاعر العرب ضد الظلم والفساد والبطالة والفقر.
هكذا هب الشباب المصري في ثورة سلمية هي الأقوى في تاريخ مصر الحديث لتسقط نظام حسني مبارك بعد أقل من ثلاثة أسابيع في ٢٥يناير ٢٠١١م
ولم تكن تلك هي مقدمات الثورة السلمية اليمنية في فبراير ٢٠١١م، لكنها ساعدت على إنضاج الظروف لخروج الشباب كقاعدة اجتماعية كبيرة للثورة خارج تأثيرات القوى السياسية وبعيدة عن قراراتها .. حيث تم التحاق المعارضة بالثورة بعد أن خرج الشباب واعتصموا وتظاهروا وسموا ساحة الاعتصام بساحة التغيير أمام جامعة صنعاء.. والمكان هنا له دلالة رمزية اختيرت بعناية .. ذلك أن أي
تغيير اجتماعي حقيقي يجب أن يبدأ من الجامعة.
لكن لا يجب انكار حقيقة أن التحاق اللقاء المشترك المعارض بالثورة الشبابية ودعمها قد وفر زخما قويا لها. ولا يمكن الحديث عن مقدمات الثورة بتأثير الثورة التونسية التي دفعت بقوة لخروج الشباب بالآلاف في البداية ثم مليونيات لاحقا .. فهناك ارهاصات ومقدمات وطنية داخلية كانت هي العامل الأساس في قيام الثورة السلمية والانتفاض في وجه النظام والمطالبة برحيله.
لقد بدأ الصحافيون في انتقادات قوية للنظام في الصحف المحلية منذ العام ٢٠٠٥م حيث تعرض الصحافيون والكتاب والمفكرين للملاحقة والسجن بل الاختطاف والضرب كما حصل للمفكر الفيلسوف والأستاذ الجامعي د. أبوبكر السقاف . كما سجن وخطف وضرب نشطاء كثيرون من الصحفيين منهم
الشهيد عبدالكريم الخيواني وآخرين ..هنا نذكر أولى كتابات الأستاذة توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام ) والتي ستكون لاحقا هي المحرضة والداعية للثورة الشبابية السلمية (في صحيفة
"الثوري"' لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني، رغم أنها تنتمي للتجمع اليمني للإصلاح الإسلامي المحافظ. ونشأ كتاب شباب وصحفيون بدأت كتاباتهم في صحيفة حزب التجمع الوحدوي اليمني اليساري.
وفي نفس العام الذي شن فيه النظام حرب ظالمة على جنوب البلاد حرب ١٩٩٤م وانتهت بدخول قواته إلى عدن
وممارسة السلب والنهب والاستيلاء على الأراضي والمساكن ومؤسسات القطاع العام وتشريد العمال من وظائفهم والتسريح القسري لأكثر من ثمانين ألف عسكري هم قوام الجيش والأمن الجنوبي.
. بدأت أولى التظاهرات السلمية ضد النظام في مدينة المكلا نهاية العام نفسه .. كما لم تتوقف هذه الاعتصامات والمظاهرات السلمية طيلة الفترة اللاحقة لتصل بداياتها المنظمة في العام ٢٠٠٧ وتكوين "الحراك الجنوبي" كقوة محركة للنضال السلمي الجنوبي في وجه ممارسات النظام, الذي استمر في قمع التظاهرات وقتل أكثر من ألفي شهيد من نشطاء الحراك السلمي . فإذن قيمة الحركة السلمية التي بدأت
في الجنوب بعد حرب١٩٩٤ ثم اخذت طابعا منظما في العام ٢٠١٠م لتتصدر تقارير المنظمات
الحقوقية تقرير هيومان رايتز..منتصف ٢٠١٠ ثم الانتقال الى ساحة مجلس الوزراء في صنعاء ٢٠٠٨ – ٢٠١١ عبر مسيرات من قبل الصحفيين والمحامين واطباء كمطالبات نقابية وحقوقية, لقد كانت القيمة السلمية بدلا من العنف في مجتمع قبلي مدجج بالسلاح نتاج طبيعي لأكثر من عشرين عاما منذ ان اقترنت الوحدة بالديمقراطية والسماح بالتعددية وقيام منظمات المجتمع المدني
مع ما شاب هذه الديمقراطية والتعددية من شوائب التعمية والتزوير واستمرار الاستبداد وقضم حقوق المواطنة من خلال التعديلات المستمرة للدستور اليمني. وعلى ذلك يمكن القول ان انطلاق الانشطة الثورية السلمية السابقة على ثورة فبراير كان يستندا الى قيم الحرية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان، وغيرها من القيم الانسانية المعاصرة وتجسدت في شعارات وسلوك مدني سلمي حضاري لاول مرة في تاريخ اليمن الحديث.

١؛ توصيف قوى الثورة

الشباب ليسوا طبقة اجتماعية متجانسة، انهم يمثلون كل طبقات وشرائح المجتمع ,, بكل تناقضاتها طبقات عليا ًوًسطى ودنيا,, لم يكونوا قوى ذات مصالح محددة لطبقة او فئة ,, انهم يمثلون مصالح عامة تتمثل في مجتمع يحقق لهم العدل والعيش الكريم ,, من المؤكد ان الطبقة الوسطى رغم ضعفها وافقارها نتيجة سياسات النظام الا انها كانت حاضرة وموجهة ) صحافيون محامون وقضاة وأساتذة جامعات وأطباء ,, ( وهذه الشريحة من الطبقة الوسطى غير متجانسة ولذلكً فقد ذهب القسم الأكبر منها ليقف مع النظام السابق وفقا لشبكة المصالح التي تكونت خلال ٣٣ عاما, لكن هذه الطبقة كان حضورها معنويا,, اما ساحات التغيير والحرية فكانت شبابية بامتياز ,, وفي مقدمتهم طلاب الجامعات

منظومة القيم
قامت الثورة الشبابية على خلفية نظام قيمي معاصر يعتمد حقوق الانسان والنضال السلمي والحريات وقيم التسامح والديمقراطية والدولة المدنية والمجتمع المتمدن ,, وكانت تلك المنظومة هي المحرك الوجداني للشباب وشعاراتهم وسلوكهم الثوري في مجتمع الخيام ٣:مجتمع الخيام الجديد
لم تكن ساحة التغيير امام جامعة صنعاء وساحة التحرير في تعز وبقية المحافظات مجرد مخيمات عادية ,, بل كان بداية تكون مجتمع جديد على هامش المجتمع التقليدي ,, بقيم اجتماعية جديدة وسلوك جديد
قائم على التضامن المهني والاجتماعي ,, والتسامح ونبذ التقاليد البالية المعززة بالسلاح والخصومة والثأر، فقد كان يسكن في الخيمة احيانا شخصان من قبيلتان بينهما ثار ويتقاسمان رغيف العيش ,, كما ان أبناء القبائل المسلحة تركوا أسلحتهم في منازلهم وتخلوا عن الجنابي. لقد كان ذلك يدل
بوضوح على تشكل مجتمع جديد في هذه الساحات مغاير للمجتمع التقليدي تماماً وعلى هامشه قائما على خلفية نظام قيمي جديد.
بطبيعة الحال كان المجتمع التقليدي ) القبلي خصوصا ومنظومة قيمه السائدة في مجتمع الريف الذي يشكل ٧٩/٠ من السكان وانتشار الأمية ( مازال قويا يملك وسائل القوة من المال والسلاح وتبعية الفرد
القبيلي للشيخ ) حيث يفكر الشيخ نيابة عن الفرد القبلي وخلف كل ذلك تقف قوى مسلحة تم إعدادها لحماية النظام العائلي الحاكم. لقد تعرض الشباب للقتل وكل انواع الأذى لكي يتركوا هذا المخيم ويعدلوا عن سلميتهم كان النظام يرى في ذلك خطرا يتجاوز شعار " ادأرحل " الى التمرد على المجتمع ومنظومته
الفاسدة وعلاقاته ومنظومته القبلية والنفعية. وقد دام مجتمع الخيام فترة اقل من عام وعاد الشباب من حيث أتوا، لكن هذه التجربة قد أزهرت وسوف تثمر أجيالا ثورية جديدة لأنهم حملوا معهم روحا جديدة وقيما جديدة وسلوك محترم قائم على التسامح والعدالة وحقوق الانسان
1؛ نجاح الثورة
في الثامن عشر من مارس ٢٠١١ ارتكبت مجزرة " جمعة الكرامة " راح ضحيتها اكثر من خمسين من شباب الثورة وفي يوم ٢٢ انضم اللواء على محسن الأحمر الى الثورة ومعه انضم الاف العسكريين واستقالت الحكومة او أقيلت واستقال عدد كبير من أعضاء مجلس النواب ودبلوماسيون، الامر الذي أدى الى سقوط النظام السياسي بالكامل وبقي الرئيس وحيدا الا من بعض المنتفعين ,, لكن رغم سقوط النظام بقي الرئيس وبقيت معه قواته الخاصة وأمنه .هنا لم يعد امام الثورة السلمية سوى ان تقف عند طرف المعادلة ,- مخيمات الاعتصام والمسيرات المليونية – في مقابل القوات العسكرية والامنية التابعة للرئيس علي عبدالله صالح –
هنا لم يعد بمقدور احد الطرفين ان يحقق انتصارا على الاخر. كان ذلك جدارا سميكا خارج نطاق الطبيعة السلمية للثورة. عند هذه النقطة جاءت المبادرة الخليجية في ابريل ٢٠١١م, ولو ان الشباب انزلقوا الى مواجهة مع القوات الامنية لتحول النضال السلمي الى حرب اهلية قد تتخذ المسار السوري, لكنها في الواقع قد تأجلت الى العام ٢٠١٥. وفي حقيقة الامر كانت هناك
نشاطات تفكيكية في الجيش خلال عام ٢٠١١, تقوم بها اطراف عسكرية وقبلية دخلت على هامش الصراع الاجتماعي, ولم يكن الشباب طرفا فيها. إذ وفرت الثورة الشبابية السلمية ملاذا لانشقاق عميق في بنية النظام السياسي كانت تحت السطح ووجدت في الثورة الشبابية ملاذا امنا لتختبئ خلفها ريثما
تنجز الثورة تغيير رمز النظام وليس تغيير النظام السياسي كما كان يطمح شباب الثورة.


بعض اسباب بقاء قوة الرئيس:

لم تطمينات لبعض الشرائح الاي كانت تخشى التغيير، لم تقدم ضمانا ت للأمن والمخابرات التي كانت تخشى ان يمسها التغيير من ان الثورة سلمية لا تقوم على العنف ,, وان محاسبة كل من عمل مع النظام القديم تكون عبر إدانة قضائية وليس عبر التسريح
غير القانوني، لذلك بقيت حالة التوازن دون تقدم من مارس الى نوفمبر في حالة من الجمود، أدت ألى القبول بالمبادرة الخليجية والتوقيع عليها من قبل الرئيس السابق وأطراف اللقاء المشترك لبدء المرحلة الانتقالية

2؛لماذا لم تحقق الثورة السلمية عملية الانتقال السياسي؟
في البدء لابد من مقارنة بين الثورات المسلحة والثورات السلمية؛
2( تقوم الثورة المسلحة على استخدام القوة المسلحة والعنف وإسقاط النظام بالقوة
- بينما تقوم الثورات السلمية على مبادئ السلام ونبذ العنف وتحقيق المطالب عبر التظاهرات والاعتصامات والإضرابات وغيرها من أشكال العمل السلمي
تقوم الثورات المسلحة بالتغيير الفوري وإسقاط كل مؤسسات النظام ورموزه وتقيم نظامها الجديد على أنقاضه
- الثورات السلمية لا تستطيع القيام بالتغيير الفوري للنظام بسبب طابعها السلمي وإنما تعمل على ازاحة النظام تدريجيا من خلال إسقاط رموز الفساد عبر القضاء وقانون العدالةالانتقالية, اي ان يتم التغيير عبر تغيير النسق القانوني وإزاحة النظام تدريجيا وفقا لما تقتضيه القوانين الجديدة وإعادة الهيكلة المؤسسية بما يسمح بإزاحة أسباب الفساد والخراب الاداري ,, وتعزيز مبدأ المساءلة القانونية
نتيجة لذلك يظل النظام السابق قائما واقعيا بسبب شبكة المصالح التي أقامها النظام خلال ٣٣ عاما ويستفيد من اجواء الديمقراطية وعدم العزل السياسي الا في إطار القانون ,, وتبقى شبكة المصالح قائمة وتعمل هذه الشبكة كلها لمصلحة رموز النظام السابق وإعاقة عملية التحول القانوني ,, فقد رفض وزراء صالح الموافقة على قانون العدالة الانتقالية وقانون استعادة الأموال المنهوبة وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان ,, ولان مؤسسات الدفاع والأمن ضمن شبكة النظام السابق فقد تعذر إقرار هذه القوانين بموجب الآلية التنفيذية خوفا من انزلاق البلاد الى حافة العنف ,, )اذ تمنح الآلية التنفيذية صلاحيات إصدار القوانين لرئيس الجمهورية في حال عدم التوافق عليها في مجلس الوزراء او النواب
٣؛ تقوم الثورات المسلحة على أسس الشرعية الثورية ,,اي شرعية أهداف الثورة خارج اي نظام قانوني ,, وخارج المحاكمات القضائية ,, وقد يتم سحق الكثير من الأبرياء من اجل تأمين الثورة من أعدائها ويصنف اصحاب الراي والمطالبين بالديمقراطية ضمن الثورة المضادة التي يجري ممارسة العنف لإخمادها.
- بينما تقوم الثورة السلمية على مبادئ دستورية واحترام القانون وحقوق الانسان ,, ولا يمكن للثورة ان تحرم أيا من رموز النظام السابق من الوظيفة العامة الا وفقا للقانون ,, ولذلك يقتصرالتغيير على الوظائف السياسية الوزراء ونواب الوزراء, , اما ما دون ذلك فهي وظيفة عامة لا يحق لأحد إسقاطها الا وفقا للقانون,,
من هنا بقي النظام السابق وشبكة مصالحه قائمة وبقي قويا ويستطيع عرقلة التغيير والتحول الديمقراطي والقانوني وتحرق ملفات الفساد وتعرقل كل خطوات الانتقال السياسي ,, ذلك لان النظام السابق سقط في شكله الرسمي بينما بقيت مؤسسات الدفاع والأمن التي تكونت في إطار الولاء الشخصي والمناطقي قوية، قد تهدد المؤسسة الرسمية التي يشارك النظام فيها بالنصف بالحرب الأهلية اذا هي استمرت في عملية محاسبة الفساد ,, وأعاق رموز النظام السياسي السابق عملية التعيينات وكل عمليات التغيير والمساءلة داخل المؤسسات,, رغم ذلك نجح مؤتمر الحوار الوطني واعدت مسودة الدستور ,, حينها زادت مخاوف النظام السابق فاحتجز مسودة الدستور وأنجز انقلاب كامل بالتعاون مع الحوثيين ضمن شبكة دولية لا سقاط ثورات الربيع العربي تعاضدت جميعها لحرف مجرى عملية التغيير وتحويلها الى حروب أهلية طاحنة,,

1 ؛ هل انتهت ثورات الشباب السلمية الى الفشل ؟
لا يمكن الحديث عن فشل ثورات الربيع العربي,,, فهذه الثورات قامت على مبادئ وقيم عصرية انتصارها يتطلب الى جانب انتصار الثورة السلمية تغيير في بنية المجتمع ,, يكون لصالح القوى المدنية الجديدة ,, اي تحول قانوني لصالح الدولة والمواطنة يضعف قوى النفوذ القبلية والدينية لصالح التحول نحو الدولة المدنية الحديثة ,, لقد أنجزت ثورة الشباب السلمية تحول جزئي في بنية النظام السياسي تم القضاء علية بانقلاب ٢١سبتمبر ٢٠١٤,, لكن بقيت منظومة القيم الجديدة التي رفعتها الثورة في وجدان الشباب وفي خلق مقاومة سلمية من قبل المجتمع المدني للانقلاب حتى وان كانت ضعيفة وغير قادرة على التأثير ,, لكنها تنمو وخصوصا مقاومة المرأة التي لم تتوقف منذ لحظة الانقلاب حتى الان, ان ثورة فبراير السلمية قد حققت اكثر مما هو متوقع منها في ظل مجتمع قبلي وقوى نفوذ قوية ,, وإذ أشعلت هذه الثورة شرارة التغيير فإنها لن تتوقف ,, وتحتاج الى مراحل وزمن قد يطول لخلق شروط تحول البنى الاجتماعية المناهضة للتغيير والدولة ومفهوم المواطنة الى مجتمع جديد قائم على اقتصاد حديث وتقنيات معاصرة ,, ويساهم في بناء الحضارة المعاصرة.
يتخلق الان وان ببطء مجتمع جديد في رحم المجتمع التقليدي الذي يفقد كل مقوماته تدريجيا بسبب الحرب القائمة وبسبب تحول عدد كبير من الرموز القبلية المحافظة الى التجارة وتقنية المعلومات والاتصال الحديثة ,, وممارسة هذه المهن الجديدة تستدعي وجود الدولة والقانون ,, للمحافظة على الأموال والاستثمارات وإضعاف سلطة القبيلة وتأثير قيمها وكذلك أضعاف سلطة رجال الدين وتأثيرهم على الدولة وقراراتها..
الثورة السلمية استوعبت معظم تيارات المجتمع ومختلف القوى الاجتماعية حتى تلك المحافظة تملك المرونة للتماشي مع العصر لتغليف مصالحها بأكثر قيمه راديكالية. لم يكن المجتمع ثوريا,لان المصالح لم تكن متشابكة من اجل التغيير نحو الدولة والمواطنة. كان النظام العائلي قد بنى قوته العسكرية , وجرد معظم تحالفاته منها. وكان سقوط نظام صالح يتطلب تحالفا عريضا استوعبته المعارضة واتفقت جميع القوى على إسقاط النظام أولا ثم الاتفاق على إن النظام المركزي لم يعد مقبولا, أما كيف فقد تركت الخيارات لطاولة الحوار.
الشباب الثائرون في مجتمعاتهم في ساحات الحرية والتغيير لم يكونوا ليحملوا مصالح انتماءاتهم وقواهم السياسية ..ذهبوا إلى الثورة منطلقين من قيم العصر والدولة المدنية الحديثة ..لم يكن ثمة ما يملي عليهم تحديد مدى أو سرعة أو بطء التغيير ..قدموا تضحيات جسيمة لتغيير واقع هم يتصورونه برؤيلة مختلفة عن رؤية القوى والمصالح الاجتماعية .هنا فقط فرضت على الساحات تناقضات وصراعات بل اقصاءات. هذه الصراعات جلها فرضت من خارج المجتمع الشبابي الجديد بقصد تحديد سير التغيير ومداه.

هل أدى البطء الشديد للتغييرات الثورية وفرض وفاق وطني بين القوى الموقعة على المبادرة الخليجية الى تحول الوفاق إلى شراكة. لا الوفاق كان مرحلة انتقالية احهضت قبل ان تبلغ مداها.اما السبب فيعود إلى خوف القوى الاجتماعية من التغيير الاجتماعي الراديكالي؟ وفضلت القوى التقليدية ان يظل زمام التغيير بيدها بحيث هي التي تتحكم في حدود التغيير ومستوياته؟
الجواب على هذا السؤال سيكون مقبولا إذا فترضنا إن قوى المجتمع الحاملة للتغيير تاريخيا غائبة عن مشهد الفعل الثوري. في كل مجتمع هناك طبقة وسطى بغض النظر عن مستوى تطورها وحجمها هي التي تقود عملية التغير الاجتماعي لأنها تتكون من شرائح مختلفة ومتناقضة احيانا لكنها وحدها حاملة للتغيير الاجتماعي ووحدها هي التي تحافظ على توازن المجتمع من الانهيلا عقب كل تغيير. تتكون الطبقة الوسطى عادة من المفكرين والمبدعين والمحامين والقضاة واساتذة الجامعات والفنانين والمبدعين من الادباء والمهندسين والمرتبطين بتكنولوجيا الاتصالات وصناع الراي العام من الصحفيين وما في حكمهم....وكما هو واضح فان هذه الشرائح هي التي تقود عملية التغير والتحولات وان بدت في واقع الثورات غير مرئية .لكنها في الثورة السورية اكثر بروزا بحكم مستوى التطور الاجتماعي للمجتمع السوري . في الثورة اليمنية السلمية يمكن ملاحظة المشاركة عبر قوى سياسية من الطبقة الوسطى قادة احزاب او حتى مهنيون امثال اساتذة الجامعات, وشارك فنانون وصحفيون وقضاة ومحامون وادباء وغيرهم بصورة فردية ..كان الزبيري ثائرا حتى لحظة استشهاده ,,وكان البردوني ثائرا حتى لحظلة وفاته,, وكان ومازال الدكتور عبد العزيز المقالح ثائرا. في تاريخ الثورات دائما هناك ارتباط بين الفن والثورة، وذلك حديث آخر، سجلته في افتتاحية مجلة الثقافة ٢٠١٢م

1 تقتضي المرحلة الانتقالية ان تسلم قوى النظام القديم السلطة إلى قوى الثورة. وكان التوافق يفترض ان ينتهي بانتخاب الرئيس الجديد عبد ربه هادي. وحتى التوافق ليس مطلقا بل فقط في قضايا الخلاف في الحكومة او البرلمان وليس التوافق متروكا حتى تتوافق الأطراف بل هناك مرجعية هي التي لها الكلمة الأولى والأخيرة وهو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فان لم يتفقا يحسم الرئيس الخلاف. لكن الملاحظ أن التوافق قد تحول إلى تهديد بحرب أهلية لذلك جمدت قوانين العدالة الانتقالية وقانون استعادة الأموال المنهوبة لجنة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان.
2 كان يفترض ان تكون المرحلة الانتقالية هي لتسليم السلطة الآمن والسلس من الحكم السابق الى قوى الثورة ..والان تحول الوفاق الى جمود واصبح النظام السابق وكانه شريكا في الثورة وقد يذهب الى الانتخابات بنفس قوة النصف حاكم وهنا من المؤكد ان الثورة سوف تنتكس اذا لم تستعجل إجراء التغيير الحقيقي ,,لان الوفاق كان عليه ان ينتهي بعد انتخاب الرئيس الجديد..
الشعب اليمني رموز الثقافة والابداع هم الذين تصدروا الفعل الثوري حتى في احلك الظروف لكن فعلل الثورة الحديث يتطلب نوعا من التضامن غير التقليدي الذي تحدث عنه ماكس فيبر وهو التضامن المهني لكن الحقيقة لم تنظم الاتحادات والمنظمات المهنية بصورتها الكيانية الى ساحات الفعل الثوري. هنا بدت الصورة محيرة. فشعارات الثورة وروح التسامح وقبول كل التيارات المتصارعة سابقا في خيم متجاورة رفعت صور الحمدي وعبد الناصر وعلي ناصر والبيض والحوثيين في مشهد من التسامح لم يحدث في تاريخ المجتمع, ورفعت شعارات الدولة والقانون والعدالة والمواطنة بحيث اضحى الامر وكان المشهد الثقافي هو الذي يغلف الفعل الثوري كله. فهل فعلا كان المشهد الثقافي حقيقيا يقود الفعل الثوري ام انه كان مظهرا خادعا.؟
في الواقع اجازف واقول ان الفعل الثقافي كان ومازال منفصلا عن فعل الثورة ومعزولا عن مجرى خطها الصاعد ببطء المجتمع الحقوقي الذي كان اكثر بريقا في سماء الثورة وما سبقها لم يكن كيانيا جزءا من بنية الفعل الثوري لقوى الثورة ,,لم يكن اتحاد الادباء والكتاب جزءا كيانيا من الثورة رغم تاريخه الفاعل في قضايا الوطن الكبرى ,ولم تكن اتحادات الفنانين جزءا مؤسسيا من قوى الثورة.
واذا كان الشباب المتمردون على واقع المجتمع المتخلف وقيمه رفعوا شعار الدولة المدنية الحديثة والنضلال السلمي وحقوق الانسان, فان الحالة الثقافية لم تكن كذلك فالانتلجنتسيا ظهرت وكأنها انسلخت من جسم الطبقة الوسطى وظلت منقسمة على ذاتها. فهل يمكن القول ان الحالات الفردية المتناقضة من المثقفين استطاعت ان ترشد مشروع الثورة؟ كان يمكن القول ان الحالات الفردية هي الاستثناء في حالة الفعل الثوري اما عملية ترشيد الثورة وليس قيادتها كما يطمح الناس فذلك لم يكن من الامور التي تتشرف بها الانتلجنتسيا اليمنية, المنقسمة بين مؤيد سالب للثورة ومتفرج ومعارض,,
يبقى المشلهد الثقافي على شاكلته السلبية حتى بعد ان اتضحت معالم التغيير ..ويبقى في حالة استقطاب حاد ,,باسللتثناء الفنانون التشكيليون من الشباب في الامانة وبعض المحافظات الذين جسدوا في اعمالهم الفنية صورة الثورة وطموحات الثوار. بينما فنانون وادباء وكتاب وصحافيون لم يخرجوا بعد الى واقع الثورة الجديد ولم يكونوا جزءا من الصراع من اجل تثبيت الثورة واهدافها كما فعل الشعراء والادباء الثوار في الدفاع عن الجمهورية بعد سبتمبر ١٩٦٢م.
حتى الدراما التلفزيونية ظلت راكدة بل رافضة لفعل التغيير ولم تستوعب بعد فعل الثورة وتجسده ,, باستثناء بعض المشاهد وعلى استحياء, نفسها القنوات الفضائية والاذاعات الحكومية يفترض ان تعبر عن الواقع الجديد والممارسة الحقيقة للحريات اغلقت الابواب في وجه الاغنية الوطنية الجديدة كذلك مسرح الشباب والافلام القصيرة وحتى الشعر ظل بعيدا عن فعل الثورة ولم يرافقها الى شواطئ الحرية,,
لا يليق باي جهة ان تصدر فرمانا سلطانيا يحدد توجه الابداع في مجالات الادب والثقافة .وحدها قوى المجتمع الحديث تفضل هذا الخيار ..وحدهم المبدعون حملة مشاعل الحرية والتغيير موضوعيا لأنه خيار المستقبل الافضل...المشهد محير قوى اجتماعية حديثة ترفض التغيير بينما قوى تقليدية لا تتردد في تبني شعارات العصر وقيمه وتتبنى مشروع الدولة المدنية ,,بغض النظر عن الذين يحاكمون على النوايا..
في نهاية المطاف المجتمعات تتخلق موضوعيا وهي تخلق بما يلبي احتياجاتها من نظم ومؤسسات وحاجات سياسية واقتصادية وثقافية ,,لاشك ان هذه المؤسسات المعنية بأمر الثقافة والمثقف سوف تتغير وقد تخلق الثورة مؤسساتها الخاصة بها ومبدعيها ..المجتمعات دائما تغير مؤسساتها حسب حاجتها ..عندما تشيخ مؤسسات المجتمع القائمة وتصبح عاملا معوقا لتطور المجتمع ومتطلبات حياته. لذلك الثورة تمضي رغم البطء الشديد بسبب الروح المحافظة للمجتمع وغياب مؤسسات المجتمع الثقافية عن الفعل الثوري الحقيقي. وتدل هذه التجربة على ان الحالة الثقافية القائمة تستدعي تغيير المشهد الثقافي كله وخلق حالة ثقافية ثورية جديدة تستوعب اهمية التغير الاجتماعي وقيم العصر الحديثة.
د.عبدالله عوبل