آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-11:09ص

المجلد الواحد و العشرون في سفر الإصحاح الجنوبي

السبت - 09 يناير 2021 - الساعة 07:42 م

حيدره محمد
بقلم: حيدره محمد
- ارشيف الكاتب


بدون ان نصل لرؤية سياسية مسؤوله تقوم على اساس تحجيم الخطأ التاريخي و تحديد شكله و موضوعه و جهته وحقائقه لا يمكننا ان نصل لبداية حقيقية جادة لصنع إرادة التغيير و إعادة رسم المعالم الرئيسية للواقع الجنوبي من أجل الوصول إلى كافة استحقاقات العمل البنيوي و المؤسسي في المستقبل .. و بمعنى أكثر إيضاحا ، بدون ان نحدد الجهة و التيار و الجماعة السياسية التي تسببت بالكوارث والأنتكاسات المتعاقبة في الجنوب لا يمكننا ان نصنع واقعا حقيقيا ومنظما وقويا .

وعندما نقول "خطأ تاريخي" فنحن نعي مانقول و نحاجج عليه بالأدلة والبراهين والحجج .. أما ان نظل ننتهج سلوك المزايدة و المناكفة و النكاية السياسية المبتذلة في خلافات تاريخية لم نتفق على تحديد نتائجها ومن المسؤول عن انتاجها و بلغة دبلوماسية مغلفة بروح الخداع و التضليل و التمويه و التقية السياسية الحرفية ، خشية قول الحقيقة كاملة و بدون مقدمات و متاهات نظرية في الطرح و التعليل ، فإننا سنظل نمارس اسلوب "التعميم الاجوف" على جميع الاطراف السياسية الجنوبية وبدون تمييز و نحن بهكذا تعميم نصر على ان لا نكون واقعيين و صادقين اخلاقيا و فكريا ونكون بذلك لا نملك الشجاعة الاخلاقية الكافية لأدعاء اننا و طنيون حقيقيون و نحرص على الامانة التاريخية و المسؤولية الوطنية تجاه شعبنا و وطننا .

فبرغم الصراعات و الأخطاء الفادحة و الكوارث الماحقة في التاريخ السياسي الحديث للجنوب ، إلا ان هناك فترات و مواقف و توجهات وطنية حقيقية  مشرفة لا يمكن ان نحملها النصاب ذاته من كم الأخطاء التي ارتكبت في الماضي والتي و للاسف لاتزال ترتكب  والتي لم يكن لهم يد في ارتكابها و صناعتها و بل على العكس تماما ، كانوا من أشد معارضيها و البعض منهم دفع حياته ثمنا لمعارضته لتلك الأخطاء .. ولكن السائد و المستمر عند محاولة معالجة و نقد و مقاربة التاريخ ان التعميم الكلي يطال الفريقين على حد سواء ، وعندما نقول الفريقين فإننا نعي مانقول ، و نعتقد ان اغلب المراحل التي مرت في الجنوب كانت دائما ما تفرز فريقين سياسين لهما اتجاهين متعارضين ، بيد ان غياب الوعي و هيمنة الإيدلوجيا كانا دائما ما يخدمان الفريق السياسي المتغطرس و المؤدلج .

وفي تقديري ان هناك مراحل و قيادات سياسية وعسكرية جنوبية كانت على قدر عالي من المسؤولية و بعد النظر و العقلانية التي تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار و كانت حريصة على تغليب لغة العقل و المنطق السياسي الرشيد ، غير ان الهيمنة والانفراد بالقرار و والشعارت الثورية الإيدلوجية جعلت من تلك القيادات الجنوبية في نظر الشعب قيادات خائنة و عميلة .. وإلى يومنا هذا لا تزال قطاعات وفئات واسعة من الجنوبيين على ظنها واعتقادها التاريخي الخاطئ تجاه مواقف تلك القيادات وبل وزادوا لحساب قافلتها قافلة من القيادات المعاصرة وبدوافع واعتبارات مناطقية جهوية ليس لها من الوجاهة و الاعتبار شيء .

وفي "سفر إصحاحنا الواحد والعشرون" نستعرض معكم بعضا من تلك المواقف والاتجاهات الوطنية التي رفضت الضلامية و التبعية المطلقة للإيدلوجيا و لحسابات الخارج المتدخلة في الشأن الداخلي الوطني في الجنوب ومن تلك المواقف الحية في التاريخين الحديث والمعاصر : موقف الرئيس "قحطان الشعبي" ماقبل و بعد فترة الاستقلال ويعتبر من المواقف الوطنية المشرفة و الرافضة لحرف مسار مبادئ و قيم ثورة اكتوبر ١٩٦٣ ، فالرجل زعيم وطني أوحد وبلا منازع في الجنوب قبل نيله استقلاله وهو من وقع اتفاقية الجلاء مع حكومة المملكة المتحده ، بالاضافة لكونه سياسي تكنوقراط صرف و حامل للدرجة العلمية الوحيدة من بين كل رفاقه قبل الثورة ، ولأنه رفض تجاوزات "اليمين المتطرف" داخل مجلس قيادة الثورة منذ اليوم الأول إبان فترة حكمه لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ، تمت معاقبته والغدر به بان وضعوه في السجن ثلاثة عشر عاما الى ان توفي في محبسه والى اليوم لا تعرف الاجيال الجنوبية حقيقة الموقف الوطني المشرف للرئيس قحطان الشعبي .

وعلى ذات السياق من الأهمية في التعريف بالمواقف الوطنية ، يأتي الموقف الوطني للرئيس "علي ناصر محمد" إبان فترة حكمه للجنوب وكيف كان حريصا على بدء مرحله وطنيه واعده و مستقله و تحترم مبادئ السيادة والثوابت الوطنية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حتى آخر لحظة في معركته مع الطرف المعارض لموقفه وسياسته وتوجهه ولايزال الكثيرين يقفون موقفا عدائيا مع الرئيس ناصر و يعممون الخطأ الفادح المترتب عن احداث ١٣ يناير١٩٨٦ على شخصه وبشكل هستيري لا يراعي الحقائق الغائبة عن الوعي الجمعي في الاسباب الحقيقية والخفية التي كانت تقف خلف الصراع المرير الذي خاضه ناصر مع معارضيه والذين كانوا أقل وعيا وإدراكا ومسؤولية لحقيقة توجهاتهم المدفوعة اقليميا ودوليا وبدعم اطراف وقوى داخلية لا تنتمي ولاتدين بالولاء للجنوب و تسعى للوصول الى ساعة صفر انهيار النظام السياسي الجنوبي وقد تحقق لها ذلك فور انفجار الوضع في يناير ٨٦ .

وأما عن المواقف الوطنية المعاصرة ما بعد قيام "الحراك الجنوبي" المطالب باستعادة الدولة ، فلا يمكننا ان نقفل عنها وهي مواقفا وطنية ساطعة و قريبة العهد بوعينا وعاصرناها وقاربناها واشدنا بها ومنها موقف الأستاذ "حسن باعوم" في ٢٠١٣ عند انتخاب الهيئة الوطنية لمجلس الحراك الجنوبي والتي اجريت في عدن وكانت تؤسس لمرحلة صاعدة من العمل السياسي الصحيح والمنظم لولا انها افرغت من مضمونها واهدافها بفعل التيار المعارض لها ، أو بالأصح التيار المخرب لكل جهد وطني حقيقي مالم يكن هو من يقوده ويتبناه .. ومن المواقف الوطنية الجادة تأسيس "المؤتمر الجنوبي الجامع" والذي قاد توجهه ومواقفه الشيخ "صالح بن فريد العولقي" ولم يكن مصيره باحسن حال من مصير خطوة باعوم والمتمثلة بالخطوة الانتخابية التنظيمية لهيكلة قوى الحراك عبر الانتخاب المباشر والتوزيع العادل لمقاعده على جميع المحافظات .

ومن المواقف الوطنية في مسيرة الحراك الجنوبي المعاصرة ،  عودة القائد الجنوبي العسكري "أحمد عبدالله الحسني" إلى عدن وزياراته التي قام بها لمختلف مناطق الجنوب المصعدة لمطلب الاستقلال في ٢٠٠٧ وحينها كشف الحسني للجنوبيين طبيعة التوجه الدولي في اليمن وقالها بالحرف وهو يخاطب الحشود الذي استقبلته في الضالع إذا لم نتوحد لن يسمعنا أحد وسيكون الجنوب خاضعا لمشروع التقسيم الدولي ولم يسمع الجنوبيين تحذير الحسني لهم وعاد الى منفاه في بريطانيا خالي الوفاض ولكن ما قاله الحسني يجري تنفيذه اليوم والجنوبيون منقسمون ولم يتحدوا وعلى مايبدو انهم لن يتحدوا مالم يتخلوا عن الدبلوماسية المفرطة في تحديد المسؤولية عن الأخطاء الكارثية التي وقعت والتي وبسببها خسر الجنوبيين وطنهم .